الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وقد استعرض الأصوليون ألفاظاً استعملها الصحابة في التعبير عن الأفعال النبوية، وحاولوا تحديد دلالتها، ونحن نذكرها تتميماً لبحثنا، في مسائل:
المسألة الأولى:
لفظ (فَعَل) والمراد (الفعل الصرفي) المثبت، المعبّر به عن فعل نبويّ (1)، كقول ابن عباس:"صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، من غير خوف ولا سفر"(2).
فهذا اللفظ مطلق عن ذكر الزمان.
يحتمل أنه جمع بين العصرين في وقت الظهر، أو في وقت العصر، أو صلّى الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها، وهو ما يسمى الجمع الصوري.
ولا يصح حمله على العموم، لأن اللفظ يدل على أنه فعله مرة واحدة، وقد وقعت بلا شك في أحد المواعيد الثلاثة.
فحمله أبو الشعثاء راويه عن ابن عباس على الجمع الصوري. وإليه ذهب القرطبي المالكي، والجويني الشافعي، والطحاوي من الحنفية. ويؤديهم أن الجمع الصوري لا يخرج عن دلالة الآية {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} قال ابن حجر:"يقوّي حمله على الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرّض لوقت الجمع، وإما أن تحمل على مطلقها، فيلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر، وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج. والجمع الصوري أولى. والله أعلم"(3).
(1) انظر الزركشي: البحر المحيط 2/ 60 أ، والشوكاني: إرشاد الفحول ص 125، أبو الحسين البصري: المعتمد 1/ 205، تيسير التحرير 1/ 247، 248، الآمدي: الإحكام 2/ 369
(2)
رواه مسلم 5/ 215 وأبو داود والترمذي والنسائي.
(3)
الفتح 2/ 24
وبعض العلماء، من غير هؤلاء، قالوا: إن ابن عباس شاهد الفعل، وعرف أنه وقع في واحد من المواعيد الثلاثة، فعبّر بما يدلّ بظاهره على عدم التفريق بينها، وذلك يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم جمع إما في وقت الظهر، أو في وقت العصر. ولا يريد الجمع الصوري، إذ لو كان كذلك لما أغفل ذكره. ولأنه علّل بما يقتضي ظاهره عدم التقييد بالجمع الصوري، وهو أنه سئل: ما أراد صلى الله عليه وسلم إلى ذلك؟ فقال: "أراد أن لا يحرج أمته". فعلّل برفع الحرج، ولا يزول الحرج بالجمع الصوري، بل بكل صور الجمع. والله أعلم. فلهذه القرينة عمّمْنا الحكم في الصور الثلاث ليشمل كل زمن الصلاتين. فإن لم يكن ثم قرينة، فلا يصح تعميم حكم الفعل المثبت المطلق في أقسامه أو أوجهه. بل يحمل على أولى الصور بالحكم، ونتوقف في الصور الأخرى. وإن تساوت توقفنا فيه. وقد قال الشوكاني:"الفعل المثبت إذا كان له جهات فليس بعام في أقسامه، لأنه يقع على صفة واحدة، فإن عرفت تعيّن وإلاّ كان مجملاً يتوقف فيه".
فمّما نحمله على أولى الصور، ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم:"صلّى في الكعبة" فإن عبارة الصحابي يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام صلّى الفرض أو صلّى النفل، واللفظ مطلق، فيحمل على الأولى بذلك، وهو النفل، لما كان قد عهد التخفيف فيه. فلا يدل على جواز صلاة الفرض داخل الكعبة، بل يتوقف في ذلك (1).
ومثله أنه صلى الله عليه وسلم: "جمع في السفر" فالسفر إما طويل وإما قصير. فلا تكون عبارة الصحابي عامة للجمع فيهما. فالطويل داخل في مفهوم اللفظ؛ والقصير مشكوك فيه، فيتوقف فيه.
هذا ويستثنى من جملة الأفعال المثبتة التي ذكرناها في هذه المسألة أن يرد الفعل مقترناً بكان، فنعقد لها المسألة الثانية.
تنبيه: الأفعال (أمر) و (نهى) و (قضى) ونحوها، ألفاظ قد يعبِّر بها الصحابي عما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم، كقولهم (نهَى) عن بيع الغرر، و (قَضىَ)
(1) انظر ابن السمعاني: القواطع ق 49