الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاصة القول في العصمة:
قد تبيّن مما نقلناه من الخلاف والاحتجاج في المسألة، أن الاتفاق حاصل على أنه لا يستقر فيما بلغه النبي صلى الله عليه وسلم من الشريعة خطأ ولا عمدٌ مخالف لما أراد الله تشريعه لهذه الأمة. وهذا كافٍ من وجهة نظر الأصولي لأن يبني عليه حجية البلاغ.
أما الأفعال النبوية فلا ينبني على الخلاف في العصمة فيها كبير أمر. فأما من قال بجواز صدور الذنب، ولم يلتزم العصمة من الإقرار عليه، فقد قيل بأنه يبني على ذلك عدم حجية الفعل النبوي. وقد نُسب إلى الباقلاني في ظاهر ما نقله ابن حزم في (الفصل)(1). وقال الآمدي في الفعل الصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم، هل يستفاد منه الحكم في حقنا أوْ لا، قال:"وبعض من جوز المعاصي على الأنبياء قال هي على الحظر". ورد ذلك تلميذه أبو شامة بقوله: "ليس مأخذ قولهم إنها على الحظر تجويزهم المعاصي على الأنبياء، بل مأخذه أن الأشياء باقية على أصلها في التحريم إلى أن يقوم دليل الإباحة، وصورة الفعل لا دليل فيها بالنسبة إلى الأمة"(2).
ونحن سنذكر إثبات العلماء حجّية الفعل النبوي حتى على افتراض قيام هذا الاحتمال في بعض الأفعال.
وأما من أجاز صدور الذنب والخطأ والسهو منهم، وألتزم وجوب العصمة من الإقرار عليه، فالأمر في حقه واضح. إلا أنه قد بَنَى عليه ابن عقيل الحنبلي قيداً في الاستدلال بالفعل النبوي، وهو أن الأفعال الواقعة على غير جهة القربة، لا تدل على الإباحة إلاّ مشروطةً بأن لا تتعقّبَها مَعْتَبَة من الله، أو استغفار منه صلى الله عليه وسلم، واستدراك، حيث إنه لا يقر على الخطأ. قال:"وهذا ملحوظ في هذا الفصل على من أغفله، مستدرَكٌ على من أهمله، بل أطلق القول إطلاقاً". وضرب مثلاً بقيامه صلى الله عليه وسلم على قبور المنافقين، واستغفاره لبعض المشركين (3).
(1) الفصل في الملل والنحل 4/ 2
(2)
المحقق من علم الأصول، مخطوط: الورقة 10 أ
(3)
الواضح في أصول الفقه ق 126 أ.