الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول سَبَبُ الفعْل
السبب ما يضاف إليه الحكم، لتعلق الحكم به من حيث إنه معروف للحكم، أو مؤثر في حصوله، أو باعث على اشتراعه. وهي الأقوال الثلاثة التي تذكر في علة القياس. وسواء ظهرت المناسبة في ذلك أو لم تظهر، فكل ذلك سبب (1).
وإضافة الحكم إليه أن يقال: وجب الجلد للزنا، ووجبت الظهر بزوال الشمس.
فإذا فعل صلى الله عليه وسلم فعلاً ما، لسبب من الأسباب، فإن الذي يقتدي به فيه هو من وجد مثل ذلك السبب في حقه، أما من لم يوجد فليس له أن يفعل مثل ذلك الفعل، بدعوى الاقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم.
فأدلة التأسّي والمتابعة والاقتداء، مقيّدة بحصول سبب الفعل، فإذا وجد السبب وجب الاقتداء، مقيّدة بحصول سبب الفعل، فإذا وجد السبب وجب الاقتداء، وإلا فلا.
وسواء أكان الفعل المنوط بالسبب واجباً أو مستحباً أو مباحاً.
ويمكن توضيح الاقتداء به صلى الله عليه وسلم عند وجود السبب بالتمثيل بأنه صلى الله عليه وسلم قطع يد
(1) جمع الجوامع للسبكي، وشرحه للمحلي 1/ 94. وهذا الذي اعتمدناه في السبب هو أحد قولين في تحديده. وعليه يكون شاملاً للعلة. والقول الآخر أن السبب مباين للعلة، فالسبب ما كان موصلاً دون تأثير، والعلة ما أوصلت مع التأثير.
رجل سرق رداء صفوان. فالسبب هنا هو السرقة. ولا يجوز الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في قطع يد إنسان ما لم يوجد سبب القطع، وهو السرقة. فإذا وجد ذلك السبب وجب الاقتداء بإقامة الحد على السارق.
ومثاله أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف يصلي بأصحابه، فذكر أنه جنب، فانصرف فاغتسل ثم جاء، فلم ينصرف أحد منهم ليغتسل. ووجه ذلك أن سبب الغسل وهو الجنابة، وجد في حقه هو، ولم يوجد في حقهم. وإنما يقتدي به في ذلك من وجد في حقه السبب المماثل.
ومثال ثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قرأ عام الفتح سجدة، فسجد الناس كلهم، منهم الراكب والساجد في الأرض، حتى إن الراكب ليسجد على يده"(1).
يحتمل أنهم سجدوا لكونه صلى الله عليه وسلم قرأ سجدة التلاوة، أو سجدوا لكونه قارئاً ساجداً للتلاوة.
فعلى الاحتمال الأول يسجد كل من استمع للقراءة التي فيها السجدة، سواء سجد القارئ أو لم يسجد.
وعلى الاحتمال الثاني: يسجد المستمعون إن سجد القارئ، ولا يسجدون إن لم يسجد.
ويظهر أن مذهب البخاري الأخذ بالاحتمال الثاني، فقد بوّب على الحديث:(باب من سجد لسجود القارئ) واحتجّ بقول ابن مسعود للقارئ اسجد فأنت إمامنا فيها.
ومن الحجة لذلك أيضاً رواية زيد بن أسلم، أن غلاماً قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة. فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن سجد، فلما لم يسجد قال: يا رسول الله! أليس في هذه السجدة سجود؟ قال: "بلى، ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا"(2).
(1) رواه البخاري. فتح الباري 2/ 556
(2)
رواه أبن أبي شيبة (فتح الباري 2/ 556)