الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبطال قول الوجوب
قول الوجوب في الفعل المجرد، سواء أكان مجهول الصفة أو معلومها، قول مردود، لا يثبت له أساس. ويغلب على ظني أنه لو أمكن التنقيب لتبين أن من نسب إليهم القول به من الأئمة، براء منه. وخاصة في ما لم يظهر فيه قصد القربة. وقد قال الجويني:"نسبوه -يعني القول بالوجوب- إلى ابن سريج، وهو زلل في النقل عنه. وهو أجلّ قدراً من ذلك"(1).
ويكفي في بطلانه عدم الدليل على صحته.
ويمكن إبطاله أيضاً بالأدلّة التالية:
الأول: أنه يلزمنا على هذا القول تناقض، لأن من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء من المندوب والمباح في وقت، ثم لا يفعله، أو يفعل ضده، في وقت آخر، فمقتضى قول الوجوب أنه يجب علينا فعل الشيء وضده، أو فعله وتركه. وذلك إما أن يكون في وقت واحد، أو في وقتين مختلفين، فإن كان في وقتين مختلفين فذلك نفي للوجوب، لأن الواجب لا يجوز تركه. وإن كان في وقت واحد لزم التناقض، وهو محال (2).
الثاني: أنه يقتضي أن الفعل يجب علينا إن فعله النبي صلى الله عليه وسلم مباحاً أو مندوباً. وهذا ضد التأسّي والاتباع المأمور بهما في القرآن (3).
وقد حاول المنتصرون لهذا القول أن يردّوا هذا الدليل بمثل ما ردّه به أهل مذهب الندب، ولكن لا يتم لهم ذلك. وقد تقدّم بيانه.
الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها: قالت: "إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) الزركشي: البحر المحيط 2/ 250 أ.
(2)
أشار إلى هذا الاستدلال أبو الحسين البصري في المعتمد (1/ 381) والعضد في شرحه لمختصر ابن الحاجب (2/ 84)
(3)
أبو الخطاب الحنبلي: التمهيد ق 90 أ.
ليدعُ العمل وهو يحبّ أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم".
ففي هذا الحديث دليل على أن الفرض لم يكن بنفس فعله، بل بفرض من الله تعالى إذا اقتدوا به فيه (1).
ولا يرد هذا الدليل على قول المساواة، لأنه لا يجب علينا مثل فعله -على قول المساواة- إلا في حالة واحدة، وهي أن يعلم أنه صلى الله عليه وسلم فعل الفعل على وجه الوجوب خاصة. وليس العمل الذي كان يتركه صلى الله عليه وسلم مفروضاً عليه، لأن الواجب لا يترك. فالحديث وارد في المندوبات قطعاً.
وشبيه بذلك ما قال الجصاص في رد دعوى الوجوب، فقد احتجّ بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ليلتين في رمضان ثم لم يخرج إليهم، فلما أصبح قال:"خشيت أن تكتب عليكم" يقول الجصاص: قد صلى النبي بهم ليلتين، وأخبر مع ذلك أنها لم تجب بفعله، فلو كان فعله صلى الله عليه وسلم يقتضي الوجوب لكان وجب بأول ليلة (2) اهـ.
الرابع: ألزم ابن حزم القائلين بالوجوب (3) أن يقولوا بوجوب صوم الأيام التي كان صلى الله عليه وسلم يصومها، ووجوب صلاة ما كان يصلي، ووجوب المشي حيث مشى صلى الله عليه وسلم. ومثل هذا لا يقول به من الفقهاء أحد.
(1) أبو شامة: المحقق 3 أ، ابن حزم: الإحكام 1/ 430
(2)
أصول الجصاص ق 208 أ.
(3)
الإحكام 1/ 140