الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمن النوع الأول من المحبة والكراهة، وهي التي تدل على الحكم، ويقتدى به صلى الله عليه وسلم فيها، ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم:"كان يحب التيامن ما استطاع في طهوره وتنعّله وترجّله وفي شأنه كله"(1). وكان يحب من أصحابه أبا بكر وعمر، وقال لمعاذ:"إني أحبّك"(2).
وكان يكره النفاق والمنافقين، ويكره الكذب والكاذبين، وكان يكره أن يطأ أحد عقبه (3).
وفي كل ذلك من أمره قدوة.
ومن النوع الثاني، وهو المحبة والكراهة الطبيعيتان، ما ورد عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الحلواء والعسل (4)، ويحب الدبّاء (5)، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد (6). وكان أحب الطعام إليه الثريد من الخبز والثريد من الحيس (7). وكان يكره ريح الحناء (8). فلا قدوة في شيء من ذلك.
ومنه أنه صلى الله عليه وسلم ترك أكل الضبّ كراهةً له. قال: "أجدني أعافه" فلم يقتدِ به الصحابة في ذلك، بل أكله خالد بن الوليد على مائدته صلى الله عليه وسلم.
الضرب الثاني:
الأفعال الجبلّيّة الاختيارية، وهي ما يفعله عن قصد وإرادة، ولكنها أفعال تدعو إليها ضرورته من حيث هو بشر، ويوقعها الإنسان قصداً عند شعوره بتلك
(1) متفق عليه (الفتح الكبير).
(2)
أحمد وأبو داود وابن حبان (الفتح الكبير 3/ 401).
(3)
الحاكم في المستدرك (الفتح الكبير).
(4)
البخاري ومسلم والأربعة (الفتح الكبير).
(5)
أحمد والنسائي وابن ماجه عن أنس (الفتح الكبير) والدباء القرع.
(6)
متفق عليه (الفتح الكبير).
(7)
أبو داود والحاكم (الفتح الكبير) والحيس التمر يعجن بسمن وأقط ويخرج منه نواه.
(8)
أحمد وأبو داود والنسائي (الفتح الكبير).
الضرورة. إلاّ أن إيقاعها تابع لإرادته وقصده، بحيث يستطيع الامتناع عن ذلك في وقت دون وقت.
ومثال هذا الضرب: تناول الطعام والشراب، وقضاء الحاجة، واتخاذ المنزل، والملابس، والفراش، والمشي والجلوس والنوم والتداوي من المرض، والنكاح.
فإن أصل هذه الأشياء ضروريّ للإنسان من حيث هو إنسان، بحيث يصيبه الضرر لو امتنع منها كلية. فهو يفعلها تحت ضغط الضرورة، وبذلك يكون فعله لها خارجاً عن التكليف، ولا قدوة بما لا تكليف فيه، وتكون من الضرب الأول الذي تقدّم ذكره. فمن فعل شيئاً من ذلك وزعم أنه يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ، لأنه سيفعله شاء أم أبى.
إلاّ أنه لا بد من التقصّي لأمور أربعة تتبع ذلك، هي التي تدخل في المراد بهذا الضرب الثاني.
أولاً: الهيئات التي يمكن أن تقع عليها الأفعال المشار إليها في هذا الضرب. إذ الفعل يمكن أن يقع على هيئات مختلفة، فيفعل النبي صلى الله عليه وسلم الفعل على إحدى تلك الهيئات دون غيرها، كما ورد أنه كان ينام على جنبه الأيمن، ويأكل بيمينه، ويشرب ثلاثاً. ويأتي أهله بطريق أو طرق معينة. فليس ذلك دليلاً على استحباب تلك الطريقة أو وجوبها، لإمكان عمله على الهيئة أو الهيئات الأخرى، ما لم يدل دليل على أنه صلى الله عليه وسلم قصد بذلك موافقة الأمر الشرعي.
ووجهه أن هذه الهيئات هي أيضاً أفعال جبلية اختيارية، وتدل على الإباحة.
ثانياً: أنواع الأشياء المستعملة من الضرورات المشار إليها، إذ قد يأكل طعاماً معيناً، كما قد أكل التمر والعسل وخبز الشعير ونحو ذلك، وليس شيء من ذلك ضرورياً، إذ قد يترك ما أكله ويأكل بدله شيئاً آخر.