الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني تعيين المندوب من أفعاله صلى الله عليه وسلم
يتعين المندوب من أفعاله صلى الله عليه وسلم بأمور:
الأول: بالقول. ومثاله أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن صيامه ليومي الاثنين والخميس فقال: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"(1).
فبيّن صلى الله عليه وسلم أنه استحبّ صيام اليومين المذكورين. ولو كان صومهما واجباً لما ذكر هذا، بل كان يبين وجوبه.
الثاني: أن يكون الفعل بياناً لقول دال على الندب، أو امتثالاً له.
الثالث: أن يسوّي بين الفعل وفعل آخر مندوب، والتخيير تسوية، لأنه لا يخيّر بين ما هو مندوب وما ليس بمندوب (2).
الرابع: أن يكون وقوعه مع قرينة قد تقرر في الشريعة أنها أمارة للندب، على وزن ما قالوه في الوجوب. ومثاله عندنا. أنه صلى الله عليه وسلم:"كان يوتر على البعير"(3). فذلك يقتصي أن الوتر في حقه صلى الله عليه وسلم مندوب، وليس واجباً، كما قاله ادّعى أنه كان واجباً عليه صلى الله عليه وسلم خاصة. وكذا يرد به على أبي حنيفة في قوله:"إِنه واجب عليه صلى الله عليه وسلم وعلينا"(4).
(1) الترمذي، وقال "غريب"(نيل الأوطار 4/ 263)
(2)
أبو شامة: المحقق ق 34 ب
(3)
متفق عليه (الفتح الكبير).
(4)
نيل الأوطار 3/ 33
الخامس: أن يقع الفعل قضاء لمندوب (1). كالركعتين بعد العصر، صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بدلاً عن الركعتين اللتين بعد الظهر.
ويشكل على ذلك قضاء الحج والعمرة المتطوع بهما إذا فسدا، فإن ذلك القضاء واجب.
وحل هذا الإشكال أن الحج والعمرة يلزمان بالدخول فيهما وإن كانا في الأصل تطوعاً، فإذا فسدا بعد الدخول فيهما كان فسادهما بعد الوجوب، فلا تنتقض القاعدة.
السادس: المواظبة على الفعل في العبادة، مع الإخلال (2) به أحياناً لغير عذر ولا نسخ، أو كونه بالاستقراء مما لا يكون واجباً، يدل على استحبابه بخصوصه. ومثاله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح يوم الجمعة {آلم تنزيل} و {هل أتى على الإنسان
…
} فدلّ ذلك على استحباب قراءتهما في تلك الصلاة. ومثلها القراءة في الجمعة بـ {سبح} و {الغاشية} ، وفي العيد بـ {ق} و {اقتربت} . فقد أخلّ ببعض ذلك، إذ كان يقرأ أحياناً في الجمعة بسورة {الجمعة} وسورة {المنافقون} وفي العيد بـ {سبح} و {الغاشية} .
هذا بالإضافة إلى أنه لم يعهد في الشريعة وجوب تخصيص صلاة معينة بقراءة معينة.
بخلاف ما لو لم تنقل مواظبته على الفعل، بل نقل مرة واحدة، فلا يدل ذلك على استحباب التخصيص. ومثاله ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ {المرسلات} ، وورد أنه قرأ فيها بـ {الطور} .
السابع: أن يكون الفعل قربة من القرب، ويعرف أنه غير واجب، لانتفاء
(1) أبو شامة: المحقق ق 34 ب. الأسنوي: نهاية السول 2/ 68
(2)
أبو شامة: المحقق ق 34 ب، والزركشي: البحر الحيط 2/ 252 أو الأسنوي على البيضاوي: نهاية السول شرح منهاج الأصول2/ 63نقلًا عن المحصول للرازي.
دليل الوجوب، فيثبت الندب (1). لأن قصد القربة يدل عل طلب الفعل الدائر بين الوجوب والندب، والوجوب منتفٍ لأجل البراءة الأصلية.
والحق أن هذا النوع من جنس الفعل المجرد، وفيه خلاف، وسيأتي ذكره في الفصل الخاص بالفعل المجرد إن شاء الله.
(1) القاضي عبد الجبار: المغني 17/ 271، 272 والقرافي: شرح تنقيح الفصول ص 128