الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس الأفعال النَّبَويَّة في التآليف الحديثية والأصُوليّة
مظان التعرّف على الأفعال النبوية:
تذكر دواوين السنة أفعال النبي صلى الله عليه وسلم مبثوثة بين أحاديثه القوليّة. ولم يفردها من المسندين أحد بالرواية فيما نعلم، كما لم يفرد الأقوال أحد عن الأفعال.
ولما استقرت دواوين السنة المسندة، من الصحاح والسنن والمسانيد والموطآت والمستخرجات وغيرها، في القرن الخامس تقريباً، وبدأ عصر التجميع منها، جمع الشيخ ابن العاقولي، وهو محمد بن محمد بن عبد الله (733 - 797 هـ) أحد أساتذة الجامعة المستنصرية ببغداد، كتابه (الرصف لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفعل والوصف) اعتمد فيه ما ذكره ابن الأثير في جامع الأصول، وأضاف إليه ما ذكر في بعض المصادر الأخرى. وهو -أعني ابن العاقولي- أول من اعتنى بجمع الأفعال، وإفرادها عن الأقوال، فيما يظهر.
وقد قال في مقدمته: "أما الأفعال فلم نر من اعتنى بجمعها مفصلة قبل كتابنا هذا، وإنما تذكر في أثناء الأقوال"(1) فأكّد لنا هذا المعنى، وهو إغفال المتقدمين من المحدثين لإفراد الأفعال (2).
(1) انظر: 1/ 3
(2)
بعد أن كتبنا هذا اطلعنا على مقدمة صحيح ابن حبان (354 هـ) فوجدناه يذكر أنه قسم كتابه خمسة أقسام: الأوامر، والنواهي، والأخبار، والإباحات، والأفعال. (انظر 1/ 58) =
ولم يكن هدف ابن العاقولي من تجميع الأفعال التهيئة لاستفادة الأحكام الفقهية منها، وإنما كان يريد التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم (1)، ولذلك أدمج أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم الخلقيّة، ونسبه الشريف، ونحو ذلك. وأورد في ضمن ذلك أقوالاً يسيرة.
وجاء بعد ذلك السيوطي، فأفرد الأفعال عن الأقوال. ولم يكن الذي دعاه إلى هذا أمراً يتعلق بالاحتجاج بها، وإنما كان هدفاً فنيّاً صرفاً. وذلك أنه أراد تجميع الأحاديث النبويّة المأثورة بأسرها، من جميع دواوينها المسندة، في كتاب واحد، سمّاه (الجامع الكبير)(2). واختار أن يرتبه ترتيباً يمهد الطريق للباحثين، للوصول إلى الحديث المطلوب بيسر وسهولة. فكان أن رتّبه ترتيباً هجائياً كَلِمِيّاً (3)،
=ولم يطبع أصل كتابه، وإنما طُبع بترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، الذي سمّاه "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" حيث رتّبه على أبواب الفقه، وقد نشر منه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله الجزء الأول، وتقوم الآن مؤسسة الرسالة بإصداره كاملاً بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط في ستة عشر جزءاً.
إلا أننا نحمد الله على أن رجعنا بأولية فصل الأفعال النبوية عن الأقوال، إلى القرن الرابع. ملاحظة: يبعد أن يكون لنضج مباحث الأصول في ذلك القرن أثر على ابن حبان في ترتيبه الذي اختاره. فإنه قسم الأفعال خمسين نوعاً، يظهر في أكثر عناوينها ذلك، من مثل قوله (في ص 104، 105 من المقدمة):
النوع السادس: فعل فعله صلى الله عليه وسلم، لم تقم الدلالة على أنه خص باستعماله دون أمته، مباح لهم استعمال مثل ذلك الفعل، لعدم وجود تخصيص فيه. وقوله أيضاً:
النوع الثامن عشر: أفعاله صلى الله عليه وسلم، التي تفسر عن أوامره المجملة. وذلك ظاهر أيضاً في سائر الأقسام غير الأفعال.
فإن صدق الظن، فإن كتاب ابن حبان، على أصله الذي ألفه عليه، يصلح أن يكون بستاناً للأصوليين، ينتقون منه فيتأنقون، أطايب ثماره، كأمثلة لمسائلهم الأصولية.
(1)
الرصف 1/ 2
(2)
بدأ بطبعه بالقاهرة.
(3)
فرق في الترتيب الهجائي بين النظام الكلمي والنظام الحرفي. يراجع للتفصيل رسالتنا (الفهرسة والترتيب المعجمي) نشر دار البحوث العلمية، بالكويت، 1372 هـ.
بحسب حروف كلمات اللفظ النبوي، الأول فالثاني فالثالث، كلمة كلمة. فاستقام له ذلك في الأحاديث القولية الصرفة. أما "الأحاديث الفعليّة، أو التي فيها قول وفعل، أو سبب أو مراجعة"(1) له أو نحو ذلك، فلم يمكن إدخالها في سلسلة هذا الترتيب. فاضطره ذلك إلى إفرادها. فجمعها جميعاً في قسم مستقل، رتّبه هجائياً بحسب أسماء الصحابة رواة الأحاديث. فثبت (الجامع الكبير) عنده على قسمين، أولهما للأقوال وثانيهما للأفعال.
ثم اختصر كتابه (الجامع الصغير) من قسم الأقوال خاصة من (الجامع الكبير) إلاّ أنه أدخل في الجامع الصغير في آخر حرف الكاف منه، ما ورد من الأحاديث الفعليّة، مبدوءة روايته بلفظ (كان يفعل).
وجاء بعده علي المتقي الهندي، فجمع القسمين من كتاب السيوطي مرة أخرى في ترتيب مخالف. وسمّى كتابه (كنز العمال من سنن الأقوال والأفعال) فقد رتّب كتابه لا على (الهجاء)، وإنما على (الأبواب الموضوعية) كالإيمان والصلاة والنكاح ونحو ذلك، مرتّباً بين عناوين تلك الأبواب بحسب حروفها. وأما الأحاديث في داخل كل باب فإنه يذكر أولاً ما كان قوليّاً، ثم يذكر ما كان فعليّاً. فقد بقيت الأقوال والأفعال في كتابه منفصلة بعضها عن بعض، ولكن داخل الأبواب.
ولا نجد كتاباً أفردت فيه الأفعال عن الأقوال سوى ما ذكرنا.
وعلى هذا فالأحاديث الفعليّة، التي هي موضوع بحثنا، يرجع إليها في دواوين السنة المسندة، أو التجميعات كجامع الأصول وغيره، أو في كتاب ابن العاقولي، أو القسم الثاني من الجامع الكبير أو باب (كان يفعل) في الجامع الصغير، أو كنز العمال. والله أعلم.
(1) من مقدمة السيوطي للجامع الكبير، نقلها صاحب كنز العمال، ط الهند 1/ 6 - 9