الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معجزات الأنبياء. وقد نقل هذا الدليل عن أبي إسحاق المعتزلي، وهو معتمد أبي عبد الله البصري (1).
والجواب ما تقدّم نقله عن الغزالي في ردّ الاستدلال بالتنفير.
أدلة المثبتين:
أولًا: أنها فعل ممكن في نفسه، لقدرة الله عليه. وكل ممكن وقوعه فهو جائز، ومن زعم أنه ممتنع فعليه بيان المانع (2).
وقد تقدم الردّ على ما ادّعاه النفاة مانعاً.
ثانياً: احتجوا بالوقوع، لما في كتب الحديث من إضاءة السوط لعَبّاد بن بِشْر، وأُسَيْد بن حُضَيْر، وزيادة الطعام لضيوف أبي بكر، ونحو ذلك. وكما هو مأثور عن التابعين والأولياء كبشر وغيره مما يبلغ حدّ التواتر (3).
وقد أجاب عبد الجبار بأن التواتر في ذلك ممنوع، إذ التواتر مفيد للعلم. وقال:"ونحن نعرف خلاف ذلك من أنفسنا، وأنتم تعلمون منّا أنا لا نعتقد ذلك، وأنا نتديّن بخلافه" أي فلو كان يفيد العلم لأفادنا، فبقي أنه أخبار آحاد، ولا يثبت بذلك اعتقاد (4).
وناقشه أيضاً بأنه لو كان حقاً لكان ظهوره في الصحابة أولى من ظهوره على شيبان الراعي، وبشر الحافي، ومعروف الكرخي، وسهل التستري، وأضرابهم. أما والمنقول عن الصحابة أقلّ مما نقل عن هؤلاء كثيراً، بل إنه لم يظهر على عليِّ بن أبي طالب مثلاً مع حاجته الشديدة إليه، وإمكان أن تحقن دماء المسلمين بظهور
(1) المغني 15/ 223
(2)
عليش: هداية المريد ص 179
(3)
انظر نصوصاً مجمعة منها، في (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) لابن تيمية ص 125.
(4)
المغني 15/ 225
ذلك على يديه في قتاله مع معاوية. ولو كان حقاً لظهر حينئذ. ولاستغنوا أيضاً عن التحكيم (1).
والذي نختاره، أن ذلك ممكن وأنه واقع.
أولاً: بدليل ما نقله القرآن العظيم من ذلك، فلو ادّعى مُدَّعٍ عدم صحة النقل فيما سواه، لم يمكن من مؤمنٍ إلا أن يؤمن بنقل الله. والله تعالى ذكر أن أصحاب الكهفِ:{ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً} (2) نائمين لم يتناولوا طعاماً ولا شراباً. وذكر عن صاحب سليمان أنه أتاه بعرش بلقيس قبل أن يرتد إليه طرفه. وإن كان في هذا الثاني احتمال (3).
وأيضاً ذكر عن مريم أنها كانت: {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنَّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} (4).
وثانياً: بما نقل من ذلك في كتب السنة، وفي الصحيحين من ذلك جملة. وانظر أبواب فضائل الصحابة في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة، تجد من ذلك أخباراً إن لم تتواتر آحادها، فإنها متواترة معنوياً، لأنها متفقة في الدلالة على أنهم كانوا يصدقون بذلك وأمثاله.
إلاّ أننا مع ذلك نرى أن أكثر ما ينقل عن كثير ممن يدعون الولاية، أو تُدّعَى لهم، من خرقهم للعادات والسنن الكونية، كذب مفترى لا أصل له، أو له أصل من الحق وقد عظمه الاتباع المغلوبون على عقولهم وأفهامهم، أو هو من الباطل من
(1) المغني 15/ 241
(2)
سورة الكهف: آية 25
(3)
سورة النمل: آية 25
في تفسير الآية أن الذي أتى به هو سليمان نفسه، انظر، مثلاً، تفسير البغوي عند قوله تعالى:{قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} من سورة النمل.
(4)
انظر الإرشاد للجويني ص 320
الألاعيب والمخرقات، أو من تصرفات الجن والشياطين، بمعاونتهم أولياءهم وإيحائهم إليهم (1)، مما قد ينخدع به كثير من العوامّ وأشباههم من المنتسبين إلى العلم ممن لا فرقان له (2)، حتى عظموا بسبب ذلك كثيراً من الكفرة، ممن كفره أعظم من كفر فرعون وقارون وهامان. واعتقدوا أن أولياءهم هؤلاء يتصرفون في الكون مع الله تعالى عما يقولون علواً كبيراً (3).
وزاد بعض الصوفية المسألة عنفاً، بدعواهم أن الخارق يقع بقوة ذاتية في نفس الولي، وادّعوا أنها قوة إلهية (4).
وكانت من نتيجة ذلك أن انطلت الحقائق على كثير من المسلمين، وفقد قانون السببيّة عندهم فاعليته الحضارية، حتى أصبحوا في مؤخّرة الركب العالمي. وكان من أعظم العوامل التي أدّت إلى ذلك، هذا النوع من (الإيمان) الكافر.
ولما كان الخارق مخالفاً للعادات والسنن الكونية، كانت العادات والسنن الكونية شاهداً مكذباً لما يُروَى منه. ولذلك ينبغي أن لا يصدّق ما ينقل من ذلك أو يروى من الحوادث، ما لم يكن له شهود أكثر قوة، بأن يكون النقل على درجة عالية من الثبوت، تحصل بها الطمأنينة، ويتم عندها الإذعان والتسليم، ويكون الرواة لذلك من أهل البصيرة الذين لا ينخدعون باللعب والمخرقة.
وها نحن في زماننا نستمع إلى شيء كثير مما ينقل من مثل ذلك من حوادث معاصرة، فإذا حقق الأمر تبيّن زيف الدعوى. ولم يحصل عندنا اليقين، ولو بحادثة واحدة مخالفة للسنن. وهذا يؤكّد ما قلنا.
ويؤكّده أيضاً ما عرف من طباع النقلة لهذا النوع من الأخبار، فإنهم يتزيدون فيها ويبالغون، فيظهرون بعض ما فيه غرابة مما هو عاديّ، بشكل الخارق
(1) سورة الأنعام: آية 121
(2)
ابن تيمية: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 145، 150
(3)
محمد رشيد رضا: الوحي المحمدي ص 188
(4)
إبراهيم إبراهيم هلال: ولاية الله والطريق إليها ص 182