الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وقد ورد عن بعض أهل العلم أنه قال: "السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب بقاضٍ على السنة"(1). ومعناه أن السنة تبين مجمل القرآن، وتخصص عامه، وتقيّد مطلقه. ولكن هذا القائل عبّر تعبيراً غير موفق، أوجد نوعاً من التصور الفاسد لتقديم السنة على القرآن، وفتح لأعداء الإسلام مطعناً، إذ ادّعوا أن تقييم المسلمين للسنة تطوّر صُعُداً، حتى قدموها على القرآن. وقد ذكر أن الإمام أحمد سمع مثل هذا القول، فكان تعليقه على ذلك أن قال:"لا أجسر أن أقوله، ولكن أقول: السنة تفسر القرآن وتبيّنه"(2).
أدلة حجية السنة النبوية:
1 - من القرآن:
قوله تعالى: {قل أطيعوا الله والرسول} (3). وقوله: {وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} (4)، {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} (5) وهو صلى الله عليه وسلم أمَرنا باتباع سنته، والأخذ بها، فيلزم طاعته في ذلك، ليتحقق امتثال هذه الآيات المذكورة وأمثالها.
وهو صلى الله عليه وسلم قد أمَرَنا أيضاً بأمور تفصيلية، ونهانا عن غيرها، فيلزمنا طاعته فيها عملاً بالآيات المذكورة أعلاه، وذلك هو الأخذ بالسنة.
وورد في كتاب الله تعالى أمره لنا باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعليق فلاحنا على ذلك، وجعله مقتضى محبتنا الله، ومقتضياً لمحبة الله لنا.
فقد قال تعالى: {الذين يتّبعون الرسول النبيّ الأمّي الذي يجدونه مكتوباً
(1) ذكره الشاطبي في الموافقات (4/ 10) ونقل أيضاً في مادة (السنة) من دائرة المعارف
الإسلامية (12/ 284) غير منسوب إلى قائل معين، ولم نجده في مصدر مسند.
(2)
نقله الشاطبي في الموافقات 4/ 26
(3)
سورة آل عمران / 32.
(4)
سورة آل عمران: آية 132
(5)
سورة الأحزاب: آية 71
عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزِل معه أولئك هم المفلحون} (1).
وقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} (2).
وإذا ثبتت مشروعية اتباعه صلى الله عليه وسلم، فإن الاتباع هو سلوك السبيل الذي سلكه المتبوع. وسبيل محمد صلى الله عليه وسلم هي سنته، وهو المطلوب.
بل قد ورد في القرآن الكريم بيان أن تعليم السنة، بالإضافة إلى تعليم الكتاب، هو من مهمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:{هو الذي بعث في الأميّين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيّهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (3).
قال قتادة: "الحكمة السنّة وبيان الشرائع"(4).
ولكن يحتمل أن يقال: إن المراد بالحكمة الفهم العميق، ومعرفة معالجة الأمور بما تستحقه، كما فسّرها آخرون. وعلى هذا الوجه لا تكون الآية حجة في هذه المسألة.
إلا أنه ورد في سورة الأحزاب قوله تعالى: {يا نساء النبيّ لستنّ كأحد من النساء إن اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض
…
} إلى قوله: {
…
واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ من آيات الله والحكمة} (5) وهو يبيّن أن الحكمة شيء خاص متميّز كان {يتلى} أو يصنع به ما هو شبيه بالتلاوة (6) من المذاكرة
(1) سورة الأعراف: آية 175
(2)
سورة آل عمران: آية 31
(3)
سورة الجمعة: آية 2
(4)
تفسير القرطبي 2/ 131 وهو عند البخاري (فتح الباري ط الحلبي 10/ 39)
(5)
سورة الأحزاب: آية 34، 35
(6)
على حد ما قال النحويون في قول الشاعر:
علفتها تبناً وماءاً بارداً
…
حتى شَتَتْ همّالةً عيناها