الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع مَكان الفعْل وَزمانِه
يعلم مما تقدم في الفصول السابقة حكم أفعال النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلينا، على أساس استواء الحكم بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أن فعله صلى الله عليه وسلم يقع في ظرف زماني ومكاني، ولا بدّ. فهل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم يقتضي أيضاً مساوتَه في زمان الفعل ومكانه؟.
ولكي نوضح المقصود بهذا السؤال، نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه الجمعة مثلاً في مسجده، وفي الوقت المعلوم. وفهم الفقهاء أن المسجد معتبر، وأن الوقت معتبر كذلك، فتفعل صلاة الجمعة في المسجد في الوقت الذي صلى فيه، وذلك مستفاد من قضية التساوي. ومن أجل ذلك يبحثون عن الأوقات التي صلى فيها، لتكون القدوة على أتمها بإيقاع الصلاة في مثل ذلك الوقت.
ومثل ذلك في اعتبار المكان: الوقوف خاص بعرفة، والطواف خاص بالبيت، وركعتا الطواف خاصتان بمقام إبراهيم، ونحر الهدي خاص بمكة.
ومثل ذلك في الزمان: الصوم خاص برمضان، وركعتا الفجر بعد طلوعه، وبعض الصوم خاص بالاثنين والخمسين وعاشوراء.
ومما لم يعتبر فيه المكان: الصوم، والذكر، وصلاة النفل المطلق، والبيع والشراء وعقد النكاح، وغير ذلك.
الأدلة الدالة على اعتبار الزمان والمكان، أو الغائهما:
1 -
قد يدل على اعتبار المكان أو الزمان بالقول.
ومثاله في المكان، ما قاله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، في عرفة "وقفت هنا وعرفة
كلها موقف" فدل على اعتبار عرفة في الوقوف، وألغى خصوصية المكان الذي وقف فيه من عرفة. وقال كذلك بمزدلفة "وقفت هنا -يعني عند جبل قُزَح- وجمعٌ كلها موقف" وقال بمنىً: "نحرت هنا ومنى كلها منحر". وفي رواية: "وكل فجاج مكة منحر".
ومثاله في الزمان: ما في حديث عائشة، أنه صلى الله عليه وسلم صام عاشوراء وأمر بصيامه.
ومثاله إلغائه أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلّي بعد العصر، وينهى عنه (1).
2 -
أن يفعله صلى الله عليه وسلم بالمكان المعيّن، قاصداً أن يُتّخذ من بعده لمثل ذلك الفعل. ومثاله أن عتبان بن مالك طلب منه صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته في مكان يتخذه مصلى (2). ففعل.
3 -
التكرار: فقد قيل بأنه يجب اعتبارهما في التأسّي إذا كرر الرسول صلى الله عليه وسلم الفعل في ذلك المكان أو الزمان. نقله الباقلاني (3) عن قوم، وضعفه.
وإذا ترك الفعل في الزمان أو المكان فلم يفعله مرة أخرى مع التمكن والسعة فقد يدل ذلك على عدم اعتبارهما. كتركه صلى الله عليه وسلم قصد غار حراء وغار ثورٍ أن يأتيهما للتعبّد فيهما، في أيام الفتح وحجة الوداع.
وتركه صلى الله عليه وسلم الفعل المعيّن في مكان آخر، ثم عوده إلى الفعل في المكان الأول يدل على اعتباره، كتركه الجمعة في السفر والعودة إليها في الحضر، يدل على أن الحضر معتبر، بخلافه في صلاة الجماعة.
4 -
نقل الصحابي للفعل مقروناً بذكر الزمان أو المكان. ولم أجد أحداً ذكر
(1) حديث: كان يصلي بعد العصر وينهي عنه: رواه أبو داود من حديث عائشة.
(2)
رواه البخاري في مواضع ومسلم 1/ 242 ومالك 1/ 173
(3)
أبو شامة: المحقق ق 39 أ