الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل العلم، إلاّ أن مالكاً لم يوقّت مرة ولا ثلاثاً، قال: إنما قال الله: {فاغسلوا وجوهكم} (1).
ومثله التراويح عند الظاهرية، الأمر بها مطلق من جهة العدد، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة"(2) أكثر الأئمة على عدم الوقوف عند هذا العدد، فاختار أحمد والشافعي وأبو حنيفة ثلاثاً وعشرين لفعل عمر، واختار مالك تسعاً وثلاثين كعمل أهل المدينة، ولم يقل أحد من متقدمي علماء الأمة بالوقوف عندما فعله صلى الله عليه وسلم فيما نعلم ما عدا بعض الظاهرية (3). قال النووي:"قال القاضي: ولا خلاف أنه ليس في ذلك حدّ لا يزاد عليه ولا ينقص منه. وإن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه"(4).
ووجه ما رآه الأئمة الأربعة أن الأمر الوارد من الله تعالى مطلق، يتأدّى بالتهجد بأي عدد كان. وما فعله صلى الله عليه وسلم لا يزيد عن أن يكون اختار عدداً يناسبه، ثم حافظ عليه، لأنه "كان عَمَلُه دِيمَة". فلا يدل ذلك على وجوب ما اختاره من العدد، ولا استحبابه. قال الشافعي:"رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين، وبمكة بثلاث وعشرين، وليس في شيء من ذلك ضيق"(5).
الفرق بين دلالة الفعل البيانيّ ودلالة الفعل الامتثاليّ:
الفعل البيانيّ مقصود به البيان وإظهار المراد بالمجمل، وذلك نوع من التعليم. فالأصل أن يُعْتَنى به مزيد عناية. فإن كان بيان واجب، فلا يعمل فيه بالرخص والتيسيرات التي يمكن أن تفهم على غير وجهها. ولا يضاف إليه ما هو مستحب وليس بواجب.
(1) المغني 1/ 139
(2)
مسلم 6/ 18 والبخاري.
(3)
يلمح من كلام ابن حزم أنه يرى التقييد بالصور الواردة في صلاة الليل. انظر المحلى 3/ 42
(4)
شرح صحيح مسلم 6/ 19
(5)
ابن حجر: فتح الباري 4/ 253
فإن انضم إليه شيء من ذلك وجَبَ بيانه لئلا ينضمّ إلى الواجب ما ليس منه. وليعتبر في ذلك ببيان النبي صلى الله عليه وسلم مواقيت الصلاة، فقد صلّى في اليوم الأول في أول الوقت، وصلّى في اليوم الثاني في آخر الوقت، وقال: الوقت ما بين هذين.
وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم في عرفات: وقفت هنا وعرفة كلها موقف. وقال في مزدلفة: وقفت هنا وجمع كلها موقف. وقال في نحره بمنى: نحرت هنا فجاج مكة كلها منحر. لئلا يتوهم الاختصاص بالموضع الذي وقف فيه أو نحر.
أما الفعل الامتثالي فلا يلاحظ فيه ما يلاحظ في الفعل البياني. بل هو امتثال مجرد، فيداخل الواجب ما ليس منه ليُفعل على وجهٍ أكمل. فهو أضعف دلالة من الفعل البياني.
3 -
وقد يتبيّن بالفعل الامتثاليّ مجمل أو نحوه.
فعقوبته صلى الله عليه وسلم للسارق بقطع يده من المفصل، يستفاد منها أمران:
الأول: تأكيد أصل وجوب القطع المستفاد من الآية.
والثاني: وجوب أن يكون القطع من المفصل. فلا يكفي قطع الأصابع مثلاً، ولا يجوز التجاوز بقطع الساعد. فقد تبيّن به موضع القطع.
ووجه استفادة هذا الحكم الثاني أن (اليد) في الآية لفظ (مجمل) على قولٍ، لاحتمال أن يكون المراد الذراع كلها، أو الكف. وعلى القول الآخر الظاهر من لفظ (اليد) الذراع (1)، وعلى كل فقد تبيّن بهذا الفعل الامتثالي أن المراد به في الآية الكف.
ووجه تبيُّن ذلك من الفعل، أن الواجب لو كان أقلَّ، لكان النبي صلى الله عليه وسلم قد زاد على الواجب، وهذا ممتنع لتحريم دم المسلم بغير حق.
ولو كان الواجب أكثر لكان صلى الله عليه وسلم قد نقص، ولم ينفّذ كلّ ما أمر الله به، وذلك ممتنع.
(1) انظر القولين في حاشية ابن أبي شريف ص 175 البناني: حاشية جمع الجوامع 2/ 97