الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث نقل الأفعال النبويّة
المطلب الأول طرق النقل
1 -
الأغلب أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم تثبت لدى الأمة بنقل صحابته رضي الله عنهم. فينقلون أفعاله كما ينقلون أقواله. وسنعود إلى هذه الطرق بشيء من التفصيل. وقد تثبت بطرق أخرى.
2 -
منها: النقل القرآني. كقول الله تبارك اسمه: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم
…
} الآية (1)، وقوله:{عفا الله عنك لم أذنت لهم} (2)، وقوله:{يا أيها النبي لم تحرّم ما أحلَّ الله لك} (3)، وقوله:{وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً} (4).
3 -
ومنها: إخباره صلى الله عليه وسلم عن فعل نفسه، كقوله:"إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البُرُد". وكإخباره بما وقع منه ليلة الإسراء.
4 -
ومنها ما ذكره الزركشي (5)، أن ينعقد الإجماع على أن إحدى صورتي الفعل أفضل من الأخرى. فنقول: هذه الصورة أفضل بالإجماع، والنبي صلى الله عليه وسلم لا
(1) سورة الفتح: آية 29
(2)
سورة التوبة: آية 43
(3)
سورة التحريم: آية 1
(4)
سورة الجمعة: آية 11
(5)
البحر المحيط 2/ 252 ب.
يواظب على ترك الأفضل، فيلزم أنه واظب على الأفضل. ومثاله: الوضوء المرتّب المنويّ، هو بالإجماع أفضل من الوضوء المنكوس، أو غير المنويّ. ورسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يواظب على ترك الأفضل، فيلزم أنه فعل الوضوء مرتباً منوياً.
أقول: للمخالف أن يقول إن التقسيم غير حاصر، فهناك حال سوى المواظبة على الفعل والمواظبة على الترك، هي أن يفعل دون مواظبة ويترك دون مواظبة.
وهي الأكثر في الأفعال المندوبة، كتثليث الوضوء.
فهذا الدليل لا ينتج أكثر من أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يغلب في عمله الأخذ بالأفضل.
وقد استخدم ابن قدامة هذا الدليل لإثبات أن وقت العيد بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، لا عند طلوع الشمس. قال:"لأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده لم يصلوا حتى ارتفعت الشمس. بدليل الإجماع على أن الأفضل فعلها في ذلك الوقت. ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم يفعل إلاّ الأفضل والأولى"(1).
ونحن نرى أن قوله: "لمَ يكن يفعل إلاّ الأفضل" ممنوع. إذ قد كان يفعل ما هو أقل فضلاً، أحياناً، توسعة وتيسيراً على أمته. والله أعلم.
5 -
ومنها ما ذكره الزركشي أيضاً، وهو أن يقال في المثال السابق: لو ترك صلى الله عليه وسلم النية والترتيب في الوضوء لوجب علينا تركه، بدليل الاقتداء به، لأن المتابعة كما تكون في الأفعال، كذلك تكون في التروك. ولما لم يجب علينا تركه يثبت أنه ما تركه بل فعله.
وهذا الدليل مبني على مقدمة هي وجوب المساواة في الترك. ويأتي بحثها في فصل التروك من الباب الثاني إن شاء الله. وليست مطردة في كل التروك، بل في
(1) المغني 2/ 377