الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طيراني في الهواء، أو تعلّقي به، أو انشقاق القمر". ولا تفترق الكرامة عن المعجزة على هذا إلاّ بدعوى الرسالة في المعجزة (1).
وحجة من أجاز ذلك، التأسّي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدّم جوابه.
ثانياً: تصرّف النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى الخارق هل يقتدى به فيه:
يرى الشاطبي أن المزايا والمناقب التي أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم عامّة كعموم التكاليف، بل قد زعم ابن العربي أن سنة الله جرت أنه إذا أعطى الله نبياً شيئاً أعطى أمته منه، وأشركهم معه فيه (2).
وبنى الشاطبي على هذا الأصل أن للمؤمن، إذا حصل له شيء من ذلك، أن يبني عليه ويتصرّف على أساسه، قال:
"ومما ينبني على هذا الأصل أنه لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر وبشّر وأنذر، وتصرف بمقتضى الخوارق، من الفراسة الصادقة، والإلهام الصحيح، والكشف الواضح، والرؤيا الصالحة، كان من فعل مثل ذلك ممّن اختصّ بشيء من هذه الأمور على طريق الصواب، وعاملاً بما ليس بخارج عن المشروع"(3).
واحتجّ لذلك أيضاً بأن الأصل عدم الخصوصية. فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل أشياء من ذلك، كقوله في خيبر عن علي:"لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه"(4). وإخباره أنه: "ستكون لكم أنماط"(5) فرتّب على الاطلاع الغيبيّ وصاياه النافعة، ومثله ما أخبر به من وصاياه عند الفتن، لحذيفة وغيره، فلنا أن نفعل مثل ذلك، لأنه لم يقل إن ذلك خاصٌّ به صلى الله عليه وسلم، فيثبت بذلك [عمومه](6).
(1) عليش: هداية المريد ص 78، الجويني: الإرشاد ص 316
(2)
الموافقات 2/ 249
(3)
الموافقات2/ 263
(4)
مسلم 15/ 178 ورواه البخاري.
(5)
البخاري (مع فتح الباري ط مصطفى الحلبي 7/ 441)
(6)
الموافقات 2/ 265
واحتجّ لذلك ثالثاً بفعل الصحابة، من نحو قول عمر:"يا سارية الجبل"(1) وقصّ على عمر رجل أنه رأى الشمس والقمر يقتتلان، فقال له: مع أيهما كنت؟ قال: مع القمر. قال: "كنتَ مع الآية الممحوّة، لا تلي عملاً أبداً".
واشترط الشاطبي لجواز التصرف على أساس الخارق، أن لا يخرم ذلك التصرف حكماً شرعيّاً ولا قاعدة دينية. فلو حصل للمؤمن مكاشفة أن هذا الماء مغصوب أو نجس، فلا يجوز له الانتقال إلى التيمم، لأن القاعدة الشرعية أن لا ينتقل عن الوضوء إلى التيمم إذا وجد ماء محكوماً بطهارته. ولو حصلت له مكاشفةٌ أن هذا المال لزيد، وقد تحصّل بالحجة لعمرو، لم يجز له أن يشهد به لزيد (2).
والجائز عنده من ذلك نحو أن يترك أحد الجائزين ويفعل الآخر. فهو عمل على وفق الأحكام الشرعية. فموضع العمل بها يتبيّن، على سبيل التمثيل، في ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون في مباح، كأن يرى أن فلاناً يقصده في وقت كذا بخير أو شر، فيستعد لذلك.
والثاني: أن يكون لحاجة، فكما أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يخبر بكل ما يعلم من المغيبات، بل بحسب الحاجة، فكذلك المكاشف بذلك.
والثالث: أن يكون فيه تحذير أو تبشير، ليستعدّ لكلٍ عدّته، كالإخبار عن أمر ينزل إن فعل كذا، أو لا يكون إن فعل كذا.
ونحن نوافق الشاطبي فيما نقلناه عنه هنا، لا من حيث إن العمل بذلك مدلول للفعل النبويّ، بل لأنه كما ذَكَر، تصرُّفٌ في حدود المباح، والتصرف في حدود المباح لا حرج فيه. فإن رأى رؤيا مثلاً، وغلب على ظنّه صدقها، فلا حرج عليه أن يعمل بمقتضاها فيما لا يخالف الشرع.
(1) ابن كثير: البداية والنهاية 7/ 131 من رواية سيف بن عمرو الواقدي، وفي روايتهما مقال، عند أهل الشأن.
(2)
الموافقات 3/ 263 - 266 وأيضاً 4/ 82 - 86