الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتراض غير صحيح، وذلك لأنه لو لم يكن اتباعنا له في فعله بطريق التأسّي به، لما كان حكم فعله ثابتاً في حقنا، ولا معنى للقياس سوى ذلك" (1).
وقال الآمدي أيضاً: "إن العمل بخبر فرك المني، والغسل من التقاء الختانين، وقبلة الصائم، كل ذلك مستند إلى القياس، لا إلى عموم الفعل، لتعذره"(2).
ويفهم من كلام الغزالي أنه يذهب إلى مثل ما ذهب إليه الآمدي، قال الغزالي في حديث أم سلمة المتقدم ذكره:"إن ذلك تنبيه لقياس غيره عليه صلى الله عليه وسلم" وهذا يدل على أنه يرى مساواتنا له صلى الله عليه وسلم في أحكام أفعاله قياساً (3).
رأينا في ذلك:
إننا نرى أن الذين عبّروا بعموم الفعل إنما عبّروا به على طريق المسامحة، لا على اعتقاد أن الفعل في الحقيقة عام. ونرى أنهم إنما يقصدون العموم من حيث انطباق مثل حكم فعله صلى الله عليه وسلم على أفعالنا. فليس هناك صيغة تنطبق على أفرادها حتى يقال بالعموم.
أما القائلون بأن الحكم ينسحب على أفعالنا بطريق القياس، كما قال الآمدي وأشار إليه الغزالي، فيكون القياس حينئذٍ من القياس بنفي الفارق، لا من قياس العلة. فما يحتج به من أفعاله صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى الاستدلال على علته لأجل الإلحاق بها، بل يكفي أن نعرف أن لا فارق بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم إلا النبوة، ثم نعلم أن النبوة ليست فارقاً مؤثراً في الأحكام التشريعية. ودليل ذلك ما تقدم في فصل إثبات حجية أفعاله صلى الله عليه وسلم من آيات التأسّي والاتباع ونحوها، فإنها تدل على أن النبوة ليست فارقاً، فيما سوى ما ثبت بالدليل من الخصائص النبوية.
ثم ينبغي أن يقال: إن تلك الدلالة هي من باب مفهوم الموافقة، كما قدّمناه
(1) المصدر نفسه 4/ 51
(2)
المصدر نفسه 2/ 372
(3)
المستصفى 2/ 64 وأشار إلى مثل ذلك في شفاء الغليل ص 640 - 645
قبل هذا الفصل. وهو أولى من جعلها قياساً، وذلك أن الأصوليين ذكروا في حدّ القياس الاستواء في العلة. لذلك قال ابن الهمام:"إن الجمع بنفي الفارق ليس من حقيقة القياس"(1) فالأولى اعتبار الدلالة الفعلية من باب مفهوم الموافقة.
ولما اتفق الحكم بينه صلى الله عليه وسلم وبين غيره، صار ذلك هو عموم الفعل على سبيل المسامحة كما تقدم ذكره.
فأما ما كان الجمع فيه بالعلة، فإنه قياس، ولا إشكال في ذلك. ويتأتى ذلك في الفعل كثيراً، كقياس جواز الإتمام في السفر على جواز صوم الفرض فيه، للاستواء في العلة، وهي ترك الترخص.
(1) تيسير التحرير 4/ 77