الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للعادة، كل ذلك ليجلبوا استحسان السامعين واستغرابهم، وحتى يكون لكلامهم طلاوة، ويعود المستمعون إليه مرة بعد مرة.
فإذا كان الرواة على درجة عالية من التقوى والبصر والثقة والتشدّد، وتعدّدت طرق الرواية، جبر ذلك النقص، وصحّ الوثوق بهذا النوع من الأخبار.
الاقتداء بالأفعال النبوية الخارقة للعادة:
لهذا الاقتداء موقعان:
لأنه إما أن يقتدي بما يسبق الفعل من أسبابه.
أو يقتدي بما يلحقه من فوائده.
أما الخارق نفسه فهو من فعل الله تعالى، ولا ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا مجازاً.
أولاً: هل للمؤمن أن يعمل على حصول الكرامات الخارقة
؟:
إذا وقع الخارق على يد نبي مثلاً، فوقوعه بالنسبة إليه اضطراريّ، إذ هو من فعل الله تعالى، لا يقدر عليه إلاّ الله. ولكن الذي بيد النبي صلى الله عليه وسلم أسبابه التي جعلها لله له أسباباً، كرميه صلى الله عليه وسلم التراب في وجوه الكفار، فأوصله الله إلى أعينهم، وقال:{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (1) وعندما عطش الجيش طلب النبي صلى الله عليه وسلم بقية ماء في قدح فوضع يده فيه، ودعا الله، فَنَبَع الماءُ من بين أصابعه حتى ملأ الجيش كل ما عندهم من الآنية.
فهذا الرمي منه صلى الله عليه وسلم، وهذا الطلب للماء، ووضع يده فيه، ودعاء الله، هو سبب لحصول المعجزة (2). فهل للمؤمن، اقتداءً بذلك، أن يحاول بالرياضة التوصل إلى التمكن من ذلك، وأن يفعل الأسباب الموصلة إلى الخوارق؟.
(1) سورة الأنفال: آية 17
(2)
الشاطبي: الموافقات 2/ 277
من العلماء من ذهب إلى أن كرامة الولي لا تقع بقصد منه، بل تقع له دون قصد (1).
ومنهم من أجاز وقوعها بالقصد. ومن هؤلاء القشيري (2)، والشاطبي. فقد أجاز للمؤمن أن يعمل لإيقاعها (3). ولكن ذلك عنده في موضع الرخص، والعزيمةُ عنده الدخول في الأسباب المعتادة. وإذا طلب وقوع الخارق فليطلبه لمعنى شرعيّ، لا لحظ نفسه. والحجة عند الشاطبي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يظهر المعجزات طلباً لإيمان الكافرين، وتقوية ليقين المتقين (4)، وأفعاله صلى الله عليه وسلم يقتدى بها.
ونحن نرى أن الكرامات لا تقع على سبيل القصد، وما يقع منها يقع ولا يعلم المؤمن به إلا بعد وقوعه.
ودليلنا على ذلك أن المعجزات خصائص للأنبياء، والأصل في الخصوصية عدم الاقتداء.
وأيضاً فإن دليل إمكان خرق العادات على سبيل الكرامات هو وقوعها. وباستقراء ما وقع منها لغير الأنبياء مما صح نقله يتبين أنه وقع لهم دون قصد. كنوم أهل الكهف، وإنزال الطعام على مريم، وإضاءة السوط لعباد بن بشر وأسيد بن حضير، وتنزّل السكينة لأبيّ بن كعب.
ومن العلماء من أجاز للوليّ أن يتحدى بالخارق لإثبات ولايته، كما يتحدّى النبي بالمعجزة لإثبات نبوّته (5)، بأن يقول: "أنا وليّ الله سبحانه، وآية ولايتي
(1) نقله الجويني في الإرشاد ص 316 ونقله محمد عليش: هداية المريد، وشرحه للسنوسي ص 177
(2)
الرسالة القشيرية ص 662
(3)
الشاطبي: الموافقات 1/ 355
(4)
الشاطبي: الموافقات 2/ 278 ومقصده بالعمل لحصول الخارق أن يطلبه بالدعاء ولا يجوز عنده أن يؤدي العبادة بنية حصول الخارق.
(5)
الشاطبي: الموافقات 1/ 355 و2/ 253