الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث تحديد المهمات النبويّة وبيان دور الأفعال النبوية في أدائها على الوجه الأكمل
تعرّضت آيات الكتاب العزيز، بالتفصيل، للغرض من البعثة النبوية الشريفة. فذكرت أن الله أرسل رسوله {رحمة للعالمين} (1) و {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (2) و {لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين} (3) و {ليُخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور} (4) و {ليقوم الناس بالقسط} (5).
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف السامية، أنزل الله تعالى كتابه العظيم، على رسوله الكريم.
تدبيران كل منهما بالغ الحكمة: أن جعل الله بين أيدي البشر كتاباً مشتملاً على ما يريد لهم أن يعلموه، وما يريد لهم أن يعملوا به.
وأن حَمَّل هذا الكتاب بشراً اختاره لكي يؤديه عن الله إلى عباد الله. وهما تدبيران متكاملان، يكوّنان تدبيراً واحداً، هدفه أن يعلم العباد ما يريد الله منهم، فتكون له عليهم الحجّة، فيؤمن به من شاء الله له أن يؤمن، فتتحقق له رحمه الله، ويحق القول على الكافرين، ولتنفذ شريعة الله في الأرض
(1) سورة الأنبياء: آية 107
(2)
سورة النساء: آية 165
(3)
سورة يس: آية 70
(4)
سورة الطلاق: آية 11
(5)
سورة الحديد: آية 25
فيقوم الناس بالقسط، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور. وبذلك تتحقق الأهداف المطلوبة من البعثة النبوية.
وفي سبيل ذلك حمّلت الكلمات الإلهية محمداً صلى الله عليه وسلم مهمات جسيمة. وقد استقرأنا الآيات التي تعرضت لذلك، فتبين أن المهمات الرئيسية التي ذكرتها خمس هي كما يلي:
المهمة الأولى: التبليغ، والمراد به تبليغ القرآن، وتبليغ أحكام أخرى زائدة على ما يتضمنه القرآن العظيم. قال اللُه تعالى:{إن عليك إلاّ البلاغ} (1)، {ما على الرسول إلاّ البلاغ} (2).
ومن البلاغ تلاوة القرآن، ليُسمع فيُعلم، وليُعرف كيف يُقرأ. قال الله تعالى:{قد أنزل الله إليكم ذكراً * رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات} (3).
المهمة الثانية: بيان القرآن، أي تفسير ما غمض من معانيه، وإيضاح ما أشكل منه، ورفع ما فيه من إجمال، وتقييد مطلقه، وتخصيص عامّه، لكيما يفهم وينفذ على الوجه الذي أراده الله. قال الله تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكّرون} (4).
المهمة الثالثة: الدعوة إلى الله، بأن يطلب من الكفار الإيمان، وأن يدعو العصاة والمذنبين إلى الإقلاع عما يبعدهم عن رحمة الله. فكان صلى الله عليه وسلم مكلفاً بأن يكون داعياً إلى الخلاص من الكفر والفسوق والعصيان في الدنيا، والخلاص كنتيجة لذلك من آثارها المدمرة في الآخرة. كما أنه كُلِّف أن يدعو إلى الأعمال الصالحة من العبادة وفعل الخير، ليكون ذلك موصلاً فاعله إلى جنة الله.
وفي سبيل ذلك كلف، صلى الله عليه وسلم، بمهمات أخرى معاونة لهذه المهمة، وهي مهمات: التذكير، والتبشير، والإنذار.
(1) سورة الشورى: آية 48
(2)
سورة النور: آية 54 وسورة العنكبوت: آية 18
(3)
سورة الطلاق: آية 10، 11
(4)
سورة النحل: آية 44
قال الله تعالى: {فذكّر إنِما أنت مذكّر * لست عليهم بمسيطر} (1) وقال: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً * وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} (2).
وأُمر صلى الله عليه وسلم بالجهاد، تحقيقاً للدعوة، لإزالة كل ما يقف في طريقها من ظلم المتعسفين، الذين يحولون بقوتهم وسيطرتهم، بين الناس وبين أن يسمعوا كلام ربهم ويستجيبوا له.
المهمة الرابعة: تعليم الأمة القرآن، والسنن. فيعلّمهم تلاوة القرآن وحفظه، ويعوّدهم على تدبّره وتفهّمه واستنباط الأحكام منه، حتى يصبحوا به علماء من جميع الوجوه. وكذلك الشأن في السنن التي أراد لها أن تظهر وتصدر عن رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما بعثت معلماً"(3)، وقال:"إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم"(4)، وقال:"لكن الله بعثني معلماً ميسراً"(5).
المهمة الخامسة: التزكية، وهي التربية، أي تنمية الغرائز والمَلَكَات والقدرات الصالحة في المؤمنين به، وتطهيرهم من خبائث الاعتقادات والأخلاق والعادات والأعمال والأقوال، حتى تكون الأمة أمّة قوية نافذة في أمورها، متحررة من جميع الانحرافات التي تزيغ بها عن الطريق، وبذلك يصبحون أهلاً للخلافة في الأرض، فيقوموا بحق الخلافة بقوة وصدق، ليستحقوا أن يكونوا هم الوارثين {الذين يرثون الفردوس} (6).
هذا وإن المهمة الرابعة والمهمة الخامسة، تكادان أن تكونا مهمة واحدة، لشدة الترابط، ولأن أولاهما تؤدي إلى أخراهما، فمن تَعلّم الكتاب والسنة حقاً استقامت حاله في جميع النواحي التي ذكرناها.
وقد ذكر الله هاتين المهمتين، مع مهمة التبليغ، مجتمعة جميعاً، في أربعة
(1) سورة الغاشية: آية 21
(2)
سورة الأحزاب: آية 46، 47
(3)
رواه ابن ماجه 1/ 17وفي الزوائد: إسناده ضعيف.
(4)
رواه أحمد وأبو داود وابن حبان (الفتح الكبير).
(5)
رواه أحمد 3/ 328
(6)
سورة المؤمنون: آية 11