الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أكثرهم قرآنا، فقدم" (1).
ويجوز في القبر اللحد والشق، لجريان العمل عليهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأول أفضل، عن أنس بن مالك: قال: "لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجل يلحد، وآخر يضرح، فقالوا: نستخير ربنا، ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم"(2).
ويتولى إنزال الميت ولو كان أنثى الرجال دون النساء لأنه المعهود في عهده صلى الله عليه وسلم وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم.
وأولياء الميت أحق لإنزاله، لعموم قوله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (3).
ولحديث علىَّ رضي الله عنه قال: "غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئًا، وكان صلى الله عليه وسلم طيبا حيا وميتا، وولى دفنه وإجنابه دون الناس أربعة: عليّ والعباس والفضل وصالح مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحدا ونصب عليه اللبن نصبا"(4).
ويجوز للزوج أن يتولى بنفسه دفن زوجته، لحديث عائشة قالت:
" دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدىء فيه، فقلت: وارأساه، فقال: "وددت أن ذلك كان وأنا حىّ، فهيأتك ودفنتك
…
" (5).
لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطأ تلك الليلة، وإلا لم يشرع له دفنها، وكان غيره هو الأولى بدفنها ولو كان أجنبيا بالشرط المذكور، لحديث أنس قال:
(1) صحيح: [الجنائز 146]، نس (80/ 4)، د (3199/ 34/ 9)، ت (1766/ 128/ 3).
(2)
إسناده حسن: جه (1557/ 496/ 1). واللحد: بفتح اللام وبالضم وسكون الحاء هو الشق في عرض القبر جهة القبلة، والشق هو الضريح وهو أن يحفر إلى أسفل كالنهر.
(3)
الأحزاب (6).
(4)
إسناده صحيح: كم (362/ 1)، هق (53/ 4).
(5)
صحيح: أ (6/ 144) وهو في "صحيح البخاري" بنحوه (10/ 101 و 102)، ومسلم (7/ 110) مختصرا، كذا في "أحكام الجنائز" للألباني.
شهدنا ابنة لرسول صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، ثم قال:"هل منكم من رجل لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله قال: فأنزل، قال: فنزل في قبرها"(1).
والسنة إدخال الميت من مؤخرة القبر، لحديث أبي إسحاق قال:
"أوصى الحارث أن يصلى عليه عبد الله بن يزيد، فصلى عليه، ثم أدخله القبر من قبل رجلى القبر وقال: هذا من السنة"(2).
ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويسارها، وعلى هذا جرى عمل أهل الإِسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
ويقول الذي يضعه في لحده: "بسم الله، وعلى سنة رسوله الله، أو ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: بسم الله، وعلى سنة رسول الله" (3).
ولحديث البياضى رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الميت إذا وضع في قبره، فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد: باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم"(4).
ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعًا بعد الفراغ من سد اللحد لحديث أبي هريرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، ثم أتى الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثًا"(5).
(1) صحيح: [الجنائز 149]، خ (1342/ 208/ 3).
(2)
إسناده صحيح: [الجنائز 150]، د (3195/ 29/ 9).
(3)
صحيح: [الجنائز 152]، د (3197/ 32/ 9)، ت (1051/ 255/ 2)، جه (1550/ 494/ 1).
(4)
إسناد حسن: [الجنائز 152]، كم (366/ 1).
(5)
صحيح: [الإرواء 751]، جه (1565/ 499/1).
ويسن بعد الفراغ من دفنه أمور:
الأول: أن يرفع القبر عن الأرض قليلًا نحو شبر، ولا يسوى بالأرض، وذلك لِيَتَميز فَيُصَان ولا يُهَان، لحديث جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد، ونصب عليه اللبِن نصبا، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر"(1).
الثاني: أن يجعل مسنما، لحديث سفيان التمار قال:
"رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مُسَنَمًا"(2).
الثالث: أن يعلمه بحجر أو نحوه، ليدفن إليه من يموت من أهله، لحديث المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن، أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعيه، قال المطلب: قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني انظر إلى بياض ذراعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنها، ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلى" (3).
الرابع: أن يقف على القبر يدعوله بالتثبيت، ويستغفر له، ويأمر الحاضرين بذلك: لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل"(4).
ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن بقصد تذكير الحاضرين بالموت وما بعده، لحديث البراء بن عازب قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، وكأن
(1) إسناده حسن: [الجنائز 153]، حب (2160)، هق (410/ 3).
(2)
صحيح: [الجنائز 154]، خ (1390/ 255/ 3). ومعنى "مُسَنَّمًا" أي مرتفعا وتسنيم القبر خلاف تسطيحه.
(3)
حسن: [الجنائز 155]، د (3190/ 22/ 9).
(4)
صحيح الإسناد: [الجنائز 156]، د (3205/ 41/ 9).
على رؤوسنا الطير، وفي يده عود فجعل ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثًا، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كان وجوههم الشمس، معهم كفن من اكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجىء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون يعني بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب، فيقولون فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل، اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخري. قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ديني الإِسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي بسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتي أرجع إلى أهلي ومالي.
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الأخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجى إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلًونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِيَاطِ} فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ:{وَمَن يُشْرِكْ بِاللَهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطيْرً أَوْ تَهْوِي بِهِ الريحُ في مَكَان سَحِيقٍ} فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدرى. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول هاه هاه، لا أدرى. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدرى. فينادى مناد من السماء: أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتي تختلف فيه أضلاعه) ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذى يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت، فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة. "وفي رواية: ثم يقيص له أعمى أصم أبكم، وفي يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة حتي يصير ترابا، ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين"(1).
(1) صحيح: [الجنائز 159]، أ (53/ 74/ 7)، د (4727/ 89/ 13).