الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية (364/ 2):
لما ذكر تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم إياه في قسم الصدقات بيّن تعالى أنه هو الذي قسمها وبين حكمها وتولّى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين
هل يجب استيعاب هذه الأصناف
؟
قال ابن كثير: وقد اختلف العلماء في هذه الأصناف الثمانية، هل يجب استيعاب الدفع إليها أو إلى من أمكن منها؟ على قولين:
أحدهما: أنه يجب ذلك، وهو قول الشافعي وجماعة.
والثاني: أنه لا يجب استيعابها، بل يجور الدفع إلى واحد منها ويعطى جميع الصدقة مع وجود الباقين، وهو قول مالك وجماعة من السلف والخلف، منهم عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون بن مهران، قال ابن جرير: وهو قول عامة أهل العلم. وعلى هذا فإنما ذكرت الأصناف ههنا لبيان المصرف لا لوجوب استيعاب الإعطاء، قال ابن كثير: ولنذكر أحاديث تتعلق بكل من الأصناف الثمانية:
1 -
فأما الفقراء: فعن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذى مرة سوى"(1).
وعن عبيد الله بن عدى بن الخيار: أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلّب فيهما بصره، فرآهما جلدين، فقال:"إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب"(2).
2 -
وأما المساكين: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(1) صحيح: [ص. خ 7251]، ت (647/ 81/ 2)، د (1618/ 42/ 5)، ورواه عن أبي هريرة: جه (1839/ 589/ 1)، نس (99/ 5).
(2)
صحيح: [ص. د 1438]، د (1617/ 41/ 5)، نس (99/ 5).
"ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس، فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان" قالوا فما المسكين يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئًا"(1).
3 -
وأما العاملون عليها: فهم الجباة والسعاة، يستحقون منها قسطًا على ذلك، ولا يجوز أن يكونوا من أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تحرم عليهم الصدقة، لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أنه انطلق هو والفضل بن العباس يسألان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعملهما على الصدقة، فقال:"إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمَّد، إنما هى أوساخ الناس"(2).
4 -
وأما المؤلفة قلوبهم فأقسام:
منهم من يعطى ليسلم، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية من غنائم حنين، وقد كان شهدها مشركًا، قال:"فلم يزل يعطينى حتى صار أحب الناس إليّ، بعد أن كان أبغض الناس إليّ"(3).
ومنهم من يعطى ليحسن إسلامه ويثبت قلبه، كما أعطى يوم حنين أيضا جماعة من صناديد الطلقاء وأشرافهم مائة من الإبل، وقال:"إني لأعطى الرجل وغيرُه أحب إليّ منه، خشية أن يكبه الله على وجهه في نار جهنم"(4).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد أن عليا بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها من اليمن فقسمها بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس، وعيينة بن بدر، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخير وقال:"أتألفهم"(5).
(1) متفق عليه: م (1039/ 719/ 2)، وهذا لفظه، خ (1479/ 31/ 34)، نس (85/ 5)، د (1615/ 39/ 5).
(2)
صحيح: [ص. ج 1664]، م (1072/ 752/ 2)، د (2969/ 205/ 8)، نس (105/ 5). قال النووى ومعنى (أوساخ الناس) أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم كما قال تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فهي كغسالة الأوساخ (ص. مسلم شرح النووى ج 7 ص 251 ط قرطبه).
(3)
صحيح: [مختصر م 1588]، م (1072/ 168/754/ 1)، د (2969/ 205 - 208/ 8)، نس (105 و 106/ 5).
(4)
متفق عليه: خ (27/ 79/ 1)، م (150/ 132/ 1)، د (4659/ 440/12)، نس (103/ 8).
(5)
متفق عليه: خ (4351/ 67/ 8)، م (1064/ 741/ 2)، د (4738/ 109/ 13).
ومنهم من يعطى لما يرجى من إسلام نظرائه.
ومنهم من يعطى ليجبى الصدقات ممن يليه، أو ليدفع عن حوزة المسلمين الضرر من أطراف البلاد. والله أعلم.
وهل تعطى المؤلفة على الإِسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال ابن كثير: فيه خلاف:
فروي عن عمر وعامر والشعبى وجماعة أنهم لا يعطون بعده، لأن الله قد أعز الإِسلام وأهله ومكن لهم في البلاد، وأذل لهم رقاب العباد.
وقال آخرون: بل يعطون لأنه عليه الصلاة والسلام قد أعطاهم بعد فتح مكة وكسر هوازن، وهذا أمر قد يحتاج إليه فيصرف إليهم.
5 -
وأما الرقاب: فروى عن الحسن البصري ومقاتل بن حيان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والنخعى والزهرى وابن زيد أنهم المكاتبون، وروى عن أبي موسي الأشعرى نحوه، وهو قول الشافعي والليث رضي الله عنهما. وقال ابن عباس والحسن: لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة. وهو مذهب أحمد ومالك وإسحاق. أي أن الرقاب أعم من أن يعطي المكاتب، أو يشتري رقبة فيعتقها استقلالا. وقد ورد في ثواب الإعتاق وفك الرقبة أحاديث كثيرة، وأن الله يعتق بكل عضو منها عضوا من معتقها، حتى الفرج بالفرج (1)، وما ذاك إلا لأن الجزاء من جنس العمل "وما تجزون إلا ما كنتم تعملون".
6 -
وأما الغارمون فهم اْقسام:-
فمنهم من تحمل حمالة، أو ضمن دينا فلزمه فاجحف بماله، أو غرم في أداء دينه، أو في معصية ثم تاب، فهؤلاء يدفع إليهم.
(1) صحيح: [ص. ج 6051]، رواه الترمذي من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله منه بكل عضو منه عضوا من النار، حتي يعتق فرجه بفرجه". (1581/ 49/ 3).
والأصل في هذا الباب حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال:"أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها". قال: ثم قال: "يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتي يصيبها ثم يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحِجَا من قَوْمِهِ: لقد أصابت فلانا فاقة، فَحَلَّت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، فما سِوَاهُنَّ من المسألة يا قبيصة! سُحْتًا يكلها صَاحِبُهَا سُحْتًا"(1).
7 -
وأما في سبيل الله: فهم الغزاة الذين لاحق لهم في الديوان.
وعند الإِمام أحمد والحسن وإسحاق: والحج من سبيل الله، للحديث.
(قلت): يريد بالحديث حديث ابن عباس رضي الله عنه قال:
"أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، فقالت امرأة لزوجها: أحِجَّنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندي ما أحِجُّكِ عليه. قالت: أجِجَّنى على جملك فلان. قال: ذاك حَبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتى تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وإنها سألتنى الحج معك، قالت: أحجنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت ما عندي ما أحجك عليه. فقالت: أحجنى على جملك فلان. فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله. فقال صلى الله عليه وسلم: "أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله" (2).
8 -
وابن السبيل: هو المسافر المجتاز في بلد ليس معه شيء يستعين به على سفره فيعطي من الصدقات ما يكفيه إلى بلده، وإن كان له مال. وهكذا الحكم
(1) صحيح: [مختصر م 568]، م (1044/ 722/ 2)، د (1624/ 49/ 5)، نس (96/ 5). ومن ذوى الحجا أي العقل والفطنة.
(2)
حسن صحيح: [ص. د 1753]، د (1974/ 465/ 5)، كم (183/ 1)، هق (164/ 6).