الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما عليه، وأن يغض الطرف عما يحدث من تقصير في حقوقه أحيانا.
حق المرأة على الرجل:
يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (1) فما يوجد من المودة والرحمة بين الزوجين لا يكاد يوجد بين اثنين. والله سبحانه يحب للأزواج دوام المودة والرحمة، ولذا شرع لهم من الحقوق ما يحفظ أداؤه المودة والرحمة من النفاد أو الضياع، فقال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وهذه الكلمة على إيجازها جمعت مالًا يؤدى بالتفصيل إلا في سفر كبير، فهي قاعدة كليّة ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق، إلا أمرأَ واحدًا عبّر الله تعالى عنه بقوله {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (2) وقد أحال في معرفة ما لهنّ وما عليهن على المعروف بين الناس ومعاشراتهم ومعاملاتهم في أهليهم، وما يجرى عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم. فهذه الجملة تعطى الرجل ميزانا يزن به معاملته لزوجه في جميع الشؤون والأحوال، فإذا همّ بمطالبتها بأمر من الأمور تذكّر أنه يجب عليه مثله بإزائه. ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنى لأتزيّن لامرأتى كما تتزين لي (3).
فالمسلم الحق يعترف بما لزوجته عليه من الحقوق، كما قال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا"(4).
والمسلم الواعى يحاول دائما أن يؤدى لزوجه حقها غير ناظر في حقه استوفاه
(1) الروم: 21.
(2)
البقرة: 228.
(3)
ابن جرير (453/ 2).
(4)
حسن: [ص. جه 1501]، ت (1173/ 315/2)، جه (1851/ 594/1)
أم لا، لأنه حريص على دوام المودة والرحمة بينهما، كما أنه حريص على تفويت الفرصة على الشيطان الذي يحرش بينهما ليتفرقا.
ومن باب "الدين النصيحة" نذكر الآن حق المرأة على الرجل، ثم نذكر بعد ذلك حق الرجل على المرأة، لعل الأزواج يتعظون فيتواصون بالحق ويتواصون بالصبر.
"إن لنسائكم عليكم حقا" وأوّل ذلك: أن يعاشر الرجلُ المرأة بالمعروف، لقوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1)، وذلك بأن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ويؤدّبها إذا خاف نشوزها بما أمر الله أن يؤدب به النساء، بأن يعظها موعظة حسنة من غير سبّ ولا شتم ولا تقبيح، فإن أطاعت وإلا هجرها في الفراش، فإن أطاعت وإلا ضربها في غير الوجه ضربًا غير مبرّح، لقوله تعالى:{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (2) ولقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ فقال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت"(3).
إن من مظاهر اكتمال الخلق ونمو الإيمان أن يكون المرء رفيقا رقيقًا مع أهله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكتمال المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقا، وخياركم خياركم لنسائهم"(4)
فإكرام المرأة دليل الشخصية المتكاملة، وإهانتها علامة على الخسة واللؤم. ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يتلطف مع عائشة ويسابقها، حتى قالت "سابقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا حتى إذا
(1) النساء: 19.
(2)
النساء: 34.
(3)
صحيح: [ص. جه 1500]، د (2128/ 180/6)، جه (1850/ 593/1).
(4)
حسن صحيح: [ص. ت 928]، ت (1172/ 315/ 2).
أرهقنى اللحم سابقنى فسبقنى، فقال: هذه بتلك" (1).
ولقد عدّ النبي صلى الله عليه وسلم -اللهو باطلًا إلا ما كان مع الأهل، فقال صلى الله عليه وسلم:"كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثًا: رميُه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق"(2).
2 -
ومن حق المرأة على الرجل أن يصبر على أذاها، وأن يعفو عما يكون منها من زلات لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقا رضي منها آخرً"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خُلِقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تُقيمُه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا"(4) وقال بعض السلف: اعلم أنه ليس حُسن الخلق مع المرأة كف الأذى عنها، بل تحملّ الأذى منها، والحلم على طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت نساؤه يراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل (5).
3 -
ومن حق المرأة على الرجل أن يصونها ويحفظها من كل ما يخدش شرفها ويُثلم عِرضها ويمتهن كرامتها، فيمنعها من السفور والتبرج، ويحول بينها وبين الاختلاط بغير محارمها من الرجال، كما عليه أن يوفّر لها حصانة كافية ورعاية وافية، فلا يسمح لها أن تفسد في خلق أو دين، ولا يفسح لها المجال أن تفسق عن أوامر الله ورسوله أو تفجر، إذ هو الراعى المسئول عنها والمكلف بحفظها وصيانتها لقول الله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (6)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:"والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته"(7).
(1) صحيح: [الزفاف200]، د (2561/ 243/ 7).
(2)
صحيح: [ص. ج 4534]، النسائي في العشرة (ق 74/ 2) الطبراني في المعجم الكبير (1/ 89/ 2) وأبو نعيم في أحاديث أبي القاسم الأصم (ق 17/ 18).
(3)
صحيح: [الزفاف 199]، م (469/ 1091/ 2).
(4)
متفق عليه: البخاري (5186/ 253/ 9)، م (1468 - 60 - /1091/ 2).
(5)
مختصر منهاج القاصدين (ص 78 و 79).
(6)
النساء: 34.
(7)
متفق عليه: خ (893/ 380/2)، م (1829/ 1459/3).
4 -
ومن حق المرأة على الرجل أن يعلمها الضرورى من أمور دينها، أو يأذن، لها أن تحضر مجالس العلم، فإن حاجتها لإصلاح دينها وتزكية روحها ليست أقلّ من حاجتها إلى الطعام والشراب الواجب بذلهما لها، وذلك لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (1) والمرأة من الأهل، ووقايتها من النار بالإيمان والعمل الصالح، والعملُ الصالح لابد له من العلم والمعرفة، حتى يمكن أداؤه والقيام به على الوجه المطلوب شرعا.
5 -
ومن حق المرأة على الرجل أن يأمرها بإقامة دين الله والمحافظة على الصلاة، لقوله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (2).
6 -
ومن حق المرأة على الرجل أن ياذن لها في الخروج من البيت إذا احتاجت إليه كأن ترغب في شهود الجماعة، أو في زيارة أهلها وأقاربها أو جيرانها، بشرط أن يأمرها بالجلباب، وينهاها عن التبرج والسفور، كما ينهاها عن العطر والبخور، ويحذرها من الاختلاط بالرجال ومصافحتهم، كما يحذرها من رؤية التلفزيون وسماع الأغانى.
7 -
ومن حق المرأة على الرجل أن لا يفشى سرّها، وأن لا يذكر عيبها، إذ هو الأمين عليها، والمطالب برعايتها والذود عنها، ومن أخطر الأسرار أسرار الفراش ولذا حذّر النبي صلى الله عليه وسلم -من إذاعتها لحديث أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود فقال:"لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟ فأرَمَّ القوم، فقلت: إى والله يا رسول الله! إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال "فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل الشيطان لقى شيطانه فى طريق، فغشيها والناس ينظرون" (3).
8 -
ومن حق المرأة على الرجل أن يستشيرها في الأمور ولا سيما التى تخصهما وأولادَهما، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يستشير نساءه ويأخذ
(1) التحريم: 6.
(2)
طه: 132.
(3)
صحيح: [آداب الزفاف 72].
برأيهن، ومن ذلك ما كان منه يوم الحديبية حين فرغ من كتابة الصلح ثم قال لأصحابه:"قوموا فانحروا، ثم احلقوا". فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة رضي الله عنها، فذكر لها ما لقى من الناس. فقالت: يا نبى الله أتحب ذلك؟ اخرج، ولا تكلّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد يعضهم يقتل بعضًا غمًا (1). وهكذا جعل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في رأى زوجه أم سلمة الخير الكثير، خلافا للأمثلة الجائرة الظالمة التي تنهى عن مشاورة النساء وتحذر منها، كقولهم بالعامية مشورة المرأة إن نفعت بخراب سنة، وإن ما نفعت بخراب العمر.
9 -
ومن حق المرأة على الرجل أن يرجع إليها بعد العشاء مباشرة، وألا يسهر خارج المنزل إلى ساعة متأخرة من الليل، فإن هذا يؤرقها ويزعجها قلقًا عليه، إن لم تدب في صدرها الوساوس والشكوك إن طال السهر وتكرر، بل من حق المرأة على الرجل أن لا يسهر في البيت بعيدا عنها ولو في الصلاة حتى يؤديها حقها، ومن هنا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن عمرو طول سهره واعتزال امرأته، وقال له:"إن لزوجك عليك حقا"(2).
10 -
ومن حق المرأة على الرجل أن يعدل بينها وبين ضرتها إن كان لها ضرة، يعدل بينهما في الطعام والشراب، واللباس، والسكن، والمبيت في الفراش، ولا يجوز أن يحيف في شيء من ذلك أو يجور ويظلم، فإن الله حرّم هذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل"(3).
(1) صحيح: خ (2731 و 2732/ 329/ 5).
(2)
متفق عليه: خ (1975/ 217 و 218/ 4)، م (1159 - 182 - 813/ 2)، نس (211/ 4).
(3)
صحيح: [الإرواء 2017]، [ص. جه 1603]، د (2119/ 171/6)، ت (1150/ 304/ 2)،نس (63/ 7) جه (1969/ 633/ 1)، بألفاظ متقارية.