الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلافات الزوجية:
لا تكاد أسرة تسلم من المشاكل والخلافات، ولكن الأسر تتفاوت في حجم مشاكلها ونوع خلافاتها. وقد حث الإِسلام الزوجين على معالجة مشاكلهما والقضاء عليها فيما بينهما، وأرشد كلاّ منهما إلى طرق العلاج التي يستخدمها مع صاحبه، كما حثهما على المبادرة إلى العلاج حين تظهر بوادر الخلاف وأعراضه، قال تعالى:{وَاللَاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْخرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُن} (1) وقال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُالحًا وَالصُلْحُ خَيْر} (2).
"فالمنهج الإسلامى لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل، وتعلن راية العصيان، وتسقط مهابة القوامة، وتنقسم المؤسسة إلى معسكرين .. فالعلاج حين ينتهى الأمر إلى هذا الوضع قلّما يجدى .. ولابد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز قبل استفحاله، لأن مآله إلى فساد في هذه المنظمة الخطيرة، لا يستقر معه سكن ولا طمأنينة، ولا تصلح معه تربية ولا إعداد للناشئين في المحضن الخطير. وماَله بعد ذلك إلى تصدع وانهيار ودمار المؤسسة كلها، وتشرد للناشئين فيها، أو تربيتهم بين عوامل هدامة مفضية إلى الأمراض النفسية والعصبية والبدنية .. وإلى الشذوذ.
فالأمر إذن خطير، ولابد من المبادرة باتخاذ الإجراءات المتدرجة في علاج علامات النشوز منذ أن تلوح من بعيد.
علاج نشوز المرأة:
{فَعِظُوهُنَّ} : هذا هو الإجراء الأول .. الموعظة .. وهذا هو أول واجبات
(1) و (2) النساء 34، 128.
القيم ورب الأسرة. عمل تهذيبى، مطلوب منه في كل حالة:{يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكمْ نَارًا وَقُوذهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة} (1) ولكنه في هذه الحالة بالذات، يتجه اتجاها معينا لهدف معين، هو علاج أعراض النشوز قبل أن تستفحل وتستعلن.
ولكن العظة قد لا تنفع؛ لأن هناك هوى غالبا، أو انفعالا جامحا، أو استعلاء بجمال، أو بمال أو بمركز عائلى، أو بأى قيمة من القيم، تنسى الزوجة أنها شريكة في مؤسسة، وليست ندا في صراع أو مجال افتخار. هنا يجىء الإجراء الثاني .. حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تتدل به المرأة من جمال وجاذبية أو قيم أخرى، ترفع بها ذاتها عن ذاته، أو عن مكان الشريك في مؤسسة عليها قوامة. {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} ، والمضجع موضع الإغراء والجاذبية التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها. فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء فقد أسقط من يد المرأة الناشز أمضى أسلحتها التي تعتز بها.
على أن هناك أدبا معينا في هذا الإجراء .. إجراء الهجر في المضاجع .. وهو ألا يكون هجرا ظاهرا في غير مكان خلوة الزوجين .. لا يكون هجرًا أمام الأطفال، يورث نفوسهم شرًا وفسادًا .. ولا هجرا أمام الغرباء يذل الزوجة، أو يستثير كرامتها فتزداد نشوزًا فالمقصود علاج النشوز لا إذلال الزوجة ولا إفساد الأطفال. وكلا الهدفين يبدو أنه مقصود من هذا الإجراء. ولكن هذه الخطوة قد لا تفلح كذلك .. فهل تترك المؤسسة تتحطم؟ إن هناك إجراء ولو أنه أعنف، ولكنه أهون وأصغر من تحطيم المؤسسة كلها بالنشوز:
{وَاضْرِبُوهنّ} ، واستصحاب المعانى السابقة كلها، واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات كلها يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيبا للانتقام والتشفى. ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير، ويمنع أن يكون أيضًا للقسر والإرغام على معيشة لا.
(1) التحريم: 6.
ترضاها .. ويحدد أن يكون ضرب تأديب، مصحوب بعاطفة المؤدب المربى، كما يزاوله الأب مع أبنائه، وكما يزاوله المربى مع تلميذه.
وقد أبيحت هذه الإجراءات لمعالجة أعراض النشوز -قبل استفحالها- وأحيطت بالتحذيرات من سوء استعمالها، فور تقريرها وإباحتها، وتولى الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته العملية في بيته مع أهله، وبتوجيهاته الكلامية، علاج الغلو هنا وهناك، وتصحيح المفهومات في أقوال كثيرة:
عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال:"أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت"(1).
وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"لا تضربوا إماء الله". فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن. فرخّص في ضربهن، فاطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولقد أطاف بآل بيت محمَّد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم"(2).
وعن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي- صلى الله عليه وسلم يقول: "يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه"(3).
وعلى آية حال فقد جعل لهذه الإجراءات حد تقف عنده، متى تحققت الغاية عند مرحلة من هذه المراحل فلا تتجاوز إلى ما وراءها:"فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة مما يدل على أن الغاية -غاية الطاعة- هى المقصود، وهي طاعة الاستجابة، لا طاعة الإرغام، فهذه ليست طاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة، قاعدة الجماعة.
(1) سبق 295.
(2)
حسن صحيح: [ص. جه 1615] ، د (2132/ 183 /6) ،جه (1985/ 638/1).
(3)
متفق عليه: خ (4942/ 705 / 8) ، م (2855/ 2091 / 4) ، ت (3401/ 111 /5).