الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(14) بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ عَنِ الْمَيِّتِ
2880 -
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ (1) قَالَ: نَا ابْنُ وَهْبٍ، عن سُلَيْمَانَ - يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ -، عن الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، أرَاهُ عن أَبِيهِ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". [م 1631، ت 1376، ن 3651، حم 2/ 372، خزيمة 2494]
===
(14)
(بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ عَنِ الْمَيِّتِ)
2880 -
(حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال: نا ابن وهب، عن سليمان - يعني ابن بلال -، عن العلاء بن عبد الرحمن، أراه عن أبيه)، وقد أخرجه مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، من غير شك، (عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلَّا من ثلاثة أشياء: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).
قال النووي (2): إن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له، إلَّا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية، وهي الوقف.
قال: وفيه أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، [وكذلك الصدقة] ، وهما مجمع عليهما، وكذلك قضاء الدين، وأما الحج فيجزئ عن الميت عند الشافعي وموافقيه، وهذا داخل في قضاء الدين إن كان حجًّا واجبًا، وإن كان تطوعًا وصَّى به فهو من باب الوصايا، وأما قراءة القرآن وجعل ثوابها للميت
(1) ذكر المزي هذا الحديث في "تحفة الأشراف"(14206) بهذا الطريق، وذكر قبله (13975) بطريق آخر:"عن يحيى بن أيوب، عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، به". وقال: حديث أبي داود في رواية أبي الحسن بن العبد، ولم يذكره أبو القاسم.
(2)
"شرح صحيح مسلم"(6/ 95 - 96).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والصلاة عنه ونحوهما، فمذهب الشافعي والجمهور أنها لا تلحق (1) الميت، انتهى.
وقال النووي أيضًا في "شرح مقدمة مسلم"(2): قوله: ليس في الصدقة اختلاف، معناه أن هذا الحديث لا يحتج به، ولكن من أراد بر والديه فليتصدق عنهما، فإن الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها بلا خلاف بين المسلمين، وهذا هو الصواب، وأما ما حكاه القاضي أبو الحسن الماوردي الشافعي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب، فهو مذهب باطل قطعًا، وخطأٌ بَيِّنٌ مخالف لنصوص الكتاب والسنَّة وإجماع الأمة، فلا التفات إليه ولا تعريج عليه.
وأما الصلاة والصوم، فمذهب الشافعي وجماهير العلماء أنه لا يصل ثوابهما إلى الميت إلَّا إذا كان الصوم واجبًا على الميت، فقضاه عنه وليه أو من أذن عنه الولي، فإن فيه قولين للشافعي، أشهرهما عنه أنه لا يصح، وأصحهما عند محققي متأخري أصحابه أنه يصح.
وأما قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت، وقال بعض أصحابه: يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات من الصلاة والصوم والقراءة وغير ذلك، ومال الشيخ أبو سعد عبد الله بن محمد ابن هبة الله (3) بن أبي عصرون من أصحابنا المتأخرين في كتابه "الانتصار" إلى اختيار هذا.
وقال الإِمام أبو محمد البغوي من أصحابنا: لا يبعد أن يطعم من كل صلاة مُدٌّ من طعام، وكل هذه المذاهب ضعيفة، ودليلهم القياس على الصدقة
(1) وذكر الدردير في مذهبهم تفصيلًا. [انظر: "حاشية الدسوقي" (2/ 10)]. (ش).
(2)
(1/ 137 - 138).
(3)
في الأصل: "عبد الله"، وهو تحريف، والصواب: هبة الله، كما في "شرح مقدمة مسلم"، و"سير أعلام النبلاء"(21/ 125).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والحج فإنها تصل بالإجماع، ودليل الشافعي وموافقيه (1) قول الله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (2)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا مات ابن آدم انقطع عمله"
…
الحديث، انتهى.
قلت: ومذهب الحنفية في ذلك ما قال صاحب "رد المحتار على الدر المختار"(3): صرح علماؤنا في باب الحج عن الغير، بأن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صومًا أو صدقة أو غيرها، كذا في "الهداية"، بل في زكاة "التاتارخانية" عن "المحيط": الأفضل لمن يتصدق نفلًا أن ينوي لجميع المؤمنين والمؤمنات؛ لأنه يصل إليهم ولا ينقص من أجره شيء، وهو مذهب أهل السنَّة والجماعة، لكن استثنى مالك والشافعي العبادات البدنية المحضة كالصلاة والتلاوة، فلا يصل ثوابها إلى الميت عندهما، بخلاف غيرها كالصدقة والحج، وخالف المعتزلة في الكل، وتمامه في "فتح القدير"(4).
وفي "البحر"(5): من صام أو صلَّى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز، ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنَّة والجماعة، كذا في "البدائع"(6)، ثم قال: وبهذا علم أنه لا فرق بين أن يكون المجعول له ميتًا أو حيًّا، والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه، ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره، لإطلاق كلامهم (7)، وأنه لا فرق بين الفرض والنفل.
وأما الاستدلال على نفي حصول الثواب للأحياء والأموات من الغير،
(1) قال العيني: اختلفوا في معناه على ثمانية أقوال، وذكر الشيخ التهانوي في تأليفه في "بهشتي كَوهر"(ص 170) في إيصال ثواب العبادات البدنية الروايات الكثيرة. (ش).
(2)
سورة النجم: الآية 39.
(3)
"رد المحتار"(3/ 151 - 152).
(4)
"فتح القدير"(3/ 65).
(5)
"البحر الرائق"(3/ 63).
(6)
"بدائع الصنائع"(2/ 454).
(7)
كذا في الأصل، وفي "البحر" كلامه، وهو الظاهر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وصدقته وصلاته وصومه بقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (1).
فالجواب عنه أولًا أنه روي عن ابن عباس عدم إثابة (2) الإنسان بسعي غيره وفعله منسوخ الحكم في هذه الشريعة، فالحصر المستفاد من قوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} منسوخ الحكم في هذه الشريعة بقوله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (3)، فإنه يدل على أن الذريات يدخلون الجنة بعمل آبائهم.
وقال عكرمة: كان ذلك لقوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا أي ما عملوا وسعى لهم غيرهم، لما روي: أن امرأة رفعت صبيًّا له عليه السلام، فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر"، وقال رجل: يا رسول الله، إن أمي افتلتت، وأظنها لو تكلمت لتصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال:"نعم".
وقال الشيخ تقي الدين أبو العباس: من اعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلَّا بعمله فقد خرق الإجماع، فإن الأمة قد أجمعوا على أن الإنسان ينتفع بدعاء غيره، وهو انتفاع بعمل الغير.
وأيضًا أنه عليه الصلاة والسلام يشفع لأهل الموقف في الحساب، ثم لأهل الجنة في دخولها، ثم لأهل الكبائر في الإخراج من النار، وهو انتفاع بسعي الغير، وكذا كل نبي وصالح له شفاعة، وذلك انتفاع بعمل الغير، وأيضًا الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض، وذلك منفعة بعمل الغير.
وأيضًا أنه تعالى يخرج طائفة من النار ممن لم يعمل خيرًا قط بمحض رحمته، وهذا انتفاع من غير سعيهم.
وأيضًا أولاد المؤمنين يدخلون الجنة بعمل آبائهم، وذلك انتفاع بمحض
(1) سورة النجم: الآية 39.
(2)
في الأصل: "إصابة"، وهو تحريف، والصواب:"إثابة". انظر: "حاشية شيخ زاده"(8/ 24).
(3)
سورة الطور: الآية 21.