الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) بَابُ الْخُرُوجِ مِنَ الطَّاعُون
3103 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عن مَالِكٍ، عن ابْنِ شَهَابٍ،
===
ولا أعلم من أين تيسر لهم الجزم بأنه خلاف السنَّة مع أن السنَّة خلافه، نعوذ بالله من شرور أنفسنا، وقد ترجم عليه أبو داود في "سننه" فقال:"باب العيادة من الرمد"، ثم أسند الحديث والله الهادي.
أقول: يُحْمَلُ [قوله]: "خلاف السنَّة" على السنَّة المؤكدة، ولا يرد الحديث؛ إذ ليس فيه تصريح منه بأنه عيادة، بل يحتمل أن يكون زيارة، وإنما قال الصحابي على زعم أنه عيادة، أو على أنه مشابه بالعيادة فأطلقه مجازًا.
قال في "شرعة الإِسلام": ومن السنَّة المؤكدة أن يعود أخاه فيما اعتراه، أي أصابه من المرض إلَّا في ثلاثة أمراض: صاحب الرمد، والضرس، والدمل، قال الشارح: وبتقييدنا السنَّةَ بالمؤكدة يندفع ما يُتَوَهَّم من المخالفة بين ما ذكر المصنف وبين ما ذكر في "المصابيح" من أن زيد بن أرقم قال: عادني النبي صلى الله عليه وسلم من وجع كان بعيني، فإنه محمول على أنه من السنن غير المؤكدة (1)، وخلاصة الكلام أنه لا يلزم فيها العيادة، لا أنه منهي عنها، انتهى.
(10)
(بَابُ الْخُرُوجِ)(2) من بلده (مِنَ الطَّاعُون)
3103 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب،
(1) قال القسطلاني: سواء عندنا الرمد وغيره
…
إلخ. [انظر: "إرشاد الساري" (3/ 342)]. (ش).
(2)
بسط الكلام عليه الحافظ في "الفتح"(10/ 138)، وحفق صاحب "مجالس الأبرار" (ص 370): أنه لا يجوز الدعاء لرفعه؛ لأنه لدعوة نبينا عليه الصلاة والسلام إذ قال: "اللهم اجعل هلاك أمتي بالطعن والطاعون". [انظر: "المستدرك" رقم (2462)]، وفي الطاعون تصانيف مستقلة، منها رسالة اسمها:"ما أورد الساعون في أخبار الطاعون" لعبد الهادي، ذكر فيها بداية هذا المرض وتواريخ الأمراض الشديدة.
عن عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنٍ بنِ زيدِ بْنِ الْخَطَّاب، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نوْفَلٍ، عن عَبْدِ الَلَّةِ بْنِ عَبَّاسٍ (1) قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا سمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تُقْدِمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ
===
عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) العدوي، أبو عمر المدني، استعمله عمر بن عبد العزيز على الكوفة، وقيل: عداده في أهل الجزيرة، قال العجلي والنسائي وابن خراش: ثقة، وقال أبو بكر بن أبي داود: ثقة مأمون، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن عباس قال: قال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم به) أي بالطاعون (بأرض) أي وقع بأرض (فلا تقدموا عليه) بضم التاء من الإقدام، وفي بعض النسخ بفتح التاء والدال، والمحفوظ ضم التاء (وإذا وقع بأرض
= وحكى فيه عن الأسلاف أن المطعون شهيد وإن كان فاسقًا، وحكى عن تاج الدين السبكي أن الفرار منه سبب لقصر العمر، واستنبطه من قوله عز اسمه:{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 16]، وأيده بالتجربة، وذكر الآثار عن الصحابة في دعائهم بالموت بالطاعون، وحكى مذهب الأئمة الثلاثة حرمة الفرار عنه، وعن مالك الكراهة، انتهى.
ووجه عدم دخولها المدينةَ المنورةَ أن الطاعون أثر وخزة الجن الكفرة، وهم ممنوعون عن دخول المدينة المنورة، وذكر الأدوية والأدعية له، فارجع إلى الأصل فإنها رسالة مفيدة في ذلك.
وهل يجوز له القنوت؟ قال صاحب "الأشباه والنظائر"(3/ 240): نعم، وصاحب "المجالس": لا، وهل يؤذن له؟ مقتضى ما في "الأوجز" (15/ 684): نعم، وفي "الفتاوى الرشيدية" (ص 167): لا يسن ولم يثبت. (ش).
(1)
زاد في نسخة: أن عمر بن الخطاب جاء إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا عليه. فجاء عبد الرحمن بن عوف، وكان متغيبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي في هذا علمًا.
وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ- يَعْيي الطَّاعُونَ-". [خ 5730، م 2218]
===
وأنتم بها) أي بالأرض (فلا تخرجوا فرارًا (1) منه - يعني الطاعون-).
قال الطيبي (2): فيه أنه لو خرج لحاجة فلا بأس به، وقال بعضهم: الطاعون لما كان عذابًا نهى عن الإقدام، فإنه تهوُّر وإقدام على الخطر، والعقل يمنعه، ونهى عن الفرار أيضًا، فإن الثبات فيه تسليم لما لم يسبق منه اختيار فيه، ويحتمل أنه كره ذلك لما فيه من تضييع المرضى والموتى لو تحول الأصحاء عنهم، وقال القاضي: في الحديث النهي عن استقبال النبلاء فإنه تهور، وعن الفرار فإنه فرار عن القدر، ولا ينفعه، قال الخطابي (3): أحد الأمرين تأديب وتعليم، والآخر تفويض وتسليم، انتهى، قاله القاري.
وقد أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرني: أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله عز وجل جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعونُ، فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلَّا كان له مثل أجر شهيد"(4).
وأخرج الشيخان (5)، عن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطاعون رجز أُرْسِلَ على طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه".
(1) وفي "الدر المختار"(6/ 757): إن عَلِمَ أن كل شيء بقدر الله تعالى، فلا بأس بأن يدخل ويخرج، وإلا فيكره، وعليه حمل الحديث. وفي "مجالس الأبرار": اختلفوا فيه على أقوال: منها أنه تعبدي لا يعقل؛ لأن الفرار من المهالك مأمور به، ويقال: قلما فرَّ أحد من الطاعون فسَلِمَ، وهو مجرب، ويستنبط من قوله تعالى:{لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ} [الأحزاب: 16]. (ش).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(4/ 28)، وانظر:"شرح الطيبي"(3/ 302).
(3)
انظر: "معالم السنن"(1/ 299).
(4)
"صحيح البخاري"(3474، 3473).
(5)
"صحيح مسلم"(2218).