الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(29) بَابٌ: فِي إِيقَافِ أَرْضِ السَّوَاد وَأَرْضِ الْعَنْوَة
===
(29)
(بَابٌ: فِي إِيقَافِ أَرْضِ السَّوَادِ (1) وَأَرْضِ الْعَنْوَةِ) (2)
أي ترك قسمتها بين الغانمين، وإبقاؤها لمصالح المسلمين، وما ينوب الإِمام من النوائب والحاجات
(1) ويُراد به رستاق من رساتيق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر رضي الله عنه، سُمَّيت سوادًا لخضرتها بالنخل والزرع
…
إلخ، كذا في "عون المعبود"(8/ 194)، وبسط الترجمة والحديث أشد البسط، وحَكَى عن ابن المنذر أن الأرض المفتوحة للغانمين، وعمر رضي الله عنه استطاب قلوبهم في ذلك، وعند مالك وقف، وقال ابن القيم: جمهور الصحابة والتابعين والأئمة على أن الأرض ليست داخلة في الغنيمة، والإمام بالخيار إن شاء يقسم وإن شاء يبقي
…
إلخ.
قلت: وكذلك عند الحنفية، قال في "الهداية" (1/ 384): إذا افتتح الإِمام بلادًا عنوةً فهو بالخيار، إن شاء قسمها بين المسلمين كما فعل عليه الصلاة والسلام بخيبر، وإن شاء أقرَّ أهله، ووَضَعَ عليهم الجزيةَ وعلى أراضيهم الخراجَ، كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق بموافقة من الصحابة، وفي العقار خلاف الشافعي
…
إلخ.
قلت: ويرد تأويل الشافعية بالاستطابة ما في "البخاري"(3059): "وايْمُ الله إنَهم ليرون أني قد ظلمتهم
…
" الحديث، فإنه لو استطابهم كيف يقولون بظلمه؟ . (ش).
(2)
وفي "البدائع"(6/ 92): الأراضي التي فُتِحَتْ عنوةً فمن الإِمام على أهلها، فيضع عليها الخراج. وأرض السواد كلها خراجية؛ لأن عمر رضي الله عنه ضرب عليها الخراج بمحضر من الصحابة، إلى آخر ما قال.
قال العيني (10/ 456): قد اختلف العلماء في حكم الأرض، فقال أبو عبيد: وجدنا الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، قد جاءت في افتتاح الأرض ثلاثة أحكام: أرض أسلم أهلها عليها فهي لهم ملك، وهي أرض عشر لا شيء فيها غيره، وأرضٌ افْتُتِحَتْ صلحًا على خراج معلوم، فهم على ما صولحوا عليه، لا يلزمهم أكثر منه، وأرض أُخذت عنوةً، هي التي اختلف فيها المسلمون إلى آخر ما بسط الاختلاف.
وقال القسطلاني (7/ 41): والذي تقرر أن مذهب الحنفية والحنابلة أن الإِمام مخيَّر فيما فتح عنوةً بين قسمة أرضه كالمنقولات ووقفها، ومذهب الشافعية القسمة لمن حضر، وعن المالكية أنها تصير وقفًا بنفس الظهور، انتهى.
وحكى الموفق (4/ 189) فيه ثلاث روايات: الأولى: ما تقدَّم عن القسطلاني ورجحها، والثانية: أنها تصيرُ وقفًا بنفس الاستيلاء، والثالثة: أن الواجب قسمتها. =
3035 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ (1) بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، نَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عن أَبِيهِ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنَعَتِ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا (2)، ثُمَّ عُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ".- قَالَهَا زُهَيْرٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ. [م 2896، ق 9/ 137]
===
3035 -
(حدثنا أحمد بن يونس، نا زهير، نا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: منعت العراق قفيزها ودرهمها) أي ستمنع، وإنما أتى بصيغة الماضي للدلالة على تحقق وقوعها. والقفيز: مكيال كبير لأهل العراق يسع ثمانية مكاكيَّ (ومنعت الشام مديها) المدي كقفل: مكيال لهم يسع خمسة عشر مكوكًا (ودينارها، ومنعت مصر إِرْدَبَّها) وهو مكيال لأهل مصر يسع أربعة وعشرين صاعًا، والهمزة زائدة مكسورة (ودينارها، ثم عدتم من حيث بدأتم، قالها زهير ثلاث مرات، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه (3)).
= وقال: هو قول مالك وأبي ثور
…
إلخ. ونسبته إلى مالك يخالف القسطلاني، ويخالف الباجي أيضًا، فإنه بسط ذلك فارجع إليه (4/ 439)، وبسط أيضًا الموفق، وابن القيم (1/ 325)، والشيخ ولي الله في "إزالة الخفاء"(2/ 129).
وكذا بسط ابن الهمام في "باب العشر والخراج"(4/ 359) الأراضي التي فتحت عنوةً وصلحًا، والنووي في "شرح المنهاج"(4/ 157). (ش).
(1)
زاد في نسخة: "بن عبد الله".
(2)
في نسخة: "تبرها".
(3)
واستدل الجصاص في "أحكام القرآن"(3/ 102 - 103) بهذا الحديث على أن أرض الخراج لا يكره للمسلم أن يملكها، وهي ليست بصغار، وقال: فيه حجة من وجهين: الأول: أنه لم يكره لهم ملك أرض الخراج التي عليها قفيز ودرهم، ولو كان ذلك مكروهًا لذكره. والثاني: أنه أخبر عن منعهم لحق الله المفترض عليهم بالإِسلام، وهو معنى قوله:"عدتم كما بدأتم"، يعني في منع حق الله تعالى، فدل على أنه كسائر =
3036 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عن هَمَّامِ بْنِ مُنبَّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثنَا (1) أبُو هُرَيْرَةَ عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَيُّمَا قَرْيَةٍ أَتَيْتُمُوهَا وَأَقَمْتُمْ فِيهَا فَسَهْمُكُمْ فِيهَا، وَأَيُّمَا قَرْيَةٍ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ خُمُسَهَا للهِ وَرَسُولِهِ (2)، ثُمَّ هِيَ لَكُمْ". [م 1756، حم 2/ 317]
===
قال الخطابي (3): معنى الحديث أن ذلك كائن لا محالة، وأن هذه البلاد تفتح للمسلمين، ويوضع عليها الخراج (4) شيئًا مقدرًا بالمكائيل والأوزان، وأنه سيمنع في آخر الزمان، وقد ظهر أول الأمر كذلك في زمن عمر رضي الله عنه على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3036 -
(حدثنا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا) إشارة إلى الكتاب الذي في يده (ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكر أحاديث، منه:(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّما قريةٍ) أي أهلها (أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها، وأيّما قريةٍ) أي أهلها (عَصَتِ الله ورسوله فإنّ خُمُسَها لله ورسوله، ثم هي لكم).
قال النووي (5): قال القاضي: يحتمل أن يكون المراد بالأولى الفيء الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيلٍ ولا ركابٍ، بل جلا عنه أهله أو صالحوا عليه، فيكون سهمهم فيها، أي حقهم من العطايا كما يصرف
= حقوق الله تعالى اللازمة، مثل الزكاة والكفارات لا على وجه الصغار، وأيضًا لم يختلفوا أن الإِسلام يسقط جزية الرؤوس، ولا يسقط عن الأرض، فلو كان صغارًا لأسقطه الإِسلام. (ش).
(1)
زاد في نسخة: "به".
(2)
في نسخة: "للرسول".
(3)
"معالم السنن"(3/ 35).
(4)
وبه قال الجمهور، وأبطل ابن حزم حمله على الخراج. (ش).
(5)
"شرح صحيح مسلم"(6/ 315 - 316).