الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا أَوْصَى بِشَىْءٍ". [م 1635، ن 3621، جه 2695]
(2) بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يَجُوزُ لِلْمُوصِي في مَالِهِ
2864 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ وَابْنُ أَبِى خَلَفٍ قَالَا: نَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضَ مَرَضًا (1) أَشْفَى فِيه، فَعَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
===
"لا نورث، ما تركنا صدقة"، تدلان على أن ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه وملكه شيئًا إلَّا جعل جميعها صدقة، فصح قول عائشة رضي الله عنها:"ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارًا ولا درهمًا ولا بعيرًا ولا شاة"، أي: لم يترك في ملكه بل جعل كلها صدقة.
(ولا أوصى بشيء) من المال والخلافة، وأما الأحاديث الصحيحة في وصيته صلى الله عليه وسلم بكتاب الله ووصيته لأهل البيت، وإخراج اليهود من جزيرة العرب، وإجازة الوفد، فليست مرادة بقولها:[ولا] أوصى، قاله القاري.
(2)
(بَابُ مَا جَاءَ فِيمَا يَجُوزُ لِلمُوصِي في مَالِهِ)
2864 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة وابن أبي خلف قالا: نا سفيان، عن الزهري، عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص، (عن أبيه) سعد (قال) سعد:(مرض)(2) أي: سعد، عبَّر نفسه بالغيبة (مرضًا أشفى فيه) أي: قرب فيه من الموت (فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم) من العيادة، (فقال: يا رسول الله،
(1) زاد في نسخة: "قال ابن أبي خلف: بمكة، ثم اتفقا".
(2)
في "المشكاة" من الحديث المتفق عليه: "مرضت عام الفتح"، قال القاري (6/ 252): وفي هامش نسخة ميرك شاه: صوابه: "عام حجة الوداع". وجمع صاحب "تنقيح الرواة"، من قال فيه: حجة الوداع ورجحه أيضًا، وقال: ليس في "الصحيحين" إلَّا هذا، وأما غزوة الفتح فهو في رواية للترمذي، والحافظ (5/ 363)، والعيني (10/ 12)، قالا: إن الفتح وهم، ثم جمعا بينهما باحتمال التعدد. (ش).
إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا، وَلَيْسَ يَرِثُنِى إلَّا ابْنَتِى أَفَأَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ:«لَا» ، قَالَ: فَبِالشَّطْرِ؟ قَالَ: «لَا» ، قَالَ: فَالثُّلُثِ (1)؟
===
إن لي مالًا كثيرًا، وليس يرثني) أي: من أصحاب الفرائض، أو ليس يرثني ممن أخاف عليه الضياع (إلَّا ابنتي).
قال الحافظ (2): وهذه البنت زعم بعض من أدركناه أن اسمها عائشة، فإن كان محفوظًا فهي غير عائشة بنت سعد التي روت هذا الحديث عنده في الباب الذي يليه، لكن لم يذكر أحد من النَّسَّابين لسعد بنتًا تسمى عائشة غير هذه، وذكروا أن أكبر بناته أم الحكم "الكبرى" والظاهر أن البنت المشار إليها هي أم الحكم المذكورة لتقدم تزويج سعد أمَّها، انتهى.
وليس المراد أنه لا وارث له غير ابنته، بل كان له عصبة كثيرة (3).
قلت: والأحسن أن يقال: ليس لي من ولدي إلَّا ابنتي، لأنه لم يكن له يومئذ إلَّا ابنة واحدة (4)، وإنما عبَّر صلى الله عليه وسلم بالورثة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على أن سعدًا سيعيش ويأتيه الأولاد غير البنت المذكورة، فكان كذلك، وولد له بعد ذلك أربعة (5) بنين، أو يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما عبر بالورثة؛ لأنه كان له من الورثة من ولد أخيه عتبة بن أبي وقاص غيرها، فأطلق لفظ الورثة باعتبار ابنته وأبناء أخيه.
(أفأتصدق بالثلثين) من مالي؟ (قال: لا، قال: فبالشطر؟ ) أي: أتصدق بنصف مالي؟ (قال: لا، قال) أي سعد: (فالثلث؟ ) بالجر، أي: أفأتصدق بثلث مالي؟
(1) في نسخة: "فبالثلث".
(2)
"فتح الباري"(5/ 367 - 368).
(3)
وبه جزم أبو الطيب في "شرح الترمذي". (ش).
(4)
كما هو مصرح في رواية البخاري. (ش).
(5)
وذكر في "القسطلاني" تسعة بنين وثنتي عشرة بنتًا. [انظر: "إرشاد الساري" (6/ 251)]. (ش).
قَالَ: "الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلَّا أُجِرْتَ فِيهَا (1) حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى في امْرَأَتِكَ".
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي؟ قَالَ: "إِنَّكَ إِنْ تُخَلَّفْ بَعْدِي، فَتَعْمَلَ عَمَلًا تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ لَا تَزْدَادُ بِهِ إِلَّا رِفْعَة وَدَرَجَةً،
===
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الثلث) أي تصدق الثلث، (والثلث كثير) أي باعتبار ما دونه، قال ابن الملك: فيه بيان أن الإيصاء بالثلث جائز له، وأن النقص منه أولى، (إنك) استئناف (إن) بفتح الهمزة على التعليل وبكسرها على الشرطية، قال القرطبي: لا معنى للشرط ها هنا؛ لأنه يصير لا جواب له، وتعقب بأنه لا مانع من تقديره (تترك ورثتك أغنياء) أي: مستغنين عن الناس (خير من أن تدعهم عالة) جمع عائل وهو الفقير، والفعل منه عال يعيل إذا افتقر (يتكففون الناس) أي: يسألون بأكفهم، أو سأل ما يكف عنه الجوع، أو سأل كفًّا كفًّا من طعام.
(وإنك لن تنفق نفقة) تبتغي فيها وجه الله، أي: رضاه (إلَّا أجرت) بصيغة المجهول (فيها) أي: أعطيت الأجر من الله تعالى في تلك النفقة (حتى اللقمة) بالنصب عطفًا على نفقة، ويجوز الرفع على أنه مبتدأ (ترفعها) هكذا في المكتوبة القلمية والمصرية بالراء، وتؤيده رواية "البخاري" و"المشكاة"، وفي المجتبائية والقادرية والكانفورية بالدال المهملة، ولعله تصحيف من بعض النساخ (إلى في امرأتك)، والمعنى أن المنفق لابتغاء رضاه تعالى يؤجر، وإن كان محل الإنفاق محل الشهوة وحظ النفس؛ لأن الأعمال بالنيات.
(قلت: يا رسول الله، أتخلف عن هجرتي؟ ) أي: أتأخر عن ثوابها بأن أموت بمكة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك إن تُخَلَّفْ بعدي) أي: تعيش وتبقى بعد موتي (فتعمل عملًا) من الجهاد والصدقة، (تريد به وجه الله لا تزداد به) أي بذلك العمل (إلَّا رفعة ودرجة) عند الله تعالى.
(1) في نسخة بدله: "بها".
لَعَلَّكَ أَنْ (1) تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ"، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ،
===
(لعلك أن تُخَلَّفَ) فتعيش بعدي، (حتى ينتفع بك أقوام) في دينهم ودنياهم بأن أسلموا وفازوا بالنعيم المقيم (ويُضَرَّ بك آخرون) وهم الكفار في دينهم ودنياهم، فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم، وسبيت نساؤهم وأولادهم، وغنمت أموالهم وديارهم، وهذا الحديث من المعجزات، لأن سعدًا رضي الله عنه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى فتح العراق وغيره، وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق، وتضرر خلائق بإقامة الحق فيهم من الكفار ونحوهم.
قال القاضي (2): قيل: لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه (3) بمكة وموته بها إذا كان لضرورة، وإنما كان يحبطه ما كان بالاختيار، وإنما خاف سعد إشفاقًا من موته بمكة لكونه هاجر منها فتركها لله تعالى، فخشي أن يقدح ذلك في هجرته أو في ثوابه عليها، أو خشي بقاءه بمكة بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنهم بسبب المرض، وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى، وعليه تدل هذه الرواية:"يا رسول الله، أتخلف عن هجرتي".
وقال قوم: موت المهاجر بمكة محبط هجرته كيفما كان، وقيل: لم تفرض الهجرة إلَّا على أهل مكة خاصة.
(ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم) قال القاضي: استدل به بعضهم على أن بقاء المهاجر بمكة كيف كان قادح في هجرته، قال: ولا دليل فيه عندي، لأنه يحتمل أنه دعا لهم دعاءً عاما، ومعنى "أمض لأصحابي هجرتهم" أي: أتممها ولا تبطلها، ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية.
(1) في نسخة بدله: "لن".
(2)
"إكمال المعلم"(5/ 366). وانظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 91).
(3)
في الأصل: "لبقائه"، وهو تحريف.
لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ"، يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ. [خ 1295، م 1628، ت 2116، ن 3627، جه 2708، دي 3195، حم 1/ 172]
===
(لكن البائس) وهو الذي عليه أثر البؤس، وهو القلة والفقر (سعد بن خولة).
واختلفوا في قصة سعد بن خولة فقيل: لم يهاجر من مكة حتى مات بها، قاله عيسى بن دينار، وذكر البخاري أنه هاجر وشهد بدرًا، ثم انصرف إلى مكة ومات بها.
وقال ابن هشام: إنه هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرًا وغيرها، وتوفي بمكة في حجة الوداع سنة عشر، وقيل: توفي بها سنة سبع في الهدنة، خرج مُخْتارًا (1) من المدينة إلى مكة.
فعلى هذا وعلى قول عيسى بن دينار سبب بؤسه سقوط هجرته لرجوعه مختارًا وموته بها، وعلى قول الآخرين سبب بؤسه موته بمكة على أي حال كان، وإن لم يكن باختياره لما فاته من الأجر والثواب الكامل بالموت في دار هجرته، والغربة عن وطنه الذي هجره لله تعالى.
قال القاضي (2): وقد روي في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف مع سعد بن أبي وقاص رجلًا، وقال له: إن توفي بمكة فلا تدفنه بها، وسعد بن خولة هذا هو زوج سبيعة الأسلمية.
(يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال العلماء: هذا من كلام الراوي، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في قائل هذا الكلام من هو؟ فقيل: سعد بن أبي وقاص، وقد جاء مفسرًا في بعض الروايات، قال القاضي: وأكثر ما جاء أنه من كلام الزهري، ومعناه يتوجع له ويرق عليه لكونه مات بمكة (أن مات بمكة).
(1) وفي "شرح صحيح مسلم" للنووي: مجتازًا.
(2)
"إكمال المعلم"(5/ 368).