الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(27) بَابُ مَا جَاءَ فِي حُكْمِ أَرْضِ الْيَمَنِ
3027 -
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عن أَبِي أُسَامَةَ، عن مُجَالِدٍ، عن الشَّعْبِيِّ، عن عَامِرِ بْنِ شَهْرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ لِي هَمْدَانُ: هَلْ أَنْتَ آتٍ هَذَا الرَّجُلَ وَمُرْتَادٌ (1) لَنَا، فَإِنْ رَضِيتَ لَنَا شَيْئًا قَبِلْنَاهُ، وَإِنْ كَرِهْتَ شَيْئًا كَرِهْنَاهُ، قُلْتُ: نَعَمْ،
===
قال الخطابي (2): يشبه أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم إنما سَمَحَ لهم بالجهاد والصدقة، لأنهما لم يكونا واجبين في العاجل، لأن الصدقة إنما تجب بعد تمام الحول، والجهاد إنما يجب بحضور العدوِّ، وأما الصلاة فهي واجبة في كل يوم وليلة، فلم يجز أن يشترطوا تركها.
(27)
(بَابُ مَا جَاءَ فِي حُكْمِ أَرْضِ الْيَمَنِ)
3027 -
(حدثنا هناد بن السري، عن أبي أسامة، عن مجالد، عن الشعبي، عن عامر بن شهر) الهمداني، أبو الكنود بفتح الكاف، ويقال: البكيلي بالموحدة وكسر الكاف الخفيفة، ويقال: الناعظي بالنون والمهملة والظاء المعجمة، وناعظ وبكيل من همدان، له صحبة، عداده في أهل الكوفة، وكان من عُمّال النبيّ صلى الله عليه وسلم على اليمن، روى له أبو داود من حديث الشعبي عنه، وإسناده إلى الشعبي لا بأس به.
(قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ادَّعَى النبوة وأَظْهَرَها (فقالت لي همدان) أي قبيلتي: (هل أنت آتٍ هذا الرجلَ ومرتادٌ لنا؟ ) قال في "المجمع"(3): هو طالب الكلأ، ثم نقل إلى كل متطلب أمرًا، أي طالب لنا الخير والحق.
(فإن رضيتَ لنا شيئًا قبِلناه، وإن كرهتَ شيئًا كَرِهْناه، قلت: نعم،
(1) في نسخة: "مرتادًا".
(2)
"معالم السنن"(3/ 34 - 35).
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(2/ 296).
فَجِئْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَضِيتُ أَمْرَهُ، وَأَسْلَمَ قَوْمِي، وَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْكِتَابَ إِلَى عُمَيْر ذِي مَرَّان. قَالَ: وَبَعَثَ مَالِكَ بْنَ مُرَارَةَ الرَّهَاوِيَّ إِلَى الْيَمَنِ جَمِيعًا، فَأسْلَمَ عَكٌّ ذُو (1) خَيْوَان، قَالَ: فَقِيلَ لِعَكٍّ: انْطَلِقْ إِلَى رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فخُذْ مِنْهُ الأَمَانَ عَلَى قَرْيَتِكَ وَمَالِكَ، فَقَدِمَ فَكَتَبَ
===
فجئتُ حتى قدِمتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فرضِيتُ أَمْرَه، وأَسْلَمَ قومي) أي همدان (وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب إلى عمير ذي مران) بن أفلح بن شراحيل بن ربيعة، وهو ناعظ بن مرثد الهمداني الناعظي، جد مجالد بن سعيد المحدث المشهور، كان مسلمًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكاتبه، فأخرج الطبراني (2) من طريق مجالد بن سعيد بن عمير ذي مران، عن أبيه، عن جده عمير قال: جاءنا كتاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمير ذي مران ومن أسلم من همدان، أما بعد! سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد! فإنه بلغنا إسلامكم لما قدمنا من أرض الروم، فأبشروا، فإن الله قد هداكم"، الحديث، كذا في "الإصابة"(3).
(قال) عامر بن شهر: (وبعث) رسول الله صلى الله عليه وسلم (مالكَ بنَ مرارة الرَّهاوي) منسوب إلى رهاء بن مُنَبِّه، من بني سهم، سكن الشام، وهي قبيلة من مذحج، وكان في كِتاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم: وأن مالك بن مرارة الرهاوي قد حفظ الغيب، وأدّى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، فآمرك به خيرًا (إلى اليمن جميعًا) أي إلى جميع أهل اليمن (فأَسْلَمَ عكٌّ ذو خَيْوَان) عَك بفتح مهملة، اسمُ رجلٍ ذو خيوان الهمداني اليماني.
(قال: فقيل لعَكٍّ: انطلِقْ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَخُذْ منه الأمانَ على قريتك ومالك، فقدم) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن مالكَ بنَ مرارة قدم علينا يدعو إلى الإِسلام فأسلمنا، ولي أرض فيها ورقيق، فاكتب لي كتابًا (فكتب
(1) في نسخة: "ذي".
(2)
"المعجم الكبير"(17/ 50) رقم (107).
(3)
(2/ 242).
لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَكّ ذِي خَيْوَانَ، إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي أَرْضِهِ وَمَالِهِ وَرَقِيقِهِ فَلَهُ الأَمَانُ وَذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ".
3028 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرَشِيُّ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُمْ قَالَ: نَا فَرَجُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي ثَابِتُ بْنُ سَعِيدٍ،
===
له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَكّ ذي خيوان، إنْ كانَ صادقًا في أرضه وماله ورقيقه، فله الأمان وذِمّة الله وذِمَّة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب) ذلك الكتاب (خالد بن سعيد بن العاص).
وهذا الحديث يدل على أن أرض اليمن عشرية، لأنه أسلم أهل اليمن، فكان لهم أرض فيملكهم، وفي مثلها العشر.
3028 -
(حدثنا محمد بن أحمد القرشي) ذكر الحافظ في "تهذيبه"(1) أولًا محمد بن أحمد بن يزيد بن عبد الله بن يزيد القرشي الجمحي أبا يونس المدني المفتي، ثم ذكر محمد بن أحمد بن أنس القرشي أبا عبد الله، ويقال: أبو علي النيسابوري، ثم قال: فيحتمل أن شيخ أبي داود هذا أو المدني المتقدم، والأشبه أنه المدني، ويحتمل أن يكون هو ابن مدُّويه، فإن أبا بكر بن أبي داود روى عنه، وكانت رحلته مع أبيه.
(وهارون بن عبد الله، أن عبد الله بن الزبير) الحميدي (حدَّثهم قال) أي عبد الله بن الزبير: (نا فَرَجُ بنُ سعيد) بن علقمة بن سعيد بن أبيض بن حَمّال السبائي بمفتوحة، المأربي بمفتوحة وسكون همز وكسر راء وبموحدة، نسبة إلى مأرب مدينة باليمن، روى عن عَمَّي أبيه جبير وثابت ابني سعيد، قال أبو زرعة: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، (حدثني عمي) فيه تجوُّز، فإنه عمُّ أبيه كما هو ظاهر (ثابت بن سعيد) بن أبيض بن حمَّال بالمهملة وتشديد الميم، المأربي
(1)"تهذيب التهذيب"(9/ 24 - 25).
عن أَبِيهِ سَعِيدٍ - يَعْنِي ابْنَ أَبْيَضَ -، عن جَدِّهِ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ:"أَنَّهُ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّدَقَةِ حِينَ وَفَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ: "يَا أَخَا سَبَإٍ، لَا بُدَّ مِنَ صَدَقَةٍ"، فَقَالَ: إِنَّمَا زَرَعْنَا الْقُطْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ تبَدَّدَتْ سَبَأ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ بِمَأْرِبَ، فَصَالَحَ النَّبِيُّ (1) صلى الله عليه وسلم عَلَى سَبْعِينَ حُلَّةٍ مِنْ قِيمَةِ وَفَاءِ بَزِّ الْمَعَافِرِ
===
اليمامي، روى عن أبيه، وعنه ابن أخيه فرج بن سعيد بن علقمة بن سعيد، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وأخرج له النسائي في "السنن الكبرى"، وقرأت بخط الذهبي في "الميزان" (2): ولا يعرف.
(عن أبيه سعيد - يعني ابنَ أَبْيَضَ -، عن جده) أي جد ثابت (أَبْيَضَ بن حمال: أنه) أي أبيض بن حمال (كَلَّمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة) بأن يسقط عنهم (حين وَفَدَ عليه) أي وَرَدَ عليه وافدًا (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أخا سَبَإٍ، لا بد من صدقة) أي من العشر والزكاة؛ لأنه حق الله، وقد فرض على المسلمين (فقال) أبيض:(إنما زَرَعْنا القطنَ يا رسول الله، وقد تَبَدَّدَتْ) أي تفرقت (سبأ، ولم يبق منهم) أي من أهل سبأ (إلَّا قليل بمأرب).
قال في "معجم البلدان"(3): وهي بلاد الأزد باليمن، قال السُّهَيلي: مأرب: اسم قصر كان لهم، وقيل: اسم لكل ملك كان يلي سبأ، كما أن تُبَّعًا اسم لكل من ولي اليمن والشحر وحضرموت.
(فصالح) إليه (النبيَّ صلى الله عليه وسلم على سبعين حلة) هما بردان يمانيان منسوجتان بخطوط حمر مع سود، ولا تسمى حلة إلَّا أن تكونا ثوبين من جنس واحد (من قيمة وفاء بَزّ المعافر) هو برود باليمن منسوبة إلى معافر، قبيلة- "مجمع"(4) -.
(1) في نسخة: "نبي الله".
(2)
"ميزان الاعتدال"(1/ 364). وانظر: "تهذيب التهذيب"(2/ 5).
(3)
(5/ 34).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 629).
كُلَّ سَنَةٍ عَمَّنْ بَقِيَ مِنْ سَبَإٍ بِمَأْرِبَ، فَلَمْ يَزَالُوا يُؤَدُّونَهَا حَتَّى قُبِضَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّ الْعُمَّالَ انْتَقَضُوا عَلَيْهِم بَعْدَ قَبْضِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا صَالَحَ أَبْيَضُ بْنُ حَمَّالٍ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحُلَلِ السَّبْعِينَ، فَرَدَّ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَا وَضَعَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى مَاتَ أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بَكْرٍ انْتَقَضَ ذَلِكَ وَصَارَتْ عَلَى الصَّدَقَةِ".
===
وقال في "القاموس": ومعافر بلدة، وأبو حي من همدان، لا ينصرف، وإلى أحدهما تنسب الثياب المعافرية، ولا تضم الميم.
(كل سنة) أي ما يساوي قيمة بَزِّ المعافر (عمن بَقِيَ من سبإ بمأرب، فلم يزالوا يؤدونها حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن العمال انتقضوا عليهم) أي ذلك العهد والصلح (بعد قَبْضِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صَالَحَ أبيضُ بنُ حَمّالٍ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الحلل السبعين، فردّ ذلك أبو بكر على ما وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو سبعون حلة (حتى مات أبو بكر، فلما مات أبو بكر انتقض ذلك) العهد (وصارت على الصدقة).
كتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه رحمه الله: قوله: "من قيمة وفاء بزّ المعافر"(1) بيان لمقدار قيمة الحلة، حتى لا يلزم المصالحة على مجهول، وحاصله: أن تكون كل حلة تساوي قيمتها قيمة بز المعافر، وبز المعافر كانت معلومة عندهم، وكان ذلك صلحًا يجوز للإمام ذلك، أو كانت خصوصية منه صلى الله عليه وسلم حيث نقص من حقوق الصدقة، ثم إن أبا بكر رأى مثل رأيه صلى الله عليه وسلم حيث أَقَرَّهم على ما كانوا عليه، ثم إن عمر رضي الله عنه أَتَمّ عليهم الزكاة والصدقات مثل الأقوام الآخر، حيث ارتفعت علة التخفيف عنده، والحاصل: أن المذكور إن كان هو الصلح عن الزكاة، وهو الظاهر من السباق والسياق، فهو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، وإن كان من غيرها من العشر وغيره، فهو صلح، يجوز العمل عليه بعد لغيره، انتهى.
(1)"بزّ المعافر": البزّ: الثياب، والمعافر: قبيلة يمنية، تنسب إليها الثياب، لصنعها إياها.