الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(16) بَابُ نَسْخِ مِيرَاثِ الْعَقْدِ بِمِيرَاثِ الرَّحِمِ
2921 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عن أَبِيهِ، عن يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:(وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ (1) أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ)، كَانَ الرَّجُلُ يُحَالِفُ الرَّجُلَ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ، فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَنَسَخَ ذَلِكَ الأَنْفَالُ (2):{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} . [ق 6/ 262]
===
أي: يجعل (3) وارثًا لمن مات قبله، وقيد الاستهلال باعتبار أنه الغالب في القرينة على الحياة، وإلَّا فأي أمارة (4) على الحياة وجدت يورث ذلك المولود من مورثه الذي مات قبله.
(16)
(بَابُ نَسْخِ مِيرَاثِ الْعَقْدِ)، العقد: هو المحالفة والموالاة (بمِيرَاث الرَّحِمِ)
2921 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت قال: حدثني علي بن حسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: والذين عاقدت (5) أيمانكم) وفي قراءة: عقدت (فآتوهم نصيبهم، كان الرجل يحالف الرجل) أي: يعاقده ويواليه (ليس بينهما نسب، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ (6) ذلك الأنفال) أي: آية الأنفال {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (7).
(1) في نسخة: "عقدت".
(2)
زاد في نسخة: "فقال".
(3)
به قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أحمد ومالك: لا يرث ولا يورث، وإن تحرَّك أو تنفس؛ إلا أن يرضع، كذا قال الشعراني (3/ 163). (ش).
(4)
به قلنا والشافعي، وقال قوم: لا بد من الاستهلال، كذا قال القاري (6/ 234)، (ش).
(5)
واستدل بها صاحب "الهداية"(2/ 170) على ولاء الموالاة. (ش).
(6)
وفي "حواشي الشريفية": لا حجة في الآية على النسخ، وخبر الواحد لا ينسخ الآية. (ش).
(7)
سورة الأنفال: الآية 75.
2922 -
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي إدْرِيس بْنُ يَزِيدَ، نَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
===
واختلفوا في هذه المسألة، فقال قائلون: إنه منسوخ بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} ، وقال آخرون: ليس بمنسوخ من الأصل، ولكنه جعل ذوي الأرحام أولى من موالي المعاقدة، فنسخ ميراثهم في حال وجود القرابات، وهو باقٍ لهم إذا فقد الأقرباء على الأصل الذي كان عليه، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر، فقالوا: من أسلم على يدي رجل (1) ووالاه وعاقده، ثم مات ولا وارث له غيره فميراثه له.
وقال مالك وابن شبرمة والثوري والأوزاعي والشافعي: ميراثه لبيت المال، فالآية توجب الميراث للذي والاه وعاقده على الوجه الذي ذهب إليه أصحابنا؛ لأنه كان حكمًا ثابتًا في أول الإسلام، وحكم الله به في نص التنزيل قال:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} ، فجحل ذوي الأرحام أولى من المعاقدين الموالي، فمتى فقدت ذوو الأرحام وجب ميراثهم بقضية الآية، فليس في القرآن ولا في السنَّة ما يوجب نسخها، فهي ثابتة الحكم مستعملة على ما تقتضيه من إثبات الميراث عند فقد ذوي الأرحام.
وقد تقدم الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت هذا الحكم، عن تميم الداري أنه قال: يا رسول الله، ما السنَّة في الرجل يسلم على يدي الرجل من المسلمين؟ قال:"هو أولى الناس بمحياه ومماته"، فهذا يقتضي أن يكون أولى الناس بميراثه، إذ ليس بعد الموت بينهما ولاية إلا في الميراث.
2922 -
(حدثنا هارون بن عبد الله، نا أبو أسامة، حدثني إدريس بن يزيد، نا طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى:
(1) وكذلك إذا عاقد رجل مجهول النسب برجل آخر، وقال له: أنت مولاي ترثني، فقبله الآخر، يصير مولى الموالاة له، كذا في "الشريفية". (ش).
{وَاَلَّذِينَ عَاقَدَتْ (1) أَيْمَانُكُم فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} ، قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ تُوَرَّثُ الأَنْصَارَ دُونَ ذِي (2) رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى رَسُولُ اللَّهِ (3) صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ} ، قَالَ: نَسَخَتْهَا: {وَاَلَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمُانكُمْ فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} مِنَ النَّصْرِ وَالنَّصِيحَةِ وَالرِّفَادَةِ، وَيُوْصِي لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ". [خ 4580، ق 6/ 262]
2923 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى، الْمَعْنَى، قَالَ أَحْمَدُ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، عن دَاوُدَ بْنِ
===
{وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُم فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهم} قال) ابن عباس: (كان) في ابتداء الإِسلام (المهاجرون حين قدموا المدينة تورث الأنصار) أي: تجعل ورثة للأنصار (دون ذي رَحِمِهِ) أي: مقدمًا على ذوي الأرحام (للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم) أي: بين المهاجرين والأنصار.
(فلما نزلت هذه الآية) وهي قوله تعالى: ({وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}) أي: ورثة {مِمَّا تَرَكَ} الآية (قال) ابن عباس: (نسختها) أي نسخت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا} هذه الآية المتقدمة، فعلى كونها منسوخة معناها {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُم فَئَاتُوهُمْ نَصِيبَهم} (4) أي: أعطوهم نصيبهم (من النصر والنصيحة والرِّفادة) أي: الإعانة (ويوصي له، وقد ذهب الميراث) وقد تقدم البحث فيه (5).
2923 -
(حدثنا أحمد بن حنبل، وعبد العزيز بن يحيى، المعنى، قال أحمد: نا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن داود بن
(1) في نسخة: "عقدت".
(2)
في نسخة: "ذوي".
(3)
في نسخة: "النبي".
(4)
سورة النساء: الآية 33.
(5)
فإرث مولى الموالاة عند الجمهور منسوخ رأسًا وأصلًا، وعندنا المنسوخ كونه أولى من ذي الرحم. (ش).
الْحُصَيْنِ قَالَ: "كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بِنْتِ الرَّبِيع، وَكَانَتْ يَتِيمَةً في حِجْرِ أَبِي بَكْرٍ فَقَرَأْتُ:{وَاَلَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَقَالَتْ: لَا تَقْرَأْ: {وَاَلَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إِنَّمَا نَزَلَتْ (1) فِي أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمنِ حِينَ أَبَى الإسْلَامَ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُوَرِّثَهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَمَرَ نَبِيّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤْتِيَهُ نَصِيبَهُ.
زَادَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: فَمَا أَسْلَمَ حَتَّى حَمَلَ عَلَى الإسْلَامِ بِالسَّيْفِ" (2). [ق 6/ 204]
===
الحصين قال: كنت أقرأ على أم سعد بنت الربيع، وكانت يتيمة في حجر أبي بكر). قال في "التقريب" (3): أم سعد [بنت سعد] بن الربيع صحابية، أوصى بها أبوها إلى أبي بكر الصديق، فكانت في حجره، ويقال: إن اسمها جميلة، قلت: ولعلها في رواية أبي داود نسبت إلى جدها.
وقال في "تهذيب التهذيب"(4): أم سعد بنت سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير، ويقال: أم سعد بنت الربيع الأنصارية، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مناقب سعد بن الربيع، ويقال: اسمها جميلة.
(فقرأت {وَاَلَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} فقالت: لا تقرأ {وَاَلَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبَى الإِسلامَ، فَحَلَفَ أبو بكر أن لا يُوَرِّثه، فلما أَسْلَمَ أَمَرَ نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يُوْتِيَه نَصِيْبَه).
(زاد عبد العزيز: فما) نافية (أسلم) أي: عبد الرحمن بن أبي بكر (حتى حَمَلَ) بصيغة المعلوم (على الإِسلام بالسيف) أي: دافع الإِسلام وقاتل أهل الإِسلام بالسيف، فإنه شهد بدرًا مع المشركين، وكان إسلامه قبيل فتح مكة.
(1) في نسخة: "أنزلت".
(2)
زاد في نسخة: "قال أبو داود: من قال: {عَقَدت} جعله حلفًا، ومن قال:{عَاقَدَتْ} جعله حالفًا، قال: والصواب حديث طلحة {عاقدت} .
(3)
(ص 1381).
(4)
(12/ 470).
2924 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، عن أَبِيهِ، عن يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} ، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا} ،
===
وضبطه صاحب "العون"(1) ببناء المجهول، وهو مع بعده يمكن أن يكون معناه أنه لما رأى غلبة الإِسلام في المقاتلة، حتى قتل صناديد كفار قريش في بدر، وكذا في غيره من المواطن، فكأنه أكره على الإِسلام بالسيف.
وأما قول أم سعد: لا تقرأ {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إلى آخره، معناه أن هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر بأنه حَلَفَ أن لا يورِّث ابنه عبد الرحمن؛ لأنه كان لم يسلم، فلا يصح أن يقرأ {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ} من باب المفاعلة، بل الصواب على هذا التقدير {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ} ، فإنه وقع الحلف من أبي بكر بنفي توريث عبد الرحمن، ولعلها لم تبلغها قراءة عاقدت من باب المفاعلة، فأنكرتها لكونها مخالفة لما نزلت من القصة.
ونظيره ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} (2)، وقالت: معاذ الله، كيف يظن أن الرسل ظنوا أنهم قد كُذِبُوا في ما وُعِدَ لهم من الله سبحانه، وقالت: والقراءة فيه: "وظَنُّوا أنهم قد كذِّبوا"(3) من باب التفعيل.
2924 -
(حدثنا أحمد بن محمد، نا علي بن حسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} و {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا})، إشارة إلى آيتين من سورة الأنفال، وتمام نظم الآية: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
(1)"عون المعبود"(8/ 99).
(2)
سورة يوسف: الآية 110.
(3)
أخرجه البخاري نحوه (3389).