الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى شبه
الشَّبَه، والشِّبْه، والشَّبيه، حقيقتها فى المماثلة من جهة الكيفيّة؛ كاللون والطَّعم، وكالعادلة والظلم. والأَصل فيه هو أَلَاّ يميّز أَحد الشيئين عن الآخر؛ لما بينهما من التشابه، عينًا كان أَو معنى. وقوله تعالى:{وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} أَى يُشبه بعضُه بعضًا، لونًا وطعمًا وحقيقة، وقيل: متماثلاً فى الكمال والجودة. وقوله: {مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} معناهما متقاربان. قال تعالى: {إِنَّ البقر تَشَابَهَ عَلَيْنَا} أَى تتشابه. ومن قرأَ (تَشابَهَ على لفظ الماضى) جعل لفظه مذكّرا، و {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} أَى فى الغَىّ والجهالة.
وقوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ، المتشابه من القرآن: ما أَشكل تفسيره؛ لمشابهته غيره: إِمّا من حيث اللفظ، أَومن حيث المعنى. وقال الفقهاءُ: المتشابه: ما لا ينبىء ظاهره عن مراده. وحقيقة ذلك أَنَّ الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أَضرب: محكَم على الإِطلاق، ومتشابه على الإِطلاق، ومحكَم من وجه، ومتشابه من وجه. فالمتشابهات فى الجملة ثلاثة أَضرب:
متشابه من جهة اللفظ فقط، ومتشابه من جهة المعنى فقط، ومتشابه من جهتهما.
فالمتشابه من اللَّفظ ضربان: أَحدهما يرجع إِلى الأَلفاظ المفردة، وذلك إِمّا من جهة غرابته؛ نحو:{وَأَبّاً} و {يَزِفُّونَ} ، وإِمّا من مشاركة فى اللَّفظ؛ كاليد والعين.
والثَّانى يرجع إِلى جملة الكلام المركّب؛ وذلك ثلاثة أَضرب:
ضرب لاختصار الكلام؛ نحو قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء} .
وضرب لبسط الكلام، نحو:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، لأَنَّه لو قيل: ليس مثلَه شىء كان أَظهر للسّامع.
وضرب لنظم الكلام، نحو:{أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً} ، تقديره: الكتاب قيِّمًا ولم يجعل له عِوَجاً.
والمتشابه من جهة المعنى أَوصاف الله عز وجل، وأَوصافُ القيامة. فإِنَّ تلك الصّفات لا تتصوّر لنا، إِذْ كان لا يحصل فى نفوسنا صورة ما لم نحسّه، أَو لم يكن من جنس ما نُحسّه.
والمتشابه من جهة اللَّفظ والمعنى خمسة أَضرب:
الأَوّل: من جهة الكَمِّيّة؛ كالعموم والخصوص، نحو:{فاقتلوا المشركين} .
والثَّانى: من جهة الكَيْفِيّة، كالوجوب والندب، نحو قوله:{فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء} .
والثالث: من جهة الزَّمان، كالنَّاسخ والمنسوخ، نحو قوله:{اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} .
والرَّابع: من جهة المكان والأُمور التى نزلت فيها، نحو قوله:{وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا} ، وقوله:{إِنَّمَا النسياء زِيَادَةٌ فِي الكفر} ، فإِنَّ من لا يعرف عادتهم فى الجاهلية يتعذَّر عليه معرفة تفسير هذه الآية.
الخامس: من جهة الشروط التى بها يصحّ الفعل أَو يَفْسد؛ كشروط الصّلاة والنكاح.
وهذه الجملة إِذا تُصوّرت عُلم أَن كلّ ما ذكره المفسّرون لا يخرج عن هذه التَّقاسيم، نحو من قال: المتشابه آلم، وقول قتادة: المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ، وقول الأَصمّ:[المحكم حجة ظاهرة. وقول غيرهم:] لمحكم ما أُجمع على تأْويله، والمتشابه ما اختُلِف فيه.
ثمّ جميع المتشابهات على ثلاثة أَضرب:
ضرب لا سبيل إِلى الوقوف عليه؛ كوقت السّاعة، وخروج دابّة الأَرض، وكيفيّة الدّابّة، ونحو ذلك.
وضربٌ للإِنسان سبيل إِلى معرفته، كالأَلفاظ الغريبة والأَحكام المغلقة.
وضربٌ متردّد بين الأَمرين، نحو أَن يختصّ بمعرفة حقيقته بعض الرّاسخين فى العلم، ويخفى على [مَن] دونهم، وهو المشار إِليه بقوله صلى الله عليه وسلم:"اللهمّ فقِّهه فى الدّين وعلّمه التَّأْويل"، وقوله لابن عبّاس مثل ذلك. فإِذا عرفت هذا الجملة عرفت أَنَّ الوقف على قوله:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ الله} ووصلَه بقوله: {والراسخون فِي العلم}
جائزان، وأَنَّ لكلّ واحد منهما وجهًا، حَسْبما دلّ التَّفصيل المتقدّم.
وقوله: {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً} يعنى ما يشبه بعضه بعضًا فى الإِحكام والحكمة، واستقامة النَّظْم.
وقولُه: {ولاكن شُبِّهَ لَهُمْ} أَى مُثِّل لهم مَن حِسبوه إِيّاه.
والشَّبَه من الجواهر: ما يُشبه لونُه لون الذَّهب.