المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بصيرة فى الشكر - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - جـ ٣

[الفيروزآبادي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب العاشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الذال

- ‌بصيرة فى الذال

- ‌بصيرة فى الذب

- ‌بصيرة فى الذبح والذخر والذر

- ‌بصيرة فى الذرع والذرء والذرية

- ‌بصيرة فى الذكر

- ‌بصيرة فى الذكو والذل والذم

- ‌بصيرة فى الذنب

- ‌بصيرة فى الذهب

- ‌بصيرة فى الذوق

- ‌بصيرة فى ذو وذا

- ‌بصيرة فى الذود والذئب

- ‌الباب الحادى عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الراء

- ‌بصيرة فى الرب

- ‌بصيرة فى الريح والربص والربط

- ‌بصيرة فى ربع وربو

- ‌بصيرة فى الرتع والرتق والرتل

- ‌بصيرة فى الرج والرجز والرجس

- ‌بصيرة فى الرجع

- ‌بصيرة فى الرجف والرجل

- ‌بصيرة فى الرجم (والرجا)

- ‌بصيرة فى الرجاء

- ‌بصيرة فى الرحب والرحق والرحل

- ‌بصيرة فى الرحمة والرحمان والرحيم

- ‌بصيرة فى الرخاء والرد

- ‌بصيرة فى الردف

- ‌بصيرة فى الردم والردء والرذالة والرزق

- ‌بصيرة فى الرسخ والرس والرسل

- ‌بصيرة فى الرسو والرشد والرص

- ‌بصيرة فى الرصد والرضاع

- ‌بصيرة فى الرضا

- ‌بصيرة فى الرطب والرعب والرعد

- ‌بصيرة فى الرعن والرغبة والرغد والرغم

- ‌بصيرة فى الرف والرفت والرفث والرفد والرفع والرق

- ‌بصيرة فى الرقبة والرقد والرقم والرقى والركب

- ‌بصيرة فى الركد والركز والركس والركض والركع والركم والركن والرم

- ‌بصيرة فى الرمح والرق والرمز والمرض والرمى والهرب والرهط

- ‌بصيرة فى الرهق والرهن والرهو

- ‌بصيرة فى الروح

- ‌بصيرة فى الرود والروض والروع والروغ

- ‌بصيرة فى الروم والروى والريب والريش والريع والرين

- ‌بصيرة فى الرؤية

- ‌الباب الثانى عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الزاى

- ‌بصيرة فى الزاى

- ‌بصيرة فى الزبد والزبر والزج

- ‌بصيرة فى الزجر والزجى والزخرف والزرب والزرع

- ‌بصيرة فى الزرق والزرى والزعق والزعم والزف والزفر والزقم

- ‌بصيرة فى الزكاة

- ‌بصيرة فى الزلل والزلفة والزلق والزمر والزمل والزنم والزنى والزهد

- ‌بصيرة فى الزهق والزيت والزوج

- ‌بصيرة فى الزور والزول

- ‌بصيرة فى الزيادة

- ‌بصيرة فى الزيغ

- ‌بصيرة فى الزين

- ‌الباب الثالث عشر - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف السين

- ‌بصيرة فى السؤال

- ‌بصيرة فى السبب

- ‌بصيرة فى السبت

- ‌بصيرة فى السبخ والسبط

- ‌بصيرة فى السبح والسبع والسبغ

- ‌بصيرة فى السبق

- ‌بصيرة فى السبيل

- ‌بصيرة فى السجود

- ‌بصيرة فى السجر

- ‌بصيرة فى السجل

- ‌بصيرة فى السجن

- ‌بصيرة فى السجو والسحب والسحت

- ‌بصيرة فى السحر

- ‌بصيرة فى السحق والسحل

- ‌بصيرة فى سخر وسد وسدر

- ‌بصيرة فى السر وما يشتق منه

- ‌بصيرة فى السرب وسربل وسراج

- ‌بصيرة فى السرح والسرد والسراط

- ‌بصيرة فى السرعة

- ‌بصيرة فى السرف

- ‌بصيرة فى السرقة

- ‌بصيرة فى السرى والسطح

- ‌بصيرة فى السطر والسطو

- ‌بصيرة فى السعد

- ‌بصيرة فى السعر ولسعى

- ‌بصيرة فى السغب والسفر والسفع

- ‌بصيرة فى السفك والسفل والسفن

- ‌بصيرة فى السفه والسفر والسقط

- ‌بصيرة فى السقف والسقم والسقى

- ‌بصيرة فى السكب والسكت والسكر

- ‌بصيرة فى السمر

- ‌بصيرة فى السكون

- ‌بصيرة فى السلب

- ‌بصيرة فى السلاح وسلخ

- ‌بصيرة فى سلط

- ‌بصيرة فى السلف

- ‌بصيرة فى سلق وسلك

- ‌بصيرة فى السل

- ‌بصيرة فى سلم

- ‌بصيرة فى السلوى والسم والسمر

- ‌بصيرة فى السمع

- ‌بصيرة فى سمك وسمن

- ‌بصيرة فى السماء

- ‌بصيرة فى السنن

- ‌بصيرة فى سنم وسنا وسنه وسهر وسهل وسهم وسهو

- ‌بصيرة فى سيب وسيح وسير وسود وسور

- ‌بصيرة فى سوط وسوع

- ‌بصيرة فى ساغ وسوف وسوق

- ‌بصيرة فى سول وسيل وسوم

- ‌بصيرة فى سام وسين وسوى

- ‌بصيرة فى السوء

- ‌الباب الرابع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الشين

- ‌بصيرة فى الشين

- ‌بصيرة فى شبه

- ‌بصيرة فى الشت والشتاء والشجر

- ‌بصيرة فى الشح والشحم والشحن والشخص

- ‌بصيرة فى الشد والشر

- ‌بصيرة فى الشرب

- ‌بصيرة فى الشرح والشرد والشرط

- ‌بصيرة فى الشرع والشرف

- ‌بصيرة فى الشرق

- ‌بصيرة فى شرك

- ‌بصيرة فى الشرى

- ‌بصيرة فى شط وشطر وشطن وشبط

- ‌بصيرة فى شطا وشعب

- ‌بصيرة فى الشعر

- ‌بصيرة فى شعف وشعل وشغف

- ‌بصيرة فى شفل وشفع

- ‌بصيرة فى الشفا والشفق والشق

- ‌بصيرة فى شقو وشك

- ‌بصيرة فى الشكر

- ‌بصيرة فى شكل

- ‌بصيرة فى شكو

- ‌بصيرة فى شمت وشمخ وشمز وشمس

- ‌بصيرة فى شمل

- ‌بصيرة فى شنا وشهب

- ‌بصيرة فى شهد

- ‌بصيرة فى شهر وشهق وشهو

- ‌بصيرة فى شوب وشيب وشيخ وشيد وشور

- ‌بصيرة فى شوظ شوك وشوى وشيع

- ‌بصيرة فى الشيء

- ‌الباب الخامس عشر - فى بصائر الكلمات المفتتحة بحرف الصاد

- ‌بصيرة فى الصاد

- ‌بصيرة فى صب وصبح

- ‌بصيرة فى صبر

- ‌بصيرة فى صبع وصبى

- ‌بصيرة فى صحب

- ‌بصيرة فى صحف وصخ

- ‌بصيرة فى صد

- ‌بصيرة فى صدر

- ‌بصيرة فى صدع

- ‌بصيرة فى صدف وصدق

- ‌بصيرة فى صدى وصرح وصر وصرف

- ‌بصيرة فى صرم وصرط وصرع

- ‌بصيرة فى صعد

- ‌بصيرة فى صعر وصعق وصغر وصفو

- ‌بصيرة فى صف

- ‌بصيرة فى صفح

- ‌بصيرة فى صفد

- ‌بصيرة فى صفر

- ‌بصيرة فى صفن وصفو

- ‌بصيرة فى صل وصلب

- ‌بصيرة فى صلح

- ‌بصيرة فى صلدا وصلا

- ‌بصيرة فى صم

- ‌بصيرة فى صمد

- ‌بصيرة فى صمع وصنع

- ‌بصيرة فى صنم وصنوا

- ‌بصيرة فى صوب

- ‌بصيرة فى صوت

- ‌بصيرة فى صور

- ‌بصيرة فى صهر وصوع

- ‌بصيرة فى صوف وصيف

- ‌بصيرة فى صوم والصيصية

- ‌الباب السادس عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الضاد

- ‌بصيرة فى الضاد

- ‌بصيرة فى ضبح وضحك

- ‌بصيرة فى ضحى

- ‌بصيرة فى ضد

- ‌بصيرة فى ضرب

- ‌بصيرة فى ضر

- ‌بصيرة فى ضرع

- ‌بصيرة فى ضعف

- ‌بصيرة فى ضغث وضغن

- ‌بصيرة فى ضل

- ‌بصيرة فى ضم وضمر وضمن وضنك وضوا وضهى

- ‌بصيرة فى ضير وضيز وضيع وضيف وضيق

- ‌الباب السابع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الطاء

- ‌بصيرة فى الطاء

- ‌بصيرة فى طبع

- ‌بصيرة فى طبق

- ‌بصيرة فى طمو وطرح وطرد وطرف

- ‌بصيرة فى طرف

- ‌بصيرة فى طرق

- ‌بصيرة فى طرى وطعم

- ‌بصيرة فى طعن وطغى وطف وطفق

- ‌بصيرة فى طفل وطل

- ‌بصيرة فى طفا وطلب وطلف وطلح وطلع

- ‌بصيرة فى طلق وطم وطمث وطمس

- ‌بصيرة فى طمع وطمن

- ‌بصيرة فى طود وطور

- ‌بصيرة فى طوع

- ‌بصيرة فى طوف وطوق

- ‌بصيرة فى طول وطوى

- ‌بصيرة فى طهر

- ‌بصيرة فى طيب

- ‌بصيرة فى طير وطين

- ‌الباب الثامن عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الظاء

- ‌بصيرة فى الظاء

- ‌بصيرة فى ظعن وظفر

- ‌بصيرة فى ظل

- ‌بصيرة فى ظلم (وظما)

- ‌بصيرة فى ظن

- ‌بصيرة فى ظهر

الفصل: ‌بصيرة فى الشكر

‌بصيرة فى الشكر

وهو تصوُّر النعمة وإِظهارها. وقيل: هو الثناءُ على المحسِن بما أَوْلَى من المعروف، يقال: شَكَرْتُهُ، وشكرت له. وتعديته بالَّلام أَفصح، قال الله تعالى:{واشكروا لِي} ، وقال جَلَّ ذكره:{أَنِ اشكر لِي وَلِوَالِدَيْكَ} .

وقوله تعالى: {لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُوراً} يحتمل أَن يكون مصدرًا مثل قعد قعودًا، ويحتمل أن يكون جمعا، مثل بُرْد وبُرُود، وكُفر وكُفور.

والشُّكْران: خلاف الكفران. والشَكُور: الشَّاكر. والشَّكُور من الدّواب: الَّذى يجتزىء بالعَلَف القليل ويسمَن عليه. قال الأَعشى:

ولا بدّ من غزوةٍ فى الربيع

رَهْبٍ تُكلّ الوَقاح الشكورا

وقيل: الشكر مقلوب الكشْر أَى الكشف. وقيل: أَصله من عَيْنٍ شَكْرَى: ممتلئة. والشكر على هذا: الامتلاء من ذكر المُنْعِم.

والشكر على ثلاثة أَضرب: شكر بالقلب؛ وهو تصوّر النّعمة. وشكر باللسان؛ وهو الثناءُ على المنعِم. وشكر بسائر الجوارح؛ وهو مكافأَة النعمة بقدر استحقاقه.

ص: 334

وقوله تعالى: {اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً} انتصابه على التمييز ومعناه: اعملوا ما تعملونه شكرًا لله. وقيل: شكرًا مفعول لقوله: {اعملوا} . ولم يقل: اشكروا لينبّه على التزام الأَنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح. وقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور} فيه تنبيه أَنَّ توفية شكرِ الله صعب. ولذلك لم يُثْنِ بالشكر من أَوليائه إِلَاّ على اثنين، قال فى وصف إِبراهيم عليه السلام:{شَاكِراً لأَنْعُمِهِ} ، وقال فى نوح عليه السلام:{إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} .

وإِذا وُصف الله بالشكر فى قوله: {والله شَكُورٌ حَلِيمٌ} فإِنما يُعنى به إِنعامه على عباده، وجزاؤه بما أَقامه من العبادة.

واعلم أَنَّ الشكر أَعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرّضا، فإِنَّه يتضمّن الرّضا وزيادةً، والرّضا مندرِج فى الشكر؛ إِذ يستحيل وجود الشكر بدونه. وهو نصف الإِيمان. وقد أَمر الله به، ونَهَى عن ضدّه، وأَثنى على أَهله، ووصف [به] خواصّ خَلْقه، وجعله غاية خَلْقه وأَمره، ووعَد أَهله

ص: 335

بأَحسن جزائه، وجعله سببًا للمزيد من فضله، وحارسًا وحافظًا لنعمته.

وأَخيراً أَنَّ أَهله هم المنتفعون بآياته، واشتَقَّ لهم اسمًا من أَسمائه. فإِنَّه سبحانه هو الشَّكور، وهو مُوَصّل الشَّاكِر إِلى مشكوره، بل يعيد الشَّاكر مشكورًا. وهو غاية رضا الربِّ عن عبده، وأَهله هم القليل من عباده، قال تعالى:{واشكروا للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ، وقال:{واشكروا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} . وقال عن خليله إِبراهيم: {شَاكِراً لأَنْعُمِهِ} ، وعن نبيّه نوح:{إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} . وقال: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وقال: {أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكتاب والحكمة وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ فاذكروني أَذْكُرْكُمْ واشكروا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} ، وقال:{وَسَيَجْزِي الله الشاكرين} وقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ، وقال:{إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} .

وسمّى نفسه شاكرًا، وشَكُورًا. وحسبك بهذا محبّة للشاكرين وفَضْلاً.

ص: 336

وأَعاد به الشُكْر مشكورًا؛ كقوله: {إِنَّ هاذا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} . ورَضِىَ الرّبّ عن عبده كقوله: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} . وقِلَّةُ أَهله فى العالمين على أَنَّهم من خواصّه.

وفى الصّحيح عن النبىّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّه قام حتى تورّمت قَدَماه، فقيل له: تفعل هذا وقد غَفَر الله لك ما تقدّم من ذنبك [وما تأَخَّر] ؟ قال: أَفلا أَكون عبدًا شكورًا"!. وقال لمُعَاذ "يا مُعَاذ إِنِّى أُحبُك، فلا تنس أَن تقول فى دُبُر كلّ صلاة: اللَّهمّ أَعنِّى على ذكركَ وشُكرك وحُسن عبادتك". وفى الترمذى من بعض دعائه المشهور: "ربّ اجعلنى لك شَكَّارًا، لك ذكَّارًا، لك رَهّابا لك مِطواعًا، لك مُخْبِتًا، إِليك أَوّاهًا مُنِيبًا".

والشكر مبنىّ على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبّه له، واعترافه بنعمته، والثناء عليه بها، وأَلا يستعملها فيما يكره. هذه الخمسة هى أَساس الشكر، وبناؤه عليها. فمتى عُدم منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشكر. وكلّ من تكلم فى الشكر فكلامه إِليها يرجع، وعليها يدور.

ص: 337

فقيل حَدّه: أَنَّه الاعتراف بنعمة المنعِم على وجه الخضوع. وقيل: الثناءُ على المحسِن بذكر إِحسانه. وقيل: هو عكوف القلب على محبّة المنعِم، والجوارح على طاعته، وجَرَيانُ اللسان بذكره، والثناءِ عليه. وقيل: هو مشاهدة المِنَّة، وحفظ الحُرْمة.

وما أَلطف ما قال حَمْدُون القصّار: شُكر النعمة: أَن نرى نفسك طُفَيْلِيًّا. وقال أَبو عثمان: الشكر: معرفة العجز عن الشكر. وقيل: الشكر إِضافة النِّعَمِ إِلى مُوليها. وقال الجُنَيد: الشكر: أَلَاّ ترى نفسك أَهلاً للنعمة. وهذا معنى قول حمدون: أَن ترى نفسك فيها طُفَيْليًّا. وقال رُوَيم: الشكر: استفراغ الطَّاقة، يعنى فى الخدمة. وقال الشِّبلىّ: الشكر: رؤية المنعِم لا رؤية النعمة. ويحتمل كلامه أَمرين: أَحدهما أَن يَفْنَى برؤية المنعِم عن رؤية النعمة، الثَّانى أَلَاّ تحجبه رؤية النعمة ومشاهدتُها عن رؤية المنعِم بها، وهذا أَكمل، والأَوّل أَقوى عندهم. والكمال أَن يشهد النعمة والمنعِم، لأَنّ شكره بحسب شهوده للنعمة، وكلّما كان أَتمّ كان الشّكر أَكمل، والله يحُبّ من عبده أَن يشهد نعمه، ويعترف بها، ويُثنى عليه بها، ويحبّه عليها، لا أَن يَفْنَى عنها، ويغِيب عن شهودها. وقيل: الشكر قِيْد النِّعَم الموجودة، وصيد النِّعم المفقودة. وشكر العامّة على المَطْعَم والمَلْبَس وقوة الأَبدان، وشكر الخاصّة على التَّوحيد والإِيمان وقوّة القلوب.

وقال داود عليه السلام: يا ربّ كيف أَشكرك وشكرى نعمة علىّ مِن عندك تستوجب بها شكرًا؟. فقال: الآن شكرتنى يا داود.

ص: 338

وفى أَثر إِسرائيلىِّ، قال موسى: يا ربّ خلقتَ آدم بيدك، ونفخت فيه من رُوحك، وأَسجدت له ملائكتك، وعلَّمته أَسماءَ كلّ شىء، وفعلتَ وفعلت، فكيف أَطاق شكرك. فقال الله عز وجل: علم أَنَّ ذلك منى، فكانت معرفته بذلك شكرًا لى.

وقيل: التلذّذ بثنائه على ما لم يستوجب من عطائه.

وقال الجُنَيد - وقد سأَله سَرِىّ عن الشكر، وهو صبىّ بَعْدُ -: الشكر أَلاّ يستعان بشىء من نِعَم الله على معاصيه. قال من أَين لك هذا؟ قال: من مجالستك.

وقيل: من قَصُرت يداه عن المكافأَة فليَطُل لسانُه بالشكر.

والشكر مع المزيد أَبدًا؛ لقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} . فمتى لم تر حالك فى مزيد فاستقبل الشكر. وفى أَثر إِلَهىّ، يقول الله: أَهل ذكرى أَهل مجالستى، وأَهل شكرى أَهل زيادتى، وأَهل طاعتى أَهل كرامتى، وأَهل معصيتى لا أُقَنِّطهم من رحمتى، إِنْ تابوا فأَنا حبيبهم، وإِنْ لم يتوبوا فأَنا طبيبهم، أَبتليهم بالمصائب لأطهرهم عن المعايب.

وقيل: من كتم النعمة فقد كفرها؛ ومن أَظهرها ونَشرها فقد شكرها. قال:

ص: 339

ومن الرزيّة أَنَّ شكرى صامت

عمّا فعلت وأَنّ برّك ناطقُ

أَأَرَى الصنيعة منك ثم أُسِرّها

إِنِّى إِذًا لِنَدَى الكريمِ لسارقُ

وتكلم النَّاسُ فى الفرق بين الحمد والشكر [و] أَيُّهما أَفضل. وفى الحديث: "الحمد رأس الشكر، فمن لم يَحْمَدِ الله لم يشكره". والفرق بينهما أَنَّ الشكر أَعمّ من جهة أَنواعه وأَسبابه، وأَخصّ من جهة متعلَّقاته فيه. والحمد أَعمّ من جهة المتعلّقات، وأَخصّ من جهة الأَسباب. ومعنى هذا أَنَّ الشكر يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا؛ ومتعلَّقهُ النِعَم دون الأَوصاف الذاتيّة، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه، وهو المحمود بها، كما هو محمود على إِحسانه وعدله. والشكر يكون على الإِحسان والنِّعَم. فكلّ ما يتعلّق به الشكر يتعلّق به الحمد من غير عكس. وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس، فإِنَّ الشكر يقع بالجوارح، والحمد باللسان.

ص: 340