الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الذوق
ذاقَه ذَوْقًا وذَوَقًا وَمَذَاقًا: اختبر طعمه. وأصله فيما يقلّ تناوله دون ما يكثر؛ فإِن ما يكثر من ذلك يقال له الأَكل. واختير فى القرآن لفظ الذَّوق للعذاب لأَنَّ ذلك وإِن كان فى التعارف للقليل فهو مستصلَح للكثير، فخصَّه بالذِّكْر لِيُعلم الأَمرين. وكثر استعماله فى العذاب، وقد جاءَ فى الرّحمة نحو:{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا} . ويعبَّر به عن الاختبار، يقال: أَذقته كذا فذاق، ويقال: فلان ذاق كذا وأَنا أَكلته، أَى خَبَرته أَكثر ممّا خبره.
وقوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف} فاستعمال الذَّوق مع اللِّباس من أَجْل / أَنه أُريد به التجربة والاختبار، أَى جعلها بحيث تمارس الجوع، وقيل: إِنَّ ذلك على تقدير كلامين كأَنَّه قيل أَذاقها الجوعَ والخوف وأَلبسها لباسهما. وقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} استُعمل فى الرَّحمة الإِذاقة وفى مقابلتها الإِصابة فى قوله {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} تنبيهاً على أَنَّ الإِنسان بأَدنى ما يعطَى من النعمة يبطَر ويأشَر.
وقال بعض مشايخنا: الذَّوق: مباشرة الحاسّة الظَّاهرة أَو الباطنة، ولا يختصّ ذلك بحاسة الفم فى لغة القرآن، بل ولا فى لغة العرب، قال:{وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} ، وقال تعالى:{هاذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} ، وقال:{فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} . فتأَمَّلْ كيف جمع الذَّوق واللِّباس حتىََّ يدلَّ على مباشرة الذوق وإِحاطته وشموله، فأَفاد الإِخبارُ عن إِذاقته أَنَّه واقع مباشر غير منتظر؛ فإنَّ الخوف قد يُتوقَّع ولا يباشر، وأَفاد الإِخبارُ عن لباسه أَنَّه محيطٌ شامل كاللِّباس للبدن.
وفى الصحيح عن النَّبى صلى الله عليه وسلم: "ذاقَ طعم الإِيمان مَن رَضِىَ باللهِ ربًّا وبالإِسلام دينًا وبمحمّد رسولاً" فأَخبر أَنَّ للإِيمان طعمًا، وأَنَّ القلب يذوقه كما يذوق الفم طعمَ الطَّعام والشَّراب. وقد عبّر النَّبىّ صلى الله عليه وسلم عن إِدراك حقيقة الإِيمان والإِحسان وحصوله للقلب ومباشرته له بالذَّوق تارة، وبالطعامِ والشراب تارةً، وبوِجدان الحلاوة تارة، كما قال: ذاق طعم الإِيمان
…
"الحديث"، وقال:"ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإِيمان".
والذَّوق عند العارفين: منزل من منازل السّاليكن أَثبتُ وأَرسخ من منزلة الوَجْد عندهم. وسيأتى الكلام فيه فى فنِّ علم التصوّف إِن شاءَ الله.