الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى السر وما يشتق منه
السِرّ: ما يُكتم فى النَّفْس من الحديث. وسارّه: أَوصاه بأَن يُسِرَّه. وتسارّ القومُ. وقوله تعالى: {وَأَسَرُّواْ الندامة} أَى كتموها. وقيل: معناه: أَظهروها، بدليل قوله تعالى:{ياليتنا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ} ، وليس كذلك؛ فإِنَّ النَّدامة التى/ كتموها ليست بإِشارة إِلى ما أَظهروه.
وأَسَرّ إِلى فلان حديثا: أَفضى به إِليه فى خفية، قال تعالى:{وَإِذَ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً} .
وقوله تعالى: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} أَى تُطلعون على ما تُسِرّون من مودّتهم. وقد فُسّر بأَن معناه: تظهرون، وهذا صحيح؛ فإِنَّ الإِسرار إِلى الغير يقتضى إِظهار ذلك لمن يُفضَى إِليه بالسرّ، وإِن كان يقتضى إِخفاءَه من غيره. فإِذًا قولُك: أَسَرّ إِلى فلان يقتضى من وجه الإِظهار، ومن وجه الإِخفاء.
وقوله تعالى: {وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} أَى خَمّنوا فى أَنفسهم أَن يحصِّلوا من بيعه بضاعة. وقوله: {وَأَسَرُّواْ الندامة} أَى أَخْفَوها. وقال
أَبو عُبَيْدَة أَى أَظهروها. وأَنكر عليه الأَزهرىّ، وقال: إِنَّمَا يقال أَشرّوا بالمعجمة إِذا أَظهروا، وأَسرّوا ضِدّ أَشرّوا. وقال قطربٌ: أَسَرّها كبراؤهم من أَتباعهم. قال ابن عرفة: لم يقل قطرب شيئا، وإِنَّما أَخبر الله عنهم أَنَّهم أَظهروا النَّدامة حتى قالوا:{ياليتنا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ} الآية، وحتى قالوا:{فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ} فقد بيّن الله إِظهارهم.
وكُنى عن النكاح بالسِّرِّ من حيث إِنَّه يخفى. واستعير للخالص فقيل: هو فى سرّ قومه، ومنه سِرّ الوادى وسَرَارُهُ. وسُرَّةُ البطن: ما يبقى، وذلك لاستتاره بعُكن البطن. والسُّرّ والسَّرَرُ يقال لما يُقطع منه. وأَسِرّة الرَّاحة وأَسارير الجبهة لغُضُونهما. واستسرّه: بالغ فى إِخفائه، قال:
إِنَّ العُروق إِذا استسرّ بها الندى
…
أَشِر النباتُ بها وطاب المزرع
وفى الحديث: "من أَصلح سريرته أَصلح علانيته". ومن دعائه: يا عالم السّر، ويا دائم البِرّ، ويا كاشف الضرّ، أَصلح سِرّنا، وأَدم برّنا، واكشف ضرَّنا. يا مولانا. وقوله:{يَوْمَ تبلى السرآئر} فَسّروه بالصّوم والصّلاة والزكاة والغُسْل من الجنابة. قال الشاعر:
ولو قدَرتُ على نسيان ما اشتملَتْ
…
منّى الضلوعُ من الأَسرار والخَبر
لكنت أَوّلَ من أُنْسِى سرائرَه
…
إِذ كنت من نشرها يوماً على خطر
وقال:
ولا تُفْشِ سرّك إِلَاّ إِليكَ
…
فإِن لكلّ نصيحٍ نصيحَا
فإِنِّى رأَيت بُغاة الرجال
…
لا يتركون أَديماً صحيحَا
ولهذا قيل: صدور الأَحرار، قبور الأَسرار.
وقد ورد السرّ فى القرآن على أَوجه:
الأَوّل: بمعنى النكاح: {لَاّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} ، أَى نكاحاً.
الثَّانى: بمعنى ضِدّ العلانيّة: {يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} ومعناه أَنَّ السّر ما تُكلّم به فى خفاء، وأَخفى منه ما أُضمر:{يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} . وله نظائر.
والسّرور مأخوذ من السِّرِّ؛ لأَنَّ المراد: ما ينكتم من الفرح.
وقد ورد فى القرآن على أَوجه:
الأَوّل: {صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ الناظرين} .
الثَّانى: سرور أَهل الدنيا بدنياهم: {إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً} .
الثالث: سرور المطيعين بنعيم الْعُقْبى: {وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} . وفيه تنبيه على أَنَّ سرور الآخرة يُضادّ سرور الدّنيا.
الرابع: سرور النجاة من المِحْنَة والبلوَى: {قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضرآء والسرآء} .
والسرير: الَّذى يُجلس عليه، مأَخوذ من السّرور؛ إِذ كان ذلك لأُولى النَعْمة، وجمعه: أَسِرَّة وسُرُر. إِلَاّ أَنَّ بعضهم يستثقل اجتماع الضَّمّتين مع التضعيف، فيردّ/ الأُولى منهما إِلى الفتح لخفَّته فيقول: سُرَر، وكذلك ما أَشبهه من الجمع؛ مثل ذليل وذُلَل. وفى الحديث:"إِن سُرُر أَهل الجنة مرفوعة فى الهواءِ إِلى مسيرة خمسمائة عام، فإِذا أَراد المؤمن الجلوس على السّرير أَشار إِليه بيديه، فينزل من الهواءِ ليجلس إِليه ثم يرجع إِلى مكانه". فهذا معنى قوله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} .
قال:
أَتذكر إِذ لباسُك جلدُ شاةٍ
…
وإِذا نعلاكَ من جلد البعيرِ
فسبحان الذى أَعطاك مُلكاً
…
وعَلَّمك الجلوسَ على السّرير
وقد ورد السّرير فى القرآن على وجوه:
الأَوّل: التُّخْوت المصطفّة: {مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} .
الثَّانى: تخوت عليها ثياب منسوجة بالذهب: {على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} .
الثالث: تُخوت معلَاّة في الهواءِ: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} .
الرابع: أماكن الأَولياءِ العالية: {إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} .
الخامس: قوله تعالى: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمان} إِلى قوله: {وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} .