الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى ضل
الضَّلال، والضَلّ - بالفتح - والضُلّ - بالضمّ - والضَّلالة، والضَلْضلة والأُضلولة: ضدّ الهُدَى. وقد ضلَلتَ - بالفتح - تضِلّ. وضَلِلْتَ - بالكسر - تَضَلّ. وهو ضالٌّ وضَلُول. وأَضلَّه غيره وضلَّلَه.
وضلَلتُ بعيرى: إِذا كان معقولاً فلم تهتد لِمكانه، وأَضللته: إِذا كان مطلقًا فمرّ ولم تدرِ أَين أَخَذَ. وأَضللت خاتمى. وضلّ فى الدِّين. وهو ضالٌّ، وضلّيل، وصاحب ضلال وضلالة، ومُضَلَّل. ووقع فى أَضاليل وأَباطيل.
وفلان لِضِلَّة: لِغيّة. وذهب دمه ضِلَّة: هَدَرًا.
وضلّ عنِّى كذا: ضاع. وضَلَلْتُه: أُنسِيته. وأَضلَّنى أَمر كذا: لم أَقدر عليه. وأَنشد ابن الأَعرابىّ:
إِنِّى إِذا خُلَّة تضيَّفنى
…
يريد مالى أَضلَّنى عِلَلِى
وضلّ الماءُ فى اللبن، واللبنُ فى الماءِ: غاب. وأُضِلّ الميّتُ: دُفِنَ.
وفلان ضُلّ بن ضُلّ، وقُلّ بن قُلّ: لا يُعْرف هو وأَبوه. قال:
فإِنّ إِيادكم ضُلُّ ابن ضُلّ
…
وإِنَّا من إِيادكم بَرَاءُ
ويقال الضلال لكل عدول عن المنهج، عمدًا كان أَو سهوًا، يسيرًا كان أَو كثيرًا، فإِنَّ الطريق المستقيم الذى هو المرتضَى صعب جدًّا، ولهذا
قال صلى الله عليه وسلم: "استقيموا ولن تُحْصوا". وقيل: لن تحصوا ثوابه. وقال بعض الحكماء. كونُنا مصيبين من وجه، وكوننا ضالِّين من وجوه كثيرة، فإِنَّ الاستقامة والصّواب يجرى مجرى المقرطَس من المرمىّ، وما عداه من الجوانب كلّها ضلال.
وإِذا كان الضلال تَرْكُ الطريق المستقيم، عمدًا كان أَو سهوًا، قليلاً كان أَو كثيرًا، صحّ أَن يستعمل لفظ الضَّلال فيمن يكون منه خطأ مّا. ولذلك نُسب الضلال إِلى الأَنبياءِ وإِلى الكفار، وإِنْ كان بين الضلالَيْنِ بَوْن بعيد، قال تعالى:{وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى} ، أَى غير مهتد لما سيق إِليك من النبوّة. و {قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين} ، وقال:{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} تنبيهًا أَنَّ ذلك منهم سهو. وقوله تعالى: {أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} ، أَى تَنْسَى، وذلك من النِّسيان الموضوع عن الإِنسان.
والضَّلال من وجه آخر ينقسم قسمين: ضلال فى العلوم النظريّة؛ كالضلال فى معرفة الوحدانيّة ومعرفة النبوّة ونحوهما المشار إِليهما بقوله:
{وَمَن يَكْفُرْ بالله وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الآخر فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً} . / وضلال فى العلوم العمليّة، كمعرفة الأَحكام الشرعيّة.
والضَّلال البعيد إِشارة إِلى ما هو كفر. وقوله تعالى: {بَلِ الذين لَا يُؤْمِنُونَ بالآخرة فِي العذاب والضلال البعيد} أَى فى عقوبة الضلال البعيد.
وقوله: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض} كناية عن الموت واستحالة البدن. وقوله: {وَلَا الضآلين} ، قيل: أَراد به النَّصارى.
وقوله: {لَاّ يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} أَى لا يَغْفل عنه.
وقولُه: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ} ، أَى فى باطل وإِضلال لأَنفسهم.
والإِضلال ضربان: أَحدهما أَن يكون سببه الضلال، وذلك على وجهين: إِمّا أَن يضِلّ عنك الشىء، كقولك: أَضللتُ البعير، أَى ضلّ عنى؛ وإِمّا أَن يحكم بضلاله. فالضلال فى هذين سبب للإِضلال.
الضَّرب الثانى: أَن يكون الإِضلال سببًا للضلال. وهو أَن يزيّن للإِنسان الباطل ليَضِلّ، كقوله تعالى: {لَهَمَّتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ
إِلَاّ أَنْفُسَهُمْ} أَى يَتَحَرَّون أَفعالا يقصدون بها أَن تَضِلّ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إِلَاّ ما فيه ضلال أَنفسهم.
وإِضلال الله تعالى للإِنسان على وجهين:
أَحدهما: أَن يكون سببه الضلال. وهو أَن يَضِلّ الإِنسانُ فيحكم الله عليه بذلك فى الدنيا، ويعدل به عن طريق الجنَّة إِلى النار فى الآخرة. وذلك الإِضلال هو حقّ وعَدْل؛ فإِنَّ الحكم على الضَّال بضلاله، والعدولَ به عن طريق الجنَّة إِلى النار حقّ وعدل.
والثانى: من إِضلال الله: هو أَنَّ الله تعالى وضع جِبِلَّة الإِنسان على هيئةٍ إِذا راعى طريقًا محمودًا كان أَو مذمومًا أَلِفه واستطابهُ، وتعسّر عليه صرفُه وانصرافه عنه. ويصير ذلك كالطبْع الذى يأبى على النَّاقل؛ ولذلك قيل: العادة طبع ثان. وهذه القوّة فينا فعلٌ إِلهىّ.
وإِذا كان كذلك، وقد ذكر فى غير هذا الموضع أَن كل شىء يكون سببًا فى وقوع فعل يصحّ نسبة ذلك الفعل إِليه، فصحَّ أَن ينسب ضلال العبد إِلى الله من هذا الوجه، فيقال: أَضلَّه الله، لا على الوجه الذى يتصوّره الجَهَلة. ولِمَا قلنا جعَل الإِضلال المنسوب إِلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إِضلال المؤمن فقال: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ
قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ} ، {والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} .
وقال فى الكافرين: {والذين كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} ، {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَاّ الفاسقين} . وعلى هذا النحو تقليب الأَفئدة والأَبصار فى قوله:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} ، والخَتْم على القلب فى قوله:{خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ} ، وزيادة المرض فى قوله:{فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً} .