الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى السحر
قيل: هو مأخوذ من السِّحْر وهو طَرَف الحلقوم والرئة. قالت عائشة رضى الله عنها: "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سَحْرى ونَحْرى" أَى مستنِدًا إِلى صدرى وما يحاذِى سَحْرى. وقيل: السَحْرُ، ما لصِق بالحُلقوم من أَعلى البطن. والسُّحَارة: ما يُنزع من السَّحْر عند الذَّبح فيُرْمَى به. وجُعل بناؤه بناءَ النُّفاية والسُّقاطة.
ويقال: انتفخ سَحْره، وانتفخت مساحِره: إِذا ملّ وجَبُنَ. وانقطع منه سَحْرى، أَى يئست منه. وأَنا منه غير صَريم سَحْر: غير قانط. وبلغ سَحَر الأَرض وأَسحارها: أَطرافها وأَواخرها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ من البيان لسحْرًا" قيل: معناه: من البيان ما يُكْتَسَبُ به من الإِثم ما يكتسِبه السّاحر بسحره، فيكون فى مَعْرِض الذمّ. ويجوز أَن يكون فى معرض المدح؛ لأَنَّه يُستمال به القلوبُ ويُرَضَّى به الساخطُ، ويُستنزَل به الصّعب. والسِّحْر فى كلامهم: صرف الشىء عن وجهه.
والسِّحْر يقال على معان:
الأَوّل: الخداع، وتخييلاتٌ لا حقيقة لها؛ نحو ما يفعله المُشَعْوِذ من صرف الأَبصار عمَّا يفعله بخفّة [يد]، وما يفعله النمّام بقولٍ مزخرف عائق للاستماع. وعلى ذلك قوله تعالى:{سحروا أَعْيُنَ الناس واسترهبوهم} وقوله: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} ، وبهذا النَّظر سمَّوا موسى صلوات الله عليه ساحرًا، فقالوا:{ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ}
الثَّانى: استجلاب معاونة الشيطان بضرب من / التَّقرّب إِليه، كقوله تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} وعلى ذلك قوله تعالى: {ولاكن الشياطين كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ الناس السحر} قال الشاعر:
فَوَالله ما أَدْرى وإِنِّى لصادقٌ
…
أَداءٌُ عرانى من جَنابكِ أَم سِحرُ
فإِن كان سِحرًا فاعذرينى علىَ الهوى
…
وإِن كان داءً غيره فَلَكِ العذر
الثالث: ما يذهب إِليه الأَغتام، وهو اسم لفعل يزعمون أَنَّه من قوَّته يغيّر الصّور والطبائع، فيجعل الإِنسان حمارًا. ولا حقيقة لذلك عند المحصّلين.
وقد تُصوِّر من السِّحر تارة حُسنهُ، فقيل: إِنَّ من البيان لسحرًا، وتارة دِقَّة فعلِه، حتى قالت الأَطبّاءُ: الطبيعة ساحرة. وسمّوا الغِذاءَ سِحْرًا من حيث إِنَّه يدقّ ويلطُف تأثيره. قال تعالى: {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} أَى مصروفون عن معرفتنا بالسّحر، وعلى ذلك قوله:{إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين} قيل ممّن جعل له سَحْر، تنبيهاً أَنَّه يحتاج إِلى الغِذاءِ؛ كقوله:{مَالِ هاذا الرسول يَأْكُلُ الطعام} ، ونبّه أَنَّه كان بَشَرًا، وقيل: معناه: ممّن جُعل له سِحْر يَتوصَّل بلطفه ودقّته إِلى ما يأْتى به ويدّعيه. وعلى الوجهين حُمل قوله: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} .
ولقيته سَحَرًا، وسُحْرةً، وبالسّحَر، وفى أَعلى السَّحَرين، وهما سَحَرَان: سَحَر مع الصّبح، وسحر قبله، كما يقال: الفجران: الكاذب والصّادق. وأَسْحَرْنا مثل أَصبحنا. اسْتَحَرُوا: خرجوا سَحَرًا. وتسحّر: أَكل السَحُور، وسحَّرنى فلان. وإِنما سمّى السَّحَر استعارة لأَنَّه وقت إِدبار الليل وإِقبال النَّهار. فهو متنفَّس الصّبح.
ويقال إِنَّ السِّحْر فى القرآن على سبعة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى العِلم، والسّاحر بمعنى العالم الحاذق:{ياأيه الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ} أَى يأَيها العالم.
الثانى: بمعنى الزُّور والكذب: {وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} أَى كذب وزُور، {وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} ، أَى كذب قوىّ تامّ.
الثالث: بمعنى ربط العيون: {سحروا أَعْيُنَ الناس} .
الرَّابع: بمعنى الجنون، والمسحور المجنون:{إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} ، {إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً} ، أَى مجنوناً.
الخامس: بمعنى الصّرف عن الحقّ: {قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ} ، أَى تصرفون.
السّادس: بمعنى الإِحواج إِلى الطعام والشراب: {إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين} .
والسَّابع: بمعنى آخِر اللَّيل ومقدّمة الصّبح: {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} {والمستغفرين بالأسحار} ، {وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} .