المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب العاشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الذال

- ‌بصيرة فى الذال

- ‌بصيرة فى الذب

- ‌بصيرة فى الذبح والذخر والذر

- ‌بصيرة فى الذرع والذرء والذرية

- ‌بصيرة فى الذكر

- ‌بصيرة فى الذكو والذل والذم

- ‌بصيرة فى الذنب

- ‌بصيرة فى الذهب

- ‌بصيرة فى الذوق

- ‌بصيرة فى ذو وذا

- ‌بصيرة فى الذود والذئب

- ‌الباب الحادى عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الراء

- ‌بصيرة فى الرب

- ‌بصيرة فى الريح والربص والربط

- ‌بصيرة فى ربع وربو

- ‌بصيرة فى الرتع والرتق والرتل

- ‌بصيرة فى الرج والرجز والرجس

- ‌بصيرة فى الرجع

- ‌بصيرة فى الرجف والرجل

- ‌بصيرة فى الرجم (والرجا)

- ‌بصيرة فى الرجاء

- ‌بصيرة فى الرحب والرحق والرحل

- ‌بصيرة فى الرحمة والرحمان والرحيم

- ‌بصيرة فى الرخاء والرد

- ‌بصيرة فى الردف

- ‌بصيرة فى الردم والردء والرذالة والرزق

- ‌بصيرة فى الرسخ والرس والرسل

- ‌بصيرة فى الرسو والرشد والرص

- ‌بصيرة فى الرصد والرضاع

- ‌بصيرة فى الرضا

- ‌بصيرة فى الرطب والرعب والرعد

- ‌بصيرة فى الرعن والرغبة والرغد والرغم

- ‌بصيرة فى الرف والرفت والرفث والرفد والرفع والرق

- ‌بصيرة فى الرقبة والرقد والرقم والرقى والركب

- ‌بصيرة فى الركد والركز والركس والركض والركع والركم والركن والرم

- ‌بصيرة فى الرمح والرق والرمز والمرض والرمى والهرب والرهط

- ‌بصيرة فى الرهق والرهن والرهو

- ‌بصيرة فى الروح

- ‌بصيرة فى الرود والروض والروع والروغ

- ‌بصيرة فى الروم والروى والريب والريش والريع والرين

- ‌بصيرة فى الرؤية

- ‌الباب الثانى عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الزاى

- ‌بصيرة فى الزاى

- ‌بصيرة فى الزبد والزبر والزج

- ‌بصيرة فى الزجر والزجى والزخرف والزرب والزرع

- ‌بصيرة فى الزرق والزرى والزعق والزعم والزف والزفر والزقم

- ‌بصيرة فى الزكاة

- ‌بصيرة فى الزلل والزلفة والزلق والزمر والزمل والزنم والزنى والزهد

- ‌بصيرة فى الزهق والزيت والزوج

- ‌بصيرة فى الزور والزول

- ‌بصيرة فى الزيادة

- ‌بصيرة فى الزيغ

- ‌بصيرة فى الزين

- ‌الباب الثالث عشر - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف السين

- ‌بصيرة فى السؤال

- ‌بصيرة فى السبب

- ‌بصيرة فى السبت

- ‌بصيرة فى السبخ والسبط

- ‌بصيرة فى السبح والسبع والسبغ

- ‌بصيرة فى السبق

- ‌بصيرة فى السبيل

- ‌بصيرة فى السجود

- ‌بصيرة فى السجر

- ‌بصيرة فى السجل

- ‌بصيرة فى السجن

- ‌بصيرة فى السجو والسحب والسحت

- ‌بصيرة فى السحر

- ‌بصيرة فى السحق والسحل

- ‌بصيرة فى سخر وسد وسدر

- ‌بصيرة فى السر وما يشتق منه

- ‌بصيرة فى السرب وسربل وسراج

- ‌بصيرة فى السرح والسرد والسراط

- ‌بصيرة فى السرعة

- ‌بصيرة فى السرف

- ‌بصيرة فى السرقة

- ‌بصيرة فى السرى والسطح

- ‌بصيرة فى السطر والسطو

- ‌بصيرة فى السعد

- ‌بصيرة فى السعر ولسعى

- ‌بصيرة فى السغب والسفر والسفع

- ‌بصيرة فى السفك والسفل والسفن

- ‌بصيرة فى السفه والسفر والسقط

- ‌بصيرة فى السقف والسقم والسقى

- ‌بصيرة فى السكب والسكت والسكر

- ‌بصيرة فى السمر

- ‌بصيرة فى السكون

- ‌بصيرة فى السلب

- ‌بصيرة فى السلاح وسلخ

- ‌بصيرة فى سلط

- ‌بصيرة فى السلف

- ‌بصيرة فى سلق وسلك

- ‌بصيرة فى السل

- ‌بصيرة فى سلم

- ‌بصيرة فى السلوى والسم والسمر

- ‌بصيرة فى السمع

- ‌بصيرة فى سمك وسمن

- ‌بصيرة فى السماء

- ‌بصيرة فى السنن

- ‌بصيرة فى سنم وسنا وسنه وسهر وسهل وسهم وسهو

- ‌بصيرة فى سيب وسيح وسير وسود وسور

- ‌بصيرة فى سوط وسوع

- ‌بصيرة فى ساغ وسوف وسوق

- ‌بصيرة فى سول وسيل وسوم

- ‌بصيرة فى سام وسين وسوى

- ‌بصيرة فى السوء

- ‌الباب الرابع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الشين

- ‌بصيرة فى الشين

- ‌بصيرة فى شبه

- ‌بصيرة فى الشت والشتاء والشجر

- ‌بصيرة فى الشح والشحم والشحن والشخص

- ‌بصيرة فى الشد والشر

- ‌بصيرة فى الشرب

- ‌بصيرة فى الشرح والشرد والشرط

- ‌بصيرة فى الشرع والشرف

- ‌بصيرة فى الشرق

- ‌بصيرة فى شرك

- ‌بصيرة فى الشرى

- ‌بصيرة فى شط وشطر وشطن وشبط

- ‌بصيرة فى شطا وشعب

- ‌بصيرة فى الشعر

- ‌بصيرة فى شعف وشعل وشغف

- ‌بصيرة فى شفل وشفع

- ‌بصيرة فى الشفا والشفق والشق

- ‌بصيرة فى شقو وشك

- ‌بصيرة فى الشكر

- ‌بصيرة فى شكل

- ‌بصيرة فى شكو

- ‌بصيرة فى شمت وشمخ وشمز وشمس

- ‌بصيرة فى شمل

- ‌بصيرة فى شنا وشهب

- ‌بصيرة فى شهد

- ‌بصيرة فى شهر وشهق وشهو

- ‌بصيرة فى شوب وشيب وشيخ وشيد وشور

- ‌بصيرة فى شوظ شوك وشوى وشيع

- ‌بصيرة فى الشيء

- ‌الباب الخامس عشر - فى بصائر الكلمات المفتتحة بحرف الصاد

- ‌بصيرة فى الصاد

- ‌بصيرة فى صب وصبح

- ‌بصيرة فى صبر

- ‌بصيرة فى صبع وصبى

- ‌بصيرة فى صحب

- ‌بصيرة فى صحف وصخ

- ‌بصيرة فى صد

- ‌بصيرة فى صدر

- ‌بصيرة فى صدع

- ‌بصيرة فى صدف وصدق

- ‌بصيرة فى صدى وصرح وصر وصرف

- ‌بصيرة فى صرم وصرط وصرع

- ‌بصيرة فى صعد

- ‌بصيرة فى صعر وصعق وصغر وصفو

- ‌بصيرة فى صف

- ‌بصيرة فى صفح

- ‌بصيرة فى صفد

- ‌بصيرة فى صفر

- ‌بصيرة فى صفن وصفو

- ‌بصيرة فى صل وصلب

- ‌بصيرة فى صلح

- ‌بصيرة فى صلدا وصلا

- ‌بصيرة فى صم

- ‌بصيرة فى صمد

- ‌بصيرة فى صمع وصنع

- ‌بصيرة فى صنم وصنوا

- ‌بصيرة فى صوب

- ‌بصيرة فى صوت

- ‌بصيرة فى صور

- ‌بصيرة فى صهر وصوع

- ‌بصيرة فى صوف وصيف

- ‌بصيرة فى صوم والصيصية

- ‌الباب السادس عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الضاد

- ‌بصيرة فى الضاد

- ‌بصيرة فى ضبح وضحك

- ‌بصيرة فى ضحى

- ‌بصيرة فى ضد

- ‌بصيرة فى ضرب

- ‌بصيرة فى ضر

- ‌بصيرة فى ضرع

- ‌بصيرة فى ضعف

- ‌بصيرة فى ضغث وضغن

- ‌بصيرة فى ضل

- ‌بصيرة فى ضم وضمر وضمن وضنك وضوا وضهى

- ‌بصيرة فى ضير وضيز وضيع وضيف وضيق

- ‌الباب السابع عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الطاء

- ‌بصيرة فى الطاء

- ‌بصيرة فى طبع

- ‌بصيرة فى طبق

- ‌بصيرة فى طمو وطرح وطرد وطرف

- ‌بصيرة فى طرف

- ‌بصيرة فى طرق

- ‌بصيرة فى طرى وطعم

- ‌بصيرة فى طعن وطغى وطف وطفق

- ‌بصيرة فى طفل وطل

- ‌بصيرة فى طفا وطلب وطلف وطلح وطلع

- ‌بصيرة فى طلق وطم وطمث وطمس

- ‌بصيرة فى طمع وطمن

- ‌بصيرة فى طود وطور

- ‌بصيرة فى طوع

- ‌بصيرة فى طوف وطوق

- ‌بصيرة فى طول وطوى

- ‌بصيرة فى طهر

- ‌بصيرة فى طيب

- ‌بصيرة فى طير وطين

- ‌الباب الثامن عشر - فى الكلمات المفتتحة بحرف الظاء

- ‌بصيرة فى الظاء

- ‌بصيرة فى ظعن وظفر

- ‌بصيرة فى ظل

- ‌بصيرة فى ظلم (وظما)

- ‌بصيرة فى ظن

- ‌بصيرة فى ظهر

الفصل: ‌بصيرة فى صبر

‌بصيرة فى صبر

الصَّبر فى اللغة: الحَبْس والكفّ فى ضيق، ومنه قيل: فلانٌ صُبِرَ: إِذا أُمسك وحُبِس للقتل. قال تعالى: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي} ، أَى احبس نفسك معهم.

فالصَّبر: حبس النَّفس عن الجزع والسّخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش. قال الإِمام أَحمد رحمه الله: ذَكر الله تعالى الصّبرَ فى القرآن فى نحوٍ من تسعين موضعًا، وهو واجب بإِجماع الأُمّة. وهو نصف الإِيمان؛ فإِنَّ الإِيمان نصفان: نصفٌ صبر، ونصف شُكر.

وهو فى القرآن على ستَّة عشر نوعا:

الأَوّل: الأَمر به نحو قوله تعالى: {يَآأَيُّهَا الذين آمَنُواْ استعينوا بالصبر والصلاة} ، وقوله تعالى:{اصبروا وَصَابِرُواْ} ، وقوله تعالى:{واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين} ، {واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلَاّ بالله} .

ص: 371

الثاني: النَّهى عن ضدّه كقوله: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} ، وقولهِ:{فَلَا تُوَلُّوهُمُ الأدبار} ، فإِن تَوْلية الأَدبار ترك الصّبر والمصابرة.

الثالث: الثَّناء على أَهله كقوله: {الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} ، وقوله:{والصابرين فِي البأسآء والضراء وَحِينَ البأس أولائك الذين صَدَقُواْ وأولائك هُمُ المتقون} . وهو كثير النَّظائر فى التنزيل.

الرّابع: إِيجاب معيّتة لهم المعيّةَ التى تتضَمّن حفظهم ونصرهم وتأْييدهم، ليست معيَّة عامّة، أَعنى مَعيَّة العِلْم والإِحاطة، كقوله:{واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين} .

الخامس: إِيجاب محبّته لهم، كقوله:{والله يُحِبُّ الصابرين} وقوله: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} .

السّادس: إِخباره بأَنَّ الصبر خير لهم، كقوله:{وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} ، وقوله:{وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} .

ص: 372

السّابع: إِيجابه الجزاء لهم بأَحسن ما كانوا يعملون.

الثامن: إِيجابه الجزاء لهم بغير حساب، كقوله:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .

التاسع: إِطلاق البُشرَى لأَهل الصّبر، كقوله:{وَبَشِّرِ الصابرين} .

ص: 373

والصّبر على ثلاثة أَنواع: صَبْرٌ على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله.

فالأَولان: الصّبر على ما يتعلق بالكسب. والثالث: الصّبر على مالا كسب للعبد فيه.

وقال بعض المشايخ: كان صبر يوسف عن طاعة امرأَة العزيز أَكمل من صبره على إِلقاءِ إِخْوته إِيّاه فى الجُبّ، وبيعهم [إِيّاه] ، وتفريقهم بينه وبين أَبيه، فإِنَّ هذه أُمور جرَت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصّبر. وأَمّا صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا،

ص: 375

ومحاربةٌ للنَّفس، ولا سيّما مع أَسبابٍ تقوّى معها داعية الموافقة؛ فإِنّه كان شابًّا، وداعية الشابّ إِليها قوَّته؛ وكان عَزَبًا ليس له ما يعوّضه ويَرُدّ شهوته؛ وغريبًا، والغريب لا يستحى فى بلدِ غُربته ممّا يستحى منه بين أَصحابه وأَهلِه؛ ويحسبونه مملوكًا، والمملوك ليس وازعهُ كوازع الحرّ؛ والمرأَة جميلة وذات مَنْصِب، وقد غاب الرّقيب، وهى الدّاعية له إِلى نفسها، والحريصة على ذلك أَشدّ الحرص، ومع ذلك توعّدته بالسجن إِن لم يفعل. فمع هذه الدّواعى كلّها صبر اختيارًا، وإِيثارًا لما عند الله. وأَين هذا من صبره فى الجُبّ على ما ليس من كسبه؟!

والصّبر على أَداءِ الطَّاعات أَكمل من الصّبر على اجْتِنَاب المحرّمات؛ فإِنَّ مصلحة فعل الطَّاعة أَحَبُّ إِلى الشَّارع من مصلحة ترك المعصية، ومفسدة عدم الطاعة أَبغض وأَكره من مفسدة وجود المعصية.

ثمّ الصّبر ينقسم بنوع آخر من القسمة على ثلاثة أَنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله.

فالأَوّل: الاستعانة به، ورؤية أَنَّه هو المصبِّر، وأَنَّ صبر العبد بربّه لا بنفسه، كما قال تعالى:{واصبر وَمَا صَبْرُكَ إِلَاّ بالله} ، يعنى إِنْ لم يُصَبِّرك هو لم تصبر.

ص: 376

والثَّانى: أَن يكون الباعث على الصّبر محبّة الله وإِرادة وجهه، والتقرّب إِليه، لا إِظهار قوّة النفْس، والاستحماد إِلى الخلق، وغير ذلك من الأَغراض.

والثالث: دوران العبد الذى (مُنى مع) الأَحكام الدينيّة صابرًا نفسه معها، سائرًا بسَيرها، مقيمًا بإِقامتها، يتوجّه معها أَينما توجّهت ركائبها، وينزل حيث استقلَّت مضاربُها. فهذا معنى كونه صابرًا مع الله، قد جعل نفسه وَقْفا على أَوامره ومحابّه. وهو أَشدّ أَنواع الصّبر وأَصعبها. وهو صب الصدّيقين.

قال ذو النُّون: الصبر: التباعد من المخالفات، والسّكون عند تجرّع غُصص البليّات، وإِظهار الغنى مع طول الفقر بساحات المعيشة. وقيل: الصبر: الوقوف مع البلاءِ بحسن الأَدب. وقيل: هو الفناءُ فى البلوَى، بلا ظهور شكوَى. وقيل: إِلزام النَّفْس الهجومَ على المكاره. وقيل: المُقام مع البلاءِ بحسن الصّحبة كالمقام مع العافية.

وقال عمرو بن عثمان: هو الثبات مع الله، وتلقِّى بلائه بالرُّحْب والسّعة. وقال الخوّاص: هو الثبات على أَحكام الكتاب والسنة.

ص: 377

وقال يحيى بن مُعَاذ: صبر المحبّين أَشدّ من صبر الزاهدين. واعجبا كيف يصبرون! وأَنشد.

والصّبر يُحْمَدُ فى المواطن كلِّها

إِلَاّ عليك فإِنَّه مذمومُ

وقيل: الصّبر هو الاستعانة بالله. وقيل: هو ترك الشكوَى. وقيل:

الصّبر مثلُ اسمه مُرٌّ مَذاقته

لكنْ عواقبه أَحلَى من العسلِ

وقيل: الصّبر أَن ترضى بتلَف نفسك فى رضا مَن تحبّه، كما قيل:

سأَصبر كى ترضَى وأَتْلَفُ حسرةً

وحَسْبِىَ أَن ترضى ويقتلنى صبرى

وقيل: مراتب الصّبر خمسة: صابر، ومصطبر، ومتصبّر، وصَبُور، وصبّار.

فالصّابر أَعمّها. والمصطبر: المكتسِب للصبر، والمبتلَى به. والمتصبرّ: متكلِّف الصّبر حاملُ نفسِه عليه. والصّبور: العظيم الصّبر الَّذى صَبْره أَشدّ من صبر غيره. والصّبَار: الشديد الصّبر، فهذا فى القَدْر والكمّ، والَّذى قبله فى الوصف والكيف.

وقال علىّ بن أَبى طالب: الصّبر مطيَّة لا تَكْبُو.

وقف رجل على الشِّبْلِىّ فقال: أَىّ الصّبر أَشدّ على الصّابرين؟ فقال: الصّبر فى الله. فقال السّائل: لا. قال: مع الله. قال: لا. قال: فأَيش؟

ص: 378

قال: الصّبر عن الله. فصرخ الشِّبلىّ صَرخةً كادت نفسه تتلف.

وقال الجَريرىّ: الصّبر أَلَاّ تفرق بين حال النعمة وحال المحنة، مع سكون الخاطر فيهما. والتصبّر: السّكون مع البلاءِ، مع وِجدان أَثقال المحْنَة.

وقال أَبو على الدّقَّاق: فاز الصّابرون بعز الدّاريَين؛ لأَنهم نالوا مع الله معيَّته؛ فإِنَّ اللهَ مَعَ الصّابرين.

وقيل فى قوله: {اصبروا وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} ، انتقال من الأَدنى إِلى الأَعلى. فالصبر دون المصابرة، والمصابرة دون المرابطة: مفاعلة من الرّبط وهو الشدّ. وسمّى المرابِط مرابطًا لأَنَّ المرابِطين يربِطون خيولهم ينتظرون الفَزَع. ثمّ قيل لكلّ منتظر، قد ربط نفسه لطاعة ينتظرها: مرابِط. وقيل فى تفسيره: اصبروا بنفوسكم، وصابروا بقلوبكم على البَلْوَى فى الله، ورابطوا بأَسراركم على الشوق إِلى الله. وقيل: اصبروا فى الله، وصابروا بالله، ورابطوا مع الله لعلكم تفلحون فى دار البقاءِ. فالصبر مع نفسك، والمصابرة بينك وبين عدوّك، والمرابطة: الثبات وإِعداد العدّة؛ كما أَن الرّباط ملازمة الثغر لئلاً يهجُمه العدوّ. فكذلك المرابَطة أَيضًا: لزوم ثَغْر القلب؛ لئلَاّ يهجُم عليه الشيطان فيملكَه. أَو يُخربه أَو يشعِّثه.

ص: 379

وقيل: تَجَرَّعِ الصّبرَ، فإِنّْ قَتَلَك قتلك شهيدًا، وإِن أَحياك أَحياك عزيزًا حميدًا. وقيل: الصّبر لله عَناء، وبالله بقاء، وفى الله بلاء، ومع الله وفاء، وعن الله جفاء. والصّبر على الطَّلب عنوان الظَّفر، وفى المِحَن عنوان الفَرَج.

وفى كتاب الأَدب للبخارىّ: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإِيمان فقال: "الصّبر والسّماحة". وهذا من أَجمع الكلام، وأَعظمه برهانًا، وأَوعاه لمقامات الإِيمان من أَوّلها إِلى آخرها؛ فإِن النَّفس يراد منها شيئان: بذل ما أُمِرَت به وإِعطاؤه، فالحامل عليه السّماحة؛ وتركُ ما نُهيَتْ عنه والبعد عنه، فالحامل عليه الصّبر. وقد أضمر الله سبحانه فى كتابه بالصّبر الجميل الذى لا شكوى معه، والصّفح الجميل الَّذى لا عِتاب معه، والهجرِ الجميل الذى لا أَذى معه.

وقال ابن عُيَيْنَة فى قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ} : أَخذوا برأْس الأَمر فجعلهم رُءُوسًا.

واعلم أَنَّ الشكوى إِلى الله عز وجل لا تُنافى الصّبر؛ فإِنَّ يعقوب عليه السلام وَعَد بالصّبر الجميل، والنبىّ إِذا وَعَدَ لا يُخلف، ثمّ قال:{إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله} ، وكذلك أَيّوب عليه السلام أَخبر الله عنه أَنه وجده صابرًا مع قوله:{مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} ، وإِنَّمَا ينافى

ص: 380

الصبر شكوى الله لا الشكوى إِلى الله؛ كما رأَى بعضهم رجلاً يشكو إِلى آخر فاقةً وضرورة، فقال: يا هذا، تشكو من يَرْحَمُكَ إِلى مَنْ لا يرحمك! ثمّ أَنشده:

وإِذا اعْتَرَتْكَ بليّةٌ فاصبِر لها

صَبْرَ الكريمِ فإِنَّه بك أَرحمُ

وإِذا شكوتَ إِلى ابن آدم إِنّما

تشكو الرّحيم إِلى الَّذى لا يرحم

وقال الشيخ عبد الله الأَنصارىّ: الصّبر حبس النفْس على المكروه، وعقل اللِّسان عن الشكوى.

وهو على ثلاث درجات:

الأُولى: الصّبر عن المعصية بمطالعة الوعيد. وأَحسن منها الصّبر عن المعصية حياءً.

الثانية: الصّبر على الطاعة بالمحافظة عليها دوامًا، وبرعايتها إِخلَاصًا، وبتحسينها عِلمًا.

الثالثة: الصّبر فى البلاءِ بملاحظة حسن الجزاءِ، وانتظار رَوْح الفَرَج، وتهوِين البليّة بِعَدّ أَيادى المِنَن، وتذكُّر سوالف النِّعم.

ص: 381

وأَضعف الصّبر، الصَّبْرُ لله وهو صبر العامة. وفوقه الصبر بالله وهو صبر المريدين. وفوقه الصبر على الله وهو صبر السّالكين. ومعنى كلامه أَنّ صبر العامّة لله، أَى رجاءَ ثوابه وخوف عقابه، وصبر المريدين بالله، أَى بقوّة الله ومعونته، فهم لا يرون لأَنفسهم صبرًا ولا قوّة عليه، بل حالهم التَّحقُّق بلا حول ولا قوّة إِلَاّ بالله عِلمًا ومعرفة وحالاً. وفوقها الصّبر على الله، أَى على أَحكامه. هذا تقرير كلامه رحمه الله.

والصّواب أَنَّ الصّبر لله فوق الصّبر بالله، وأَعلى درجة، وأَجلّ شأْنًا؛ فإِنَّ الصّبر لله متعلق بالإِلَهية، والصّبر به متعلق بربوبيّته، وما تعلق بالإِلَهية أَكمل وأَعلى مما تعلق بربوبيّته، ولأَنَّ الصّبر له عبادة، والصّبر به استعانة، والاستعانة وسيلة، والعبادة غاية، والغاية مرادة لنفسها، والوسيلة مرادة لغيرها؛ ولأَنَّ الصّبر به مشترك، بين المؤمن والكافر، والبرّ والفاجر، فكلّ من شهد الحقيقة الكونيّة صَبَر به، وأَمّا الصّبر له فمنزلة الرُّسُل والأَنبياءِ والصّدِّيقين؛ ولأَن الصّبر له صبر فيما هو حقّ له، محبوب له، مرضىّ له، والصّبر [به] قد يكون فى ذلك، وقد يكون فيما هو مسخوط له، وقد يكون فى مكروه أَو مباح. فأَين هذا من هذا؟!

وأَمّا تسمية الصّبر على أحكامه صبرًا عليه فلا مشاحّة فى العبارة بعد معرفة المعنى. والله أَعلم.

وقد يعبّر عن الانتظار بالصبر لمّا كان حق الانتظار أَلَاّ ينفكّ عن

ص: 382

الصّبر، بل هو نوع من الصّبر؛ قال تعالى:{فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} أَى انتظر حكمه لك على الكافرين.

وقيل: الصّبر لفظ عامّ، وربّما خُولِفَ بين أَسمائه بسبب اختلاف مواقعه. فإِن كان حَبْسُ النَّفس لمصيبة سُمِّىَ صبرًا لا غَيْر، ويضادّه الجزع. وإِن كان فى محاربة سمّى شجاعة، ويضادّه الجُبْن. وإِن كان فى نائبة مُضجرة سمّى رُحْب الصّدر، ويضادّه الضَّجْر. وإِن كان فى إِمساك الكلام سُمِّىَ كتمانًا، ويضادّه المَذْل. وقد سمّى الله تعالى كلّ ذلك صبرًا لقوله:{والصابرين فِي البأسآء والضراء وَحِينَ البأس} ، {والصابرين على مَآ أَصَابَهُمْ} .

ص: 383