الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى طوع
[الطَّوْع: الانقياد، وضِدّ الكَره. قال تعالى: {ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} ] والطاعة مثله. لكن أَكثر ما يقال فى الائتمار فيما أُمر. وقوله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} ، أَى أَطيعوا، أَى لِيَكُنْ منكم طاعة معروفة بلا إِثم. وهو لى طائع، وطَيِّعٌ، وطاعٍ، وطاعٌ، والجمع: طُوَّعٌ. وهو يَطُوع لى وطاوعته على كذا، وأَطاع الله طاعة. وهو مُطيع، ومِطْواع، ومِطواعة، قال:
إِذا سُدْتَه سُدْت مِطواعةً
…
ومهما وكَلْتَ إِليه كفاه
وهو من ناسٍ مَطاويع. وهو متطوِّع بكذا: متبرّع متنفّل. وهو من المُطَّوِّعة، أَى من الذين يتطوَّعون بالجهاد. وقال تعالى فى صفة النبىّ صلى الله عليه وسلم:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} إِلى قوله: {مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} . والمتطوِّع [من] يتكلّف الطاعة. وكلّ متنفّل خير تبرّعا متطوّع.
قال تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} . وقرأَ الكوفيّون غير عاصم: (فَمَنْ يَطَّوَّعْ) . أَى يَتَطوَّع.
وقوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} أَى تابَعته، وقيل: سَهّلت له نفسُه وطاوعته. وقال مجاهد: أَى شجّعته وأَعانته، وأَجابته إِليه. وقال الأَخفش: هو مثل طوّقت له، ومعناه: رخَّصت وسهّلت.
والاستطاعة: والإِطاقة، وربما قالوا: استطاع يَسْطِيع، يحذفون التاءَ استثقالاً لها مع الطاءِ، ويكرهون إِدغام التاءِ فيها فتُحرَّكَ السّين وهى لا تحرّك أَبدا. وقرأَ حمزة غير خلَاّد {فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ} بالإِدغام، فجمع بين السّاكنين. وذكر الأَخفش أَن بعض العرب يقول: اسْتَاع يَسْتيع فيحذف الطاء استثقالا وهو يريد استطاع يستطيع، قال: وبعض يقولون: أَسْطاع يُسْطيع بقطع الهمزة وهو يريد أَطاع يُطيع، ويجعل السّين عِوضًا عن ذهاب حركة العين، أَى عين الفعل. ويقال: تطاوَعَ لهذا الأَمر: [تكلّف استطاعته حتى] يستطيعه. وهو [ضد] معنى قول عمرو بن معد يكرب رضى الله عنه:
إِذا لم تستطع أَمرًا فَدَعْهُ
…
وجاوِزْه إِلى ما تستطيع
وقوله تعالى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ} ، أَى هل يقدر. وقرأَ الكسائىّ:(هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) بالتَّاءِ ونصب الباءِ، أَى هل تستدعى إِجابته فى أَن يُنزل علينا مائدة من السّماءِ، أَو هل تستطيع سؤال ربّك، وهو استفعال من قولك: طاع لى يطوع.
وأَصل الاستطاعة الاستطواع. فلمَّا أُسقطت الواو جُعلت الهاءُ بدلاً منها. والمُطَّوِّعَة: الذين يتطوَّعون بالجهاد، قال تعالى:{الذين يَلْمِزُونَ المطوعين} ، أَى المتطوّعين فأَدغم.
والاستطاعة عند المحققين، اسم للمعانى التى بها يتمكّن الإِنسان ممّا يريده من إِحداث الفعل. وهى أَربعة أَشياء: بِنْية مخصوصة للفاعل، وتصوّر للفعل، ومادّة قابلة للتأثير/ وآلة: إِن كان الفعل آليًّا؛ كالكتابة، فإِنَّ الكاتب يحتاج إِلى هذه الأَربعة فى إِيجاده للكتابة، ولذلك يقال: فلان غير مستطيع للكتابة إِذا فَقَد واحدا من هذه الأَربعة فصاعدًا. ويضادّه العجز، وهو أَلاّ يجد أَحَدَ هذه الأَربعة فصاعدًا. ومتى وجدها فمستطيع مطلقًا، ومتى فقدها فعاجز مطلقًا. ومتى وجد بعضه دون بعض فمستطيع من وجه عاجز من وجه آخر، ولأَن يوصف بالعجز أَولى. والاستطاعة أَخصّ من القدرة.
وقوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} فإِنه يحتاج إِلى هذه الأَربعة. وقوله صلى الله عليه وسلم: "الاستطاعة الزَّاد والراحلة" فإِنه بيان لما يُحتاج إِليه من الآلة، وخصّه بالذِّكر دون الأُخر إِذ كان معلومًا من حيث العقل ومقتضى الشرع أَن التكليف من دون تلك الأُخر لا يصحّ.
قوله: {لَوِ استطعنا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} ، الإِشارة بالاستطاعة ههنا إِلى عدم الآلة من المال والظَّهْر. وقد يقال: فلان لا يستطيع كذا لما يصعب عليه فعله لعدم الرّياضة، وذلك يرجع إِلى افتقاد الآلة وعدم التصّور، وقد يصحّ معه التَّكليف ولا يصير به الإِنسان معذورًا. وعلى هذا الوجه قال:{إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} ، وقد حمل على هذا قوله:{وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النسآء} .
وقوله: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} قيل: إِنَّهم قالوا ذلك قبل أَن قويت معرفتهم بالله. وقيل: إِنَّهم لم يقصدوا قَصْد القدرة، وإِنما قصدوا أَنه: هل تقتضى الحكمة أَن يَفعل ذلك. وقيل: يستطيع ويُطِيع بمعنى واحد، ومعناه: هل يجيب، كقوله:{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} أَى يُجاب.