الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى ضعف
الضعْف والضُعْف: خلاف القوّةُ. وقد ضَعُف وضَعَف - الفتح عن يونس - فهو ضعيف. وقوم ضِعَاف وضُعَفَاءُ وضَعَفَة. وفرَّق بعضهم بين الضُّعْف والضَعْف فقال: [الضعف]- بالفتح - فى العقل والرأى، والضُّعف بضمّ - فى الجسد. ورجل ضَعُوف، أَى ضعيف. وكذلك امرأَة ضَعُوف.
وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} أَى من مَنِىٍّ. وقوله تعالى: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} ، أَى يستميله هواه.
وقال ابن عرفة: ذهب أَبو عبيدة إِلى أَن الضِّعْفين اثنان، وهذا قول لا أُحبّه؛ لأَنَّه قال الله تعالى:{يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ} ، وقال فى آية أُخرى:{نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} فأَعْلَمْ أَن لها من هذا حَظَّيْنِ.
وقوله تعالى: {إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات} ، أَى لو ركنت إِليهم فيما استدعَوْه منك لأَذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات؛ لأَنَّك نبىّ يضاعف لك العذاب على غيرك، وليس على رسول الله صلى الله عليه وسلم نقص فى هذا الخطاب ولا وعيد، ولكن ذكّره الله تعالى مِنَّته بالتثبيت بالنبوّة.
وقوله تعالى: {فأولائك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ} قال أَبو بكر: أَراد المضاعفة، فأَلزم الضِّعْف التَّوحيد؛ لأَنَّ المصادر ليس سبيلها التثنية والجمع. قال: والعرب تتكلم بالضِّعف مثنىَّ فيقولون: إِن أَعطيتنى درهمًا فلك ضِعفاه، يريدون مثليه. قال: وإِفراده لا بأس به، إِلَاّ أَن التثنية أَحسن.
وقال أَبو عبيدة: ضِعْف الشىء مثله، وضِعْفاه مثلاه. وقال فى قوله تعالى:{يُضَاعَفْ لَهَا العذاب} : يجعل العذاب ثلاثة أَعذِبة، قال: ومَجَاز يضاعف: يجعل إِلى الشىء شيئان حتى يصير ثلاثة.
وقال الأَزهرىّ: الضِّعف فى كلام العرب: المثْل إِلى ما زاد، وليس بمقصور على المِثلين. فيكونَ ما قال أَبو عبيدة صوابًا، بل جائز فى كلام العرب أَن تقول: هذا ضعفه أَى مِثلاه وثلاثة أَمثاله؛ لأَنَّ الضعف فى الأَصل [زيادة] غير محصورة، أَلا ترى إِلى قوله عز وجل:{فأولائك لَهُمْ جَزَآءُ الضعف بِمَا عَمِلُواْ} لم يُرد مِثلا ولا مِثْلين، ولكنَّه أَراد بالضعْف الأَضعاف. قال: وأَوْلَى الأَشياء فيه أَن يجعل عشرة أَمثاله كقوله تعالى: {مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ، الآية فأَقلّ الضعف محصور وهو المِثْل، وأَكثره غير محصور.
ورجل مَضعوفٌ على غير قياس، والقياس مُضْعَف. وحِمْيَر تسمِّى المكفوف ضعيفًا، وقيل فى قوله تعالى:{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً} أَى ضريراً.
وأَضعاف البدن: أَعضاؤه. وأَضعفَه: جعله ضِعفين. واستضعفه: عدّه ضعيفا. قال الله تبارك وتعالى: {إِلَاّ المستضعفين} . وتضعّفه بمعناه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"أَلَا أُنَبِّئُك بأَهل الجنَّة. كلٌّ ضعيف متضعَّف ذى طِمْرَين لا يُؤْبَهُ به، لو أَقسم على الله لأَبَرَّه". وضاعفه أَى أَضعفه من الضِّعْف، قال الله تعالى:{فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} .
وقال الراغب استضعفته: وجدته ضعيفًا. وقوبل بالاستكبار: {يَقُولُ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا} .
وقوله: {الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} ، فالثانى غير الأَوّل، وكذا الثالث. فانَّ قوله:{خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ} أَى من نطفة أَو تراب. والثانى: هو الضَّعف الموجود فى الجنين والطِّفل. والثالث: الذى بعد الشيخوخة وهو المشار إِليه بأَرذل العمُر. والقوّتان: الأُولى: هى التى تُجعل للطفل من التحرك وهدايته
لاستدعاءِ اللبَن، ودفع الأَذى عن نفسه بالبكاءِ. والقوّة الثانية: التى بعد البلوغ. ويدل على أَنَّ كلّ واحد من قوله: (ضَعْف) إِشارة إِلى حالة غير الحالة الأَولى ذكرُه منكّرًا، والمنكّر متى أُعيد ذِكره وأُريد به ما تقدّم عُرّف، كقولك: رأَيت رجلاً فقال لى الرّجل، ومتى ذُكِر ثانيا منكَّرًا أُريد به غير الأَوّل، ولذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله تعالى:{فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً} : لن يغلب عسرٌ يُسْرَيْن.
وقوله تعالى: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} فضعفُه كثرة حاجاته التى يستغنى عنها الملأُ الأَعلى. وقولُه: {إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفاً} فضعف كيده إِنما هو مع (من صار) من عباد الله المذكورين فى قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} .
والضِّعْفُ من الأَسماء المتضايفة التى يقتضى وجودُ أَحدهما وجودَ الآخر؛ كالنصف والزوج، وهو تركُّب قَدْرين متساويين، ويختصّ بالعدد. فإِذا قيل: أَضعفت الشىء وضعَّفته وضاعفته: ضممتُ إِليه مثله فصاعدًا. وقال بعضهم: ضاعفت أَبلغ مِنْ ضَعّفت، ولهذا قرأَ أَكثرهم (يُضَاعَفْ) قال تعالى:{وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} ، ومن قال: ضَعَفته بالتخفيف
ضَعْفًا فهو مضعوف قال: الضَّعْف مصدر، والضِّعْف اسم، كالثَّنْىِ والثِّنْىِ. فضِعْف الشىء هو الذى تَثْنِيهِ. ومتى أَضيف إِلى عدد اقتضى ذلك العددُ مثلَه، نحو أَن يقال: ضِعفُ العشرة، وضعف مائة، فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف. وعلى هذا قال:
جَزَيْتُكِ ضِعف الودّ لمّا اشتكيته
…
وما إِنْ جزاكِ الضِّعفَ من أَحد قَبْلى
وإِذا قيل: أَعْطِهِ ضِعْفَىْ واحد اقتضى ذلك ومثلَيْه، وذلك ثلاثة، لأَنَّ معناه الواحد واللذان يزاوجانه، وذلك ثلاثة. هذا إِذا كان الضِّعْف مضافًا، ( [فأَما إِذا لم يكن مضافا] فقلت: الضعفَيْن، فإِنَّ ذلك قد يجرى مجرى الزَّوجين فى أَنَّ كلّ واحد منهما يزاوج الآخر، فيقتضى ذلك اثنين؛ لأَن كلّ واحد منهما يضاعف الآخر، فلا يخرجان عن الاثنين، بخلاف ما إِذا أُضيف الضعفان إِلى واحد فَيَثْلِثهما نحو ضِعْفَىْ الواحد) .
وقوله: {لَا تَأْكُلُواْ الربا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً} ، قيل: أَتى باللفظين على التأكيد، وقيل: بل المضاعفة من الضَّعف لا من الضِّعْف، والمعنى:
ما تعدُّونه ضِعفًا هو ضَعف أَى نقص، كقوله تعالى:{يَمْحَقُ الله الربا وَيُرْبِي الصدقات} .
وقوله: {فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار} فإِنَّهُمْ سأَلوه أَن يعذّبهم عذابًا بضلالهم وعذابًا بإِضلالَهم، كما أَشار بقوله:{لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} .
وقوله: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} ، أَى لكل منهم ضعف ما لكم من العذاب. وقيل: أَى لكل منكم ومنهم ضعف ما يرى الآخر، فإِن من العذاب ظاهرا وباطنًا، وكلّ يدرك من الآخر الظاهرَ دون الباطن، فيقدّر أَن ليس له العذاب الباطن.
قال المتنبِّى فى لفظ الضعف:
ولستَ بدُونٍ يُرتجَى الغيث دُونه
…
ولا منتهى الجود الذى خلفَه خَلْفُ
ولا واحدا فى ذا الوَرَى من جماعة
…
ولا البعضَ من كلّ ولكنَّك الضِّعفُ
ولا الضِّعف حتى يتبع الضِّعفَ ضِعْفُه
…
ولا ضِعف ضِعف الضِّعفِ بل مثلَه أَلْفُ