الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الروح
الرّوح - بالضم -: ما به حياة الأَنفس يؤَنث ويذكّر، والقرآن، والوَحْى، وجبريل، / وعيسى عليهما السلام، والنفخ، وأَمر النبوَّة، وحكم الله تعالى، وأَمره، ومَلَكٌ وجهه كوجه الإِنسان وجسده كجسد الملائكة.
والرَّوْح - بالفتح -: الراحة، والرّحمة، ونَسيم الريح. وقيل: الرُّوح والرَّوح فى الأَصل واحد، وجُعل اسما للنَفَسَ كقول الشاعر فى صفة النَّار:
فقلت له ارفعها إِليك وأَحْيِها
…
برُوحك واجعله لها قِيتةً قَدْرًا
وذلك لكون النَّفَس بعض الرُوح، فهو كتسمية النوع باسم الجنس، نحو تسمية الإِنسان بالحيوان، وجُعل اسما للجزءِ الَّذى به تحصل الحياة والتحريك، واستجلاب المنافع واستدفاع المضَار، وهو المذكور فى قوله:{قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ، وقولِه:{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} ، وإِضافته تعالى إِلى نفسه إِضافة مِلْك، وتخصيصه بالإِضافة تشريف له وتعظيم كقوله:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} .
وسُمِّى أَشراف الملائكة أَرواحًا، وسمّى به عيسى عليه السلام:{وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} ، وذلك لِمَا كان له من إِحياءِ الأَموات.
وسمّى القرآن رُوحاً فى قوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} وذلك لكون القرآن سبباً للحياة الأُخرويّة الموصوفة فى قوله تعالى: {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان} .
والرَّوح: التَّنفس. وقد أَراح الإِنسان أَى تنفَّس. وقوله: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} ، فَالرَّيحان: ما له رائحة من النبات، وقيل رِزْق، ثم يقال للحبِّ المأكون رَيْحان فى قوله تعالى:{والحب ذُو العصف والريحان} . وقيل لأَعرابي: إِلى أَين؟ فقال: أَطلب من رَيْحان الله، أَى من رِزقِه. وفى الصَّحِيح:"الأَرْواح جُنُود مجنَّدة، فما تعارف منها ائتلف، ما تنكر منها اختلف". قال الشاعر:
أَرواحنا مِثْلُ أَجنادٍ مجنَّدة
…
لله فى الأَرض بالأَهواءِ تختلف
فما تناكر منها فهو مختلف
…
وما تعارف منها فهو يأْتلف
والرُّوح فى القرآن ورد على سبعة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى الرّحمة: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ} أَى رحمة.
الثانى: بمعنى المَلَك الَّذى يكون فى إِزاءِ جميع الخَلْقَ يوم القيامة: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً} .
الثالث: بمعنى جبريل: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} ، {تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا} .
الرَّابع: بمعنى الوحى والقرآن: {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} .
الخامس: بمعنى عيسى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} ، {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} .
السادس: فى شأْن آدم عليه السلام واختصاصِه بفضله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} .
السّابع: بمعنى اللطيفة التى فيها مَدَد الحياة: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح} ، {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القدس} .
وجميع ما تقدّم من الكلام على الرُّوح إِنما هو تفصيل من حيث اللفظ. أَمَّا أَقسام الرّوح من حيث العِلْم فالرُّوح فى الأَصل ثلاثة أَنواع: حيوانى، وطبيعىّ، ونفسانى. فمركز الرّوح الحيوانى القلب، ومركز الرّوح الطَّبيعى الدم، ومحلُّ الرّوح النفسانى الدماغ.
فالرّوح الحيوانى يصل إِلى جميع الأَعضاءِ بواسطة العُرُوق الضَّوارب الَّتى تسمّى الشرايين.
والرُّوح الطبيعى يصل إِلى أَطراف البَدَن بواسطة الأَورِدَةِ.
والرّوح النَّفسانى يَنْتشر من القَرْن إِلى القَدَم بواسطة / الأَعصاب.
وثمرة الرّوح الحيوانىّ الحياةُ والرَّاحة، وثمرة الرّوح الطبيعى القوّة والقدرة، وثمرة الرّوح النفسانى الحِسّ والحركة.
وأَمَّا حقيقة الرّوح فهى لطيفة ربّانيَّة، وعُنصر من عناصر العالَم العلوىِّ تتصل بمدَدٍ ربَّانىّ إِلى العالم السُّفلىّ. وعلى حسب درجة الحيوانات وتفاوت الحالات التى لهم تتَّصل بهم. ولما كان الإِنسان فى الصّورة والصّفة والمعنى أَكمل من جميع الحيوانات كان المتَّصل به من ذلك أَفضل الأَرواح. وليس لأَحد من العالمين وقوف على سرِّ تلك اللَّطيفة وحقيقته، والله سبحانه المنفرد بعلم ذلك. والحكمة فيه - إِن شاءَ الله تعالى - أَن يتأَمّل الإِنسان ويُسلِّطَ قوّة فهمه وفكره، ويتحقَّق أَنَّ الرُّوح الَّذى جعل الله
الحياة والرَّوْح والراحة والقُوّة والقدرة والحِسّ والحركة والفهم والفكر والسّمع والبصر والنُطْق والفصاحة والعلم والعقل والمعرفة من ثمراته ونتائجه، (وله به) نسب وإِضافة من وجوه عدّة، وهو يباشره ويعاشره مدَّة حياته وطولَ عمره، فى اليقظة والمنام والقُعُود والقيام، ودوام الموافقة والمرافقة والصّحبة، ومع ذلك لا يصل عِلمُه إِلى شىءٍ من كُنْه حقيقته ودَرْكِ معرفته، فكيف يطمع فى الوصول إِلى ساحة إِدراك جلال من تنزَّه من الكمّ والكيف، وتقدّس ذاتُه عن الرَيْنِ والرّيب، وبَعُدَتْ صفاته عن الشَّين والعيب فى عزَّة جلاله، لا وقوف عليه ولا وصول إِليه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير} .
والرِّيح معروفة، وهى - فيما قيل - الهواءُ المتحرك. وعامة المواضع الَّتى ذكر الله تعالى فيها الرِّيح بلفظ الواحد فعبارةٌ عن العذاب، وكلُّ موضع ذكر بلفظ الجمع فعبارة عن الرّحمة؛ كقوله تعالى:{إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} ، وقوله:{وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً} .
وأَمّا قوله: {الله الذي يُرْسِلُ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً} فالأَظهر فيه الرَّحمة، وقرىءَ بلفظ الجمع وهو أَصحّ.
وقد يستعار الرِّيح للغلبة نحو: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ، وفى الأَثر:"لولا الريح لأَنتنَ ما بين السّماء والأَرض".
ويقال لمن لا أَصل لكلامه: كلامه ريح فى فسيح وقال:
وثقنا منك بالكرم الصّريح
…
فأَقدمنا على الفعل القبيح
فأَرسلْ لى رِياح الفَضْلِ بُشْرًا
…
فما بيدىَّ شىءٌ غير ريح
وقد ورد الريح فى القرآن على سبعة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى القوّة والدَّولة: {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} .
الثاني: بمعنى العذاب فى العقوبة: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم} ، {رِيحاً صَرْصَراً} .
الثالث: بمعنى نَسَمَاتِ الرحمة: {يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} .
الرَّابع: بمعنى اللَاّقحات {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} .
الخامس: بمعنى مسخَّرات المراكب فى البحار لمنافع السُّفَّار والتُجَّار: {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} .
السّادس: بمعنى رياح النَّصر: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} .
السّابع: بمعنى ريح المضَّرة والعذاب: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً} ، {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} .
وقوله تعالى: {لَا تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} أَى من فَرَجِه ورحمته، وذلك بعض الرّوح.
وراحَ فلان إِلى أَهله، وإِمّا لأَنه أَتاهم فى السرعة/ كالرِّيح، أَو لأَنَّه أَستفاد برجوعه إِليهم رَوْحًا من المسرّة. والله أَعلم.