الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الرحمة والرحمان والرحيم
الرّحمة: رِقَّةٌ تقتضى الإِحسان للمرحوم وقد تُستعمل تارة فى الرقّة المجرّدة، وتارة فى الإِحسان المجرّد عن الرقَّة، نحو: رحم الله فلانًا. وإِذا وُصف به البارىءُ تعالى فليس يراد به إِلَاّ الإِحسان المجرّد دون الرقَّة. وعلى هذا رُوى أَنَّ الرحمة من الله إِنعام وإِفضال، ومن الآدميِّين. رقَّة وتعطُّف.
وقوله صلىَّ الله [عليه وسلم] مخبرًا عن ربِّه - سبحانه: "لمّا خلق الرّحم قال تعالى: أَنا الرحمان وأَنت الرّحِم، شققت اسمك من اسمى، فمن وصلك وصلتُه، ومن قطعكِ قطعته" ويروى بتتُّه. وذلك إِشارة إِلى ما تقدم، وهو أَنَّ الرَّحمة منطوية على معنيين: الرقة والإِحسان، فركَّب تعالى فى طباع النَّاسِ الرِّقَه، وتفرّد بالإِحسان.
ولا يطلق الرّحمان إِلَاّ على الله تعالى مطلقاً ولا مضافاً، وقولهم: رَحْمان اليمامة لمسيلمة الكذَّاب فبَابٌ مِن تعنُّتهم فى كفرهم. ولا يصحّ الرّحمان إِلَاّ له تعالى؛ إِذ هو الَّذى وَسِعَ كلَّ شىءٍ رحمة وعلماً. والرّحيم يستعمل فى غيره، وهو الَّذى كثرت رحمته. وقيل: الرَّحمان عامّ والرّحيم خاصّ، فالرحمان العاطف بالرِّزق للمؤمنين والكافرين، والرّحيم
خاصّ بالمؤمنين. وقيل: رحمان الدنيا ورحيم الآخرة، وقيل رحمان المعاش ورحيم المعاد، وقيل: رحمان الأَغنياءِ ورحيم الفقراءِ، وقيل: رحمان الأَصحَّاءِ ورحيم المرضى. وقيل: رحمان المصطفَيْنَ ورحيم العاصِين. وقيل: رحمان الأَشباح ورحيم الأَرواح. وقيل: رحمان بالنعماءِ ورحيم بالآلآء. وقيل: الرّحمان: الذى الرّحمة وصفه، والرّحيم: الرّاحم لعباده، ولهذا يقول تعالى:{وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً} ، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} ، ولم يجىء رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين، مع ما فى اسم الرّحمان الذى هو على زنة فعلان، أَلا ترى أَنهم يقولون: غضبان للممتلىءِ غَضَبًا، وندمان وحَيران وسكران ولهفان لمن ملىءَ بذلك، فبناءُ فعلان للسّعة والشمول، ولهذا يقرن استواؤه على عرشه بهذا الاسم كثيرا، كقوله تعالى:{الرحمان عَلَى العرش استوى} ، {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} ، فاسْتوى على عرشِه باسم الرّحمان؛ لأَنَّ العرش محيط بالمخلوقات قد وسِعها / والرّحمة محيطة بالخلق واسعة لهم، كما قال تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} ، وفي الصّحيح عن أَبى هريرة يرفعه:"لما قضى الله الخَلْق كتب في كتاب، فهو موضوع على العرش: رحمتى تغلب على غضبى" وفى لفظٍ: "سبقت رحمتى على غضبى" وفى لفظةٍ: "فهو عنده وضعه على العرش".
فتأَمّل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرّحمة ووضعه عنده على العرش، وطابِق بين ذلك وبين قوله:{الرحمان عَلَى العرش استوى} ، وقوله:{ثُمَّ استوى عَلَى العرش الرحمان فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} ينفتح لك بابٌ عظيم من معرفة الرّب تبارك وتعالى، لا يغلقُه عنك التعطيل والتَّجسيم.
واعلم أَنَّ صفات الجلال أَخصّ باسم الله، وصفات الإِحسان والجُود والبِرِّ والحَنَان والرّأْفة واللّطف أَخصُّ باسم الرَّحمان. وكرَّره فى الفاتحة إِيذانًا بثبوت الوصف. وحصول أَثره، وتعلُّقه بمتعلّقاته.
والرَّحمة سبب واصل بين الله وبين عباده، بها أَرسل إِليهم رُسُله، وأَنزل عليهم كُتُبه، وبها هداهم، وبها أَسكنهم دار ثوابِه، وبها رزقهم وعافاهم.
وقد ورد الرّحمة فى القرآن على عشرين وجهاً:
الأَوّل: بمعنى منشور القرآن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} .
الثانى: بمعنى سيّد الرُسُل: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ، وقال صلى الله عليه وسلم:"إِنَّما أَنَا رَحْمَة مُهْدَاة".
الثالث: بمعنى توفيق الطَّاعة والإِحسان: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} .
الرَّابع: بمعنى نبوّة المرسلين: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} .
الخامس: بمعنى الإِسلام والإِيمان: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} .
السّادس: بمعنى نعمة العِرفان: {وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ} أَى معرفة.
السّابع: بمعنى العصمة من العصيان: {إِلَاّ مَن رَّحِمَ} .
الثامن: بمعنى أَرزاق الإِنسان والحيوان: {لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} .
التاسع: بمعنى قَطَرَات ماءِ الغِيثان: {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} .
العاشر: بمعنى العافية من الابتلاءِ والامتحان: {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} .
الحادى عشر: بمعنى النجاة من عذاب النيران: {وَلَوْلَا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} .
الثانى عشر: بمعنى النُصْرَةِ على أهل العدوان: {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} .
الثالث عشر: بمعنى اللأُلْفة والموافقة بين أَهل الإِيمان: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً وَرَحْمَةً} .
الرابع عشر: بمعنى الكتاب المنزل على موسى بن عمران: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى إِمَاماً وَرَحْمَةً} .
الخامس عشر: بمعنى الثناء على إِبراهيم والوِلدان: {رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت} .
السّادس عشر: بمعنى إِجابة دعوة زكريا مبتهلا إِلى الله المَنَّان: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} .
السّابع عشر: بمعنى العفو عن ذوى العصيان: {لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} .
الثامن عشر: بمعنى فتح أَبواب الرَّوْحِ والرَّيْحان: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} .
التاسع عشر: بمعنى الجنَّةِ دار السّلام والأَمان: {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} .
العشرون: بمعنى / صفة الرّحيم الرحمان: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} . وفي الخبر: "إِنَّّ الله تعالى خلق الأَرواح قبل الأَجساد بأَربعة آلاف سنة، وقدَّر الأَرزاق قبل الأَرواح بأَربعة آلاف سنة، وكَتب الرَّحمة على نفسه قبل الأَرزاق بأَربعة آلاف سنة. ولهذا قال: سبقت رحمتى غضبى، وعفوى عقابى".
والرَّحِم: رَحِم المرأة. وامرأَةُ رَحُومٌ: تشتكى رحمها. ومنه استعير الرّحم للقرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة، ويقال: رَحِمٌ ورُحْم، قال تعالى:{وَأَقْرَبَ رُحْماً} ، وقال:{وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله} .