الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى السؤال
وهو ما يَسأَله الإِنسان. قال الله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} .
والسّؤال: استدعاء معرفة أَو ما يؤدّى إِلى المعرفة، واستدعاءُ مال، أَو ما يؤدّى إِلى المال. فاستدعاءُ المعرفة جوابُه باللسان، واليدُ خليفة له بالكتابة، أَو الإِشارة. واستدعاءُ المال جوابه باليد، واللسانُ خليفة لها إِمّا بوعد، أَو برَدٍّ. تقول: سأَلته عن الشىء سؤالا، ومسأَلة. وقال الأَخفش: يقال: خرجنا نسأَل عن فلان وبفلان.
وقد تخفَّف همزته فيقال سال يَسال. وقرأَ أَبو جعفر: {سَأَلَ سَآئِلٌ} بتخفيف الهمزة. قال:
ومُرهَق سال إِمتاعا بأُصْدته
…
لم يستعِنْ وحَوامِى الموت تغشاه
والأَمر منه سَلْ بحركة الحرف الثانى من المستقبل، ومن الأَوّل اسْأَل.
وقوله تعالى: {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ} ، يقال: إِنّه خوطب به ليلة أُسرى به، فجُمع بينه وبين الأَنبياءِ - صلوات الله عليهم - فأَمّهم، وصلَّى بهم، فقيل له: فسَلْهُمْ. وقيل: معناه: سل أُمَم مَنْ أَرسلنا، فيكون السّؤال ههنا على جهة التقرير. وقيل: الخطاب للنبىّ صلى الله عليه وسلم والمراد به الأُمَة، أَى وسلوا، كقوله تعالى:{ياأيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ} .
وقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَاّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَآنٌّ} أَى لا يسأَل سؤال استعلام، لكن سؤال تقرير وإِيجاب للحجّة عليهم. وقوله تعالى:{وَعْداً مَّسْئُولاً} هو قول الملائكة: / {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ} وقوله: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} أَى دعا داعٍ، يعنى قولَ نَضْر بن الحارث {اللهم إِن كَانَ هاذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} الآية. والباءُ فى (بعَذَاب) بمعنى عن، أَى عن عذاب.
ورجل سُؤَلة - مثال تُؤدَة -: كثير السّؤال. وأَسأَلته سؤْلته ومسأَلته: أَى قضيت حاجته. وتساءَلوا، أَى سأَل بعضهم بعضاً. وقرأَ الكوفيون
{تَسَآءَلُونَ} بالتخفيف، والباقون بالتَّشديد أَى تتساءَلون، أَى الَّذى تطلبون به حقوقكم، وهو كقولك، نَشَدتك بالله أَى سأَلتك بالله.
فإِن قلت: كيف يصحّ أَن يقال: السّؤال استدعاء المعرفة، ومعلوم أَنَّ الله تعالى يَسأَل عبادهُ؟.
قيل: إِنَّ ذلك سؤال لتعريف القوم وتبكيتهم، لا لتعريف الله تعالى؛ فإِنَّهُ علَاّم الغيوب، فليس يخرج من كونه سؤال المعرفة، والسؤال للمعرفة قد يكون تارة للاستعلام، وتارة للتبكيت، وتارة لتعريف المسئول وتنبيهه، لا ليخبِر ويُعلم، وهذا ظاهر. وعلى التبكيت قوله تعالى:{وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ} .
والسّؤال إِذا كان للتعريف تعدّى إِلى المفعول الثَّانى تارة بنفسه، وتارة بالجارّ، نحو [سأَلته كذا، و] سأَلته عن كذا، وبكذا، وبعن أَكثر نحو:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح} .
وأَمَّا إِذا كان السّؤال لاستدعاءِ مالٍ فَإِنَّهُ يتعدَّى بنفسه، وبمن؛ نحو قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً} ، وقوله:{واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} .
ويعبّر عن الفقير إِذا كان مستدعِياً لشيىءٍ بالسّائل، نحو قوله:{وَأَمَّا السآئل فَلَا تَنْهَرْ}
والسّؤال ورد فى القرآن على عشرين وجهاً:
الأَوّل: سؤال التعجّب: {قالوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} .
الثانى: سؤال الاسترشاد: {فاسئلوا أَهْلَ الذكر} ، {وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} .
الثَّالث: سؤال الاقتباس: {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ} .
الرّابع: سؤال الانبساط: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ ياموسى} .
الخامس: سؤال العطاءِ والهِبَة: {رَبِّ هَبْ لِي} .
السّادس: سؤال العَوْن والنُّصْرة: {متى نَصْرُ الله} .
السابع: سؤال الاستغاثة: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} .
الثامن: سؤال الشفاءِ والنَّجاة: {مَسَّنِيَ الضر} .
التَّاسع: سؤال الاستعانة: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً} .
العاشر: سؤال القُرْبَة: {رَبِّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة} .
الحادى عشر: سؤال العذاب والهلاك: {رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأرض} .
الثانى عشر: سؤال المغفرة: {رَبَّنَا اغفر لِي} .
الثالث عشر: سؤال الاستماع للسائل والمحروم: {وَأَمَّا السآئل فَلَا تَنْهَرْ} .
الرابع عشر: سؤال المعاودة والمراجعة لنوح: {فَلَا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ، ولمحمّد صلى الله عليه وسلم:{لَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجحيم} ، وللصّحابة:{لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} .
الخامس عشر: سؤال الطَّلب وعَرْض الحاجة: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرض} ، {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} .
السادس عشر: سؤال المحاسبة والمناقشة: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ} ، {فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} .
السّابع عشر: سؤال المخاصمة: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} ، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} أَى يتخاصمون.
الثامن عشر: سؤال الإِجابة والاستجابة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي} .
التَّاسع عشر: سؤال التعنُّت: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح} .
العشرون: سؤال الاستفتاءِ والمصلحة، وذلك على وجوه/ مختلفة:
تارة من حَيْض العيال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض} .
وتارةً من نفقة الأَموال: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} .
وتارة عن حكم الهلال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة} .
وتارة عن القيامة وما فيها من الأَهوال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة} .
وتارة عن حال الجبال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال} .
وتارة عن الحرب والقتال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام} .
وتارة عن الحرام والحلال: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ} ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} .
وتارة عن اليتيم وإِصلاح ما لَهُ من المال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى} .
وتارة عن الغنائم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} .
وتارة عن العذاب والنكال: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} .
وتارة عن العاقبة والمآل: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم} .
وتارة عن المبالغة فى الجدال {يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} .
وتارة عن كرم ذى الجلال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} . قال الشاعر:
إِذا كنت فى بلد قاطناً
…
وللعلم مقتبساً فاسأَلِ
فإِن السّؤال شفاءُ العباد
…
كما قيل فى الزَّمن الأَوّل