الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الزلل والزلفة والزلق والزمر والزمل والزنم والزنى والزهد
زَلَلْتَ تَزِلُّ، وزَلِلْت تَزَلَّ زَلاًّ زَلِيلاً ومَزِلَّةً وزُلولاً وزَلَلاً وزِلِّيلَى أَى زلِقْتَ. وأَزلَّه غيره. والمَزَلَّة والمَزِلَّة: موضعه. وقيل للذَّنب من غير قصدِ: زَلَّة، تشبيهًا بزلَّة الرِّجلْ، قال تعالى:{فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ البينات} ، ومنه قوله تعالى:{فَأَزَلَّهُمَا الشيطان} . واستزلَّه: إِذا تحرّى زَلَّته. وقوله: {استزلهم الشيطان} أَى استجرَّهم حتَّى زَلُّوا؛ فإِن الخَطيئة الصغيرة إِذا ترخَّص الإِنسان فيها تصير مسهِّلة لسبيل الشيطان على نفسه.
وزلزلهُ زَلزلة وزلزالاً - مثلَّثة الزَّاى -: حرّكه، فتزلزل، وتكرير حروفه تنبيه على تكرّر معنى الزَّلل فيه. وقوله تعالى:{وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} أَى زُعْزِعوا من الرّعب. وإِزِلْزِل: كلمة تقال عند الزلزلة.
والزُّلْفة والزُلْفَى والزَّلَف: القُرْبة والمنزلة، قال تعالى:{فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً}
وقال: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} وهى اسم المصدر كأَنَّه قال: ازدلافاً. وجمع الزُّلْفة: زُلَفٌ. وقال العَجَّاج:
تاجٍ طواه الأَيْن ممّا وَجَفا
…
طىَّ اللَّيالى زُلَفَا فزُلفا
سماوة الهلال حتَّى احْقَوْقفا
والزُّلْفة أَيضاً: الطائفة من أَوّل اللَّيل، والجمع: زُلَف وزُلُفات وزُلْفات. وقوله تعالى: {وَزُلَفاً مِّنَ اليل} أَى ساعة بعد ساعة يقرب بعضها من بعض. وعُنى بالزُّلف من اللَّيل المغرب والعشاء. وأَزْلفه: قرّبه.
وقوله تعالى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين} قال ابن عرفة: أَى جمعناهم قال: وأَحسن من هذا: وأَدنيناهم يعنى إِلى الغُرَف، قال: وكذلك: {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ} أَى أُدْنِيَتْ. والمُزْدَلِفة سمُّيت بها لقربها من مِنىً. وازدَلَف إِلى الله بركعين: تقرَّب.
والزَّلَق والزَّلل بمعنى، زَلَِق كفرح و (نصر) : زلَّ. وأَزلق فلاناً ببصره: نظر إِليه. قال تعالى: {لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} . وقرأ أُبىُّ بن كعب: (وأَزلقنا / ثمَّ الآخَرِين) .
والزُّمْرة - بالضم -: الجماعة من النَّاس، والجمع زُمَرٌ، لأَنها إِذا اجتمعت كان لها زِمارًا وجَلَبَة. والزِمار - بالكسر -: صوت النَّعام.
والتزميل: الإِخفاء. والتَّزمُّل: التلفَّف. وقوله تعالى: {ياأيها المزمل} أَى يأَيها المتزمّل فى ثوبه، وذلك على سبيل الاستعارة، وكُنِىَ به عن المقصّر والمتهاون فى الأَمر، وتعريض به.
والزَنِمِ والمُزَنَّم: الدَعِىُّ، والرّجل المستلْحَق فى قومٍ ليس منهم، قال:
والزِّناء والزِنىَ: وَطْءُ المرأَة من غير عَقْد شرعىّ ومِلْك يمين. زَنى يزنى زِنىّ وزِناءً، وزانىّ مزاناةً وزِناءً بمعناه. وزاناه: نسبه إِلى الزِّنى.
وهو ابن زَنْية - بالفتح وقد يكسر - ابن زِنىً.
والزهِيد: الشىء القليل. وزَهِدَ فى الشىءِ يزهد زُهْدًا وزَهَادة: رغِب عنه
أَو رضى بيسير منه. والزُّهْد: الرّضا بالقليل، قال تعالى:{وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين} .
وقد أكثر المشايخ من الكلام فى الزهد، وكلٌّ أَشار إِلى ذوقه، ونطق عن حاله ومشاهدته.
فقال سفيان الثورىّ: الزُّهد: قِصَرُ الأَمل، ليس بأَكل الغليظ ولا لبس العباءَة. وقيل: الزُّهد فى قوله تعالى: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْاْ على مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ} .
وقال ابن الجلاء: الزهد: هو النظَّر إِلى الدُّنيا بعين الزَّوال لتصغر فى عينيك، فيتسهَّل عليك الإِعراض عنها.
وقال ابن خفيف رحمه الله: علامة الزهد وجود الراحة فى الخروج من المِلك. وقال أَيضا: هو سُلُوّ القلب عن الأَسباب، ونفض الأَيدى عن الأَملاك. وقيل: هو عُزُوف القلب عن الدنيا بلا تكلّف.
وقال الجُنيد: هو خُلوّ القلب عمّا خلَت منه اليد.
وقال عبد الواحد بن زيد: ترك الدِّينار والدِّرهم.
وقال أَبو سليمان الدَّارانى: ترك ما شَغَل عن الله تعالى.
وقال الإِمام أَحمد: الزُّهد على ثلاث درجات: ترك الحرام، وهو زُهد العوامّ. وترك الفُضُول من الحلال، وهو زهد الخواصّ. والثالث: ترك ما شغل عن الله، وهو زهد العارفين.
وهذا الكلام من الإِمام يأتى على جميع ما تقدّم من كلام المشايخ. ومتعلَّقه ستة أشياء لا يستحق العبد اسم الزّهد حتَّى يزهد فيها، وهى: المال، والصُّورة، والرّياسة، والناس، والنفْس، وكلُّ ما دون الله تعالى. وليس المراد رفضها من المِلْك، فقد كان سليمان وداود عليهما السلام أَزهدَىْ أَهل زمانهما، ولهما من المال والنِّساءِ والمِلْك ما لهما. وكان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أَزهد البَشَر على الإِطلاق، وكان له تسع نسوة. وكان عثمان وعلى وزُبير وابن عوف من الزُّهَّاد، مع ما لَهم من الأَموال، وكذلك الحَسَن بن على. ثم السَّلف عبد الله بن المباك، والليث بن سعد، وسفيان، كانوا من الزُّهَّاد مع مال كثير.
ومن أَحسن ما قيل فى الزهد كلام الحسن: ليس الزُّهد فى الدنيا بتحريم الحلال، وإِضاعة المال، ولكن أَن تكون بما فى يد الله أَوثقَ منك بما فى يدك، وأَن تكون فى ثواب المصيبة إِذا أُصبْت بها، أَرْغب منك فيها لو لم تصبك.
وقد اختلف الناس فى الزهد، هل هو ممكن فى هذه الأَزمنة أَم لا؟ فقال ابن حفص: الزهد لا يكون إِلَاّ فى الحلال، ولا حلال فى الدّنيا. وخالفه النَّاس، وقالوا: الحلال موجود، والحرام كثير. وعلى تقدير أَلَاّ يكون فيها الحلال يكون هذا أَدعى إِلى الزهد فيها، وتناولُه منها يكون كتناول المضطر للمَيْتة والدّم ولحم الخنزير.
ثمَّ اختلف هؤلاء فى متعلَّق الزهد، فقالت طائفة: الزهد إِنما هو فى الحلال لأَن ترك الحرام فريضة. وقالت فرقة: بل الزهد لا يكون إِلَاّ فى الحرام، وأَمّا الحلال فنعمة من الله على عبده، والله تعالى يحبُّ أَن يُرى أَثرُ نعمته على عبده، فيشكره على نِعمه، والاستعانة بها على طاعته واتخاذها طريقًا إِلى جنَّته أَفضل من الزُّهد فيها والتَّخلى عنها، ومجانبة أَسبابها.
والتحقيق أَنَّها إِن شغلته عن الله فالزُّهد فيها أَفضل، وإِن لم تشغله عن الله بل كان شاكراً فيها فحاله أَفضل.
وقد زهَّد الله تعالى فى الدُّنيا، وأَخبر عن خِسَّتها، وقلَّتها، وانقطاعها وسرعة فنائها، ورغَّب فى الآخرة، وأَخبر عن شرفها، ودوامها، وسرعة إِقبالها. والقرآن مملوءٌ من ذلك.
قال تعالى: {اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ} إِلى قوله: {إِلَاّ مَتَاعُ الغرور} ، وقال:{إِنَّمَا مَثَلُ الحياة الدنيا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ} إِلى قوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ، وقال:{واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا} إِلى قوله: {ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} ، وقال:{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمان لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ} إلى قوله: {والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} ، وقال:{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} إِلى قوله: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى} .