الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الزكاة
زكا يزْكو زَكَاءً وزُكُوًّا: نما. والزكاة: النُّموّ الحاصل عن بركة الله تعالى. ويعتبر ذلك بالأُمور الدّنيوية والأَخرويّة، وقوله تعالى:{فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً} إِشارة إِلى ما يكون حلالاً لا يُسْتوخَم عُقْباه. ومنه الزكاة لما يخرجه الإِنسان من حقِّ الله تعالى إِلى الفقراء، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاءِ البركة، أَو لتزكية النَّفْس أَى تنميتها بالخيرات والبركات، أَوْ لهما جميعًا؛ فإِنَّ الخَيْرين موجودان فيها.
وقرن الله تعالى الزكاة بالصَّلاة فى القرآن تعظيما لشأنها.
وبزكاءِ النفس وطهارتها يصير الإِنسان بحيث يستحق فى الدُّنيا الأَوصاف المحمودة، وفى الآخرة الأَجرَ والمثوبة، وهو أَن يتحرَّى الإِنسان ما فيه تطهيره. وذلك ينسب تارة إِلى العبد لاكتسابه ذلك، نحو قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} ، وتارة إِلى الله تعالى لكونه فاعلا لذلك فى الحقيقة نحو:{بَلِ الله يُزَكِّي مَن يَشَآءُ} ، وتارة إِلى النَّبى صلى الله عليه وسلم لكونه واسطة فى وصول ذلك إِليهم، نحو:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ، وتارة إِلى العبادة الَّتى هى آلة فى ذلك، نحو:{وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً} .
وقوله: {لأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً} أَى زكِىَّ الخِلْقة، وذلك على طريق ما ذكرناه من الاجتباءِ، وهو أَن يجعل بعض عباده عالِمًا وطَاهر الخُلُق لا بالتعَلُّم والممارسة بل بقوّة إِلهيّة، كما يكون لكلِّ الأَنبياءِ والرُّسُل. ويجوز أَن يكون تسميته بالزَّكِىّ لما يكون عليه فى الاستقبال لا فى الحال. والمعنى سَيَتَزَكَّى. وقوله:{والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} أَى يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكِّيهِم الله، أَو ليزكُّوا أَنفسهم، والمعنيان واحد. وليس قوله (للزَّكاة) مفعولا لقوله (فاعلون) ، بل اللَاّم فيه للقصد وللعلَّة.
وتزكية الإِنسان نفسه ضربان: أَحدهما بالفعل وهو محمود، وإِليه قَصَد بقوله:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} ، والثانى بالقول كتزكية العدل غيره. وذلك مذموم أَن يفعل الإِنسان بنفسه. وقد نهى الله تعالى عنه بقوله:{فَلَا تزكوا أَنفُسَكُمْ} ، ونهيه عن ذلك تأديب لقبح مَدْح الإِنسان نفسه عقلا وشرعاً، ولهذا قيل لحكيم: ما الَّذى لا يحسن / وإِن كان حقًّا؟ فقال: مَدْح الإِنسان نفسه.
وفى أَثر مرفوع: "ما تلِف مالٌ من برّ ولا بحر إِلَاّ بمنع الزَّكاة".
ويقال: زكاة الحُلِىِّ إِعارتها. وقال عليه الصلاة والسلام: "حَصِّنُوا أَموالكم بالزَّكاة"، وقال الشاعر:
وأَدِّ زكاة الجاه واعلم بأَنَّها
…
كمِثل زكاة المال تّمَّ نِصابها
وقال:
حبَّ علىِّ بن أَبى طالبٍ
…
دلالةٌ باطنةٌ ظاهرهْ
تُخْبِرُ عن مُبْغِضه أَنَّه
…
نُطفةُ رجْسِ فى حَشَى عاهرهْ
ومن تولَّى غيرَه لا زَكَتْ
…
زُكْبته فى الدّنيا والآخرهْ
وورد فى القرآن على ستَّة عشر وجهاً:
وذلك بمعنى الأَقرب إِلى المصلحة: {هُوَ أزكى لَكُمْ} .
وبمعنى الحلال: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً} .
وبمعنى الحُسْن واللطافة: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} أَى ذات جمال.
وبمعنى الصّلاح والصِّيانة: {أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً} أَى صلاحاً.
وبمعنى النبوّة والرسالة: {لأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً} ، أَى رسولا نبياً.
وبمعنى الدعوة والعبادة: {وَأَوْصَانِي بالصلاة والزكاة} .
وبمنعى الاحتراز عن الفواحش: {مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً} .
وبمعنى الإِقبال على الخدمة: {وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} .
وبمعنى الإِيمان والمعرفة: {الذين لَا يُؤْتُونَ الزكاة} أَى لا يؤْمنون.
وبمعنى التوحيد والشِّهادة: {وَمَا عَلَيْكَ أَلَاّ يزكى} .
وبمعنى الثناءِ والمَدْح: {فَلَا تزكوا أَنفُسَكُمْ} .
وبمعنى النَّقاءِ والطَّهارة: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} .
وبمعنى التَّوْبة من دعوى الرّبُوبيّة: {هَل لَّكَ إلى أَن تزكى} .
وبمعنى أَداءِ الزَّكاة الشرعية: {وَآتُواْ الزكاة} ، {وَيُؤْتُواْ الزكاة} . ولها نظائر كثيرة.