الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى السماء
وهو/ أَعلى كلّ شىء، وكلُّ سماء بالإِضافة إِلى ما دونها فسماءٌ، وبالإِضافة إِلى ما فوقها فأَرض، إِلَاّ السّماء العُلْيا، فإِنَّها سماءٌ بلا أَرض. وحُمل على هذا قوله تعالى:{الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ} وسُمّى المَطَر سماء لخروجه منها. وقيل: إِنَّما سمّى سماءً ما لم يقع بالأَرض اعتبارًا بما تقدّم. وسُمّى النَّبَات سماءً إِمّا لكونه من المطر الَّذِى هو سماءِ، وإِمّا لارتفاعه عن الأَرض.
والسّماءُ المقابلة للأَرض مؤنث، وقد يذكَّر. ويستعمل للواحد والجمع كقوله تعالى:{ثُمَّ استوى إِلَى السمآء فَسَوَّاهُنَّ} . وقد يقال فى جمعها: سماوات. وقال: {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} ، وقال:{إِذَا السمآء انشقت} ، ووجه ذلك أَنَّه كالنَّخل والشَّجر وما يجرى مجراهما من أَسماءِ الأَجناس الَّتى تذكّر وتؤنَّث وبخبر عنه بلفظ الواحد والجمع. والسّماء الَّذِى هو المطر مذكّر، ويجمع على أَسْمِيَة وسُمِىَ. وفى الحديث: "صلَّى بنا فى
إِثْر سماءِ من الليل أَى مطر". ويقال: ما زلنا نطأُ السّماءَ حتى أَتيناكم، أَى المطر. قال:
فإِنّ سماءَنا لمّا تجلّت
…
خلالَ نجومها حتى الصباحِ
رياض بَنَفْسَجٍ خَضِلٍ نَداه
…
تفتَّح بينها نَوْر الأَقاحى
وقال:
أَردّد عينى فى النجوم كأَنَّها
…
دنانير لكنَّ السّماءَ زبرجد
وخِلْتُ بها والصّبح ما حان وردُه
…
قناديل والخضراء صرْح ممرّد
وهو من مسمَّى قومِه: خيارهم. وتسامَوا على الخيل، ركبوا. وأَسميته من بلد: أَشخصته. وهم يَسْمُون على المائةِ: يزيدون. ما سمَوت لكم: لم أَنهض لقتالكم.
وقد ورد السّماء فى القرآن على وجوه:
الأَوّل: بمعنى سقْف البيت: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السمآء} : إِلى السّقف.
الثَّانى: بمعنى السّحاب: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً} أَى من السّحاب.
الثالث: بمعنى المطر: {يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} أَى المطر.
الرابع: بمعنى سماءِ الجَنَّة وأَرضها: {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِي الجنة خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض} ، وفى الحديث:"أَرض الجنة من ذهب وسماؤها عرش الرّحمن".
الخامس: بمعنى سماءِ جهنَّم: {فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِي النار} إِلى قوله {مَا دَامَتِ السماوات والأرض} .
السادس: بمعنى المقابل للأَرض: {والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ} ، {أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ} ، {لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} ، {فَاطِرِ السماوات} ، ونظائرها كثيرة.
والسَّماوة: الشَّخص العالى. وسَما لى شخصٌ؛ وسما الفحل على الشُّوَّل سماوة لتجلّلها.
والاسم: ما يعرف به ذات الأَصل. وأَصله سُِمْوٌ بدليل قولهم: أَسماءٌ وسُمِىّ. وأَصله من السّمُوّ، وهو الَّذِى به رَفْع ذكر المسمّى فيُعرف به.
وقوله تعالى: {وَعَلَّمَءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا} أَى الأَلفاظ والمعانى، مفرداتِها ومركّباتها. وبيان أَنَّ الاسم يستعمل على ضربين:
أَحدهما: بحسب الوضع الاصطلاحىّ، وذلك هو فى المخبَر عنه، نحو: رجل، وفرس.
والثانى: بحسب الوضع الأَوّلىّ، ويقال ذلك للأَنواع الثلاثة: المخبَر عنه، والمخبَر به، والرّابط بينهما المسمّى بالحرف، وهذا هو المراد بالآية؛ لأَنَّ آدم عليه السلام كما عُلِّم الاسم عُلّم الفعل والحرف. ولا يعرف الإِنسان الاسم فيكون عارفًا مسمّاه إِذا عُرض عليه المسمّى إِلَاّ إِذا عَرَف ذاته، أَلا ترى أَنَّا لو علمنا أَسامى أَشياء بالهنديّة أَو الرّوميّة لم نعرف صورة ما له تلك الأَسماءُ المجرّدة، بل كنَّا عارفين بأَصواتٍ مجرَّدة. / فثبت أَنَّ معرفة الأَسماء لا تحصل إِلَاّ بمعرفة المسمّى، وحصول صورته فى الضمير. فإِذًا المراد بقوله:{وَعَلَّمَءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا} الأَنواع الثلاثة من الكلام وصورة المسّميات فى ذواتها.
وقوله: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَاّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ} معناه: أَن الأَسماءَ التى تذكرونها ليس لها مسمّيات، وإِنَّما هى أَسماء على غير مسمَّى، إِذ كان حقيقة ما يعتقدون فى الأَسماءِ بحسب تلك الأَسماء غير موجود فيها.
وقولُه: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ} ، فليس المراد أَن يذكروا أَساميها نحو الَّلات والعزَّى، وإِنما أَظْهِروا تحقيق ما تدْعونه آلهة، وأَنه هل يوجد معانى تلك الأَسماء فيها. ولهذا قال بعد:{أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأرض أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول} .
وقولُه: {تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ} أَى البركة والنعمة الفائضة فى صفاته إِذا اعتبرت، وذلك نحو الكريم، العليم، البارىء، الرحمان، الرحيم.
وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} أَى نظيرًا له يستحقّ اسمَه، وموصوفاً يستحقّ صفته، على التحقيق. وليس المعنى: هل تجد من يتسمّى باسمه؛ إِذ كان كثير من أَسمائه قد يُطلق على غيره، لكن ليس معناه إِذا استعمل فيه كان معناه إِذا استعمل فى غيره. والله أَعلم.