المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة (400): التمتع أفضل من الإفراد والقران - تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي - جـ ٣

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌مسألة (306): إذا زادت الإبل على عشرين ومائة واحدةً، استقرَّت

- ‌مسألة (307): لا زكاة في الأوقاص، وهو قول أبي حنيفة وأبي

- ‌مسألة (308): إذا أخرج حاملاً أو سِنًّا أعلى مكان أدنى أجزأه

- ‌مسألة (309): لا يجب فيما زاد على الأربعين من البقر شيءٌ حتَّى يبلغ

- ‌مسألة (310): المال المستفاد في أثناء الحول بابتياعٍ أو هبةٍ أو إرثٍ، لا

- ‌مسألة (311): تجب الزَّكاة في صغار النَّعم إذا انفردت وبلغت

- ‌مسألة (313): للخلطة تأثير في الزَّكاة

- ‌مسألة (314): تجب الزَّكاة في مال الصَّبي والمجنون

- ‌مسألة (315): لا يجوز إخراج القيم (7) في الزَّكاة، وهو قول مالك

- ‌مسألة (316): لا زكاة في الخيل

- ‌مسألة (317): لا تجب الزَّكاة في العوامل والمعلوفة

- ‌مسألة (318): لا يجب العشر فيما دون خمسة أوسق

- ‌مسألة (319): لا يجب العشر في الخضراوات

- ‌مسألة (320): لا يحتسب على صاحب الأرض بزكاة ما يأكله من

- ‌مسألة (321): يجب العشر في أرض الخراج

- ‌مسألة (322): يجب العشر في العسل

- ‌مسألة (323): ما زاد على نصاب الأثمان يجب فيه بحسابه

- ‌مسألة (324): يضمُّ الذَّهب إلى الفضَّة في إكمال النِّصاب

- ‌مسألة (325): لا تجب الزَّكاة في الحلي المباح

- ‌مسألة (326): الدَّين يمنع وجوب الزَّكاة الأموال الباطنة، وهل

- ‌مسألة (327): تجب الزَّكاة في عروض التِّجارة، يخرجها عن كلِّ

- ‌مسألة (328): الواجب في المعدن ربع العشر

- ‌مسألة (329): تجب صدقة الفطر على الإنسان عن غيره

- ‌مسألة (330): لا تلزمه فطرة عبده الكافر

- ‌مسألة (331): لا يعتبر ملك النِّصاب في الفطرة

- ‌مسألة (332): تجب صدقة الفطر بغروب الشَّمس من ليلة الفطر

- ‌مسألة (333): يجوز تقديم الفطرة بيوم أو يومين

- ‌مسألة (334): لا يجزئ في الفطرة أقلِّ- من صاعٍ

- ‌مسألة (335): يجوز إخراج الدَّقيق والسَّويق على أنَّه أصلٌ لا قيمة

- ‌مسألة (336): يجوز إخراج الأقط على أنَّه أصلٌ

- ‌مسألة (337): الصَّاع خمسة أرطال وثلث

- ‌مسألة (338): إذا امتنع ربُّ المال من أداء الزَّكاة أخذت من ماله

- ‌مسألة (339): إذا امتنع من أداء الزَّكاة مع اعتقاد وجوبها، استتيب

- ‌مسألة (340): يجوز تعجيل الزَّكاة قبل الحول

- ‌فصلٌ (341)فإنَّ عجَّل زكاة عامين جاز

- ‌مسألة (342): يجوز صرف الزَّكاة إلى صنفٍ واحدٍ

- ‌مسألة (343): لا يجوز نقل الزَّكاة إلى بلد تقصر فيه الصَّلاة

- ‌مسألة (344): يجوز للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها

- ‌مسألة (345): لا يجوز دفع الزَّكاة إلى موالي بني هاشم، خلافًا

- ‌مسألة (346): المانع من أخذ الزَّكاة أن يكون له كفايةٌ على الدَّوام

- ‌مسألة (347): لا يجوز لمن يقدر على الكفاية بالكسب أخذ الصَّدقة

- ‌مسألة (348): حكم المؤلَّفة باقٍ

- ‌مسألة (349): يعطى الغازي مع الغِنَى

- ‌مسألة (350): الحجُّ من السَّبيل، فيجوز دفع الزَّكاة فيه

- ‌مسألة (351): الزَّكاة إذا وجبت في الحياة لم تسقط بالموت

-

- ‌كتاب الصَّيام

- ‌مسألة (352): لا يجوز صوم رمضان بنيَّة من النَّهار

- ‌مسألة (353): يصحُّ صوم التَّطوُّع بنيَّةٍ من النَّهار

- ‌مسألة (354): إذا حال دون مطلع الهلال غيمٌ أو قَتَرٌ (5) ليلة الثَّلاثين

- ‌مسألة (355): يكره صوم يوم الشَّكِّ

- ‌مسألة (356): يجب صوم رمضان بشاهدٍ واحدٍ

- ‌مسألة (357): إذا رأى الهلال أهل بلدٍ لزم جميع البلاد الصَّوم

- ‌مسألة (358): يجب على المطاوعة على الوطء في نهار رمضان كفَّارة

- ‌مسألة (359): كَفَّارة الجماع على التَّرتيب

- ‌مسألة (360): المتفرِّد برؤية الهلال إذا شمهد بالرُّؤية فردَّ الحاكم شهادته

- ‌مسألة (361): لا تجب الكفَّارة بالأكل والشُّرب

- ‌مسألة (362): إذا كل ناسيًا لم يبطل صَومُه

- ‌مسألة (363): لا تكره القبلة للصائم إذا كان ممَّن لا تحرِّك شهوته

- ‌مسألة (364): لا يكره السِّواك بعد الزَّوال للصائم، وهو قول أبي

- ‌مسألة (365): لا يكره الاغتسال للصَّائم في الحرِّ

- ‌مسألة (366): إذا اكتحل بما يصل إلى جوفه أفطر

- ‌مسألة (367): الحجامة تفطِّر الحاجم والمحجوم خلافًا لأكثرهم

- ‌مسألة (368): الفطر في السَّفر أفضل من الصَّوم، خلافًا لأكثرهم

- ‌فصلٌ (369): فإن صام في السَّفر

- ‌مسألة (370): إذا نوى الصَّوم ثمَّ سافر أبيح له أن يفطر، وبه قال

- ‌مسألة (371): إذا نوى بالليل ثُمَّ أغمي عليه قبل طلوع الفجر، فلم

- ‌مسألة (372): إذا أخَّر قضماء رمضان لغير عذرٍ حتَّى جاء رمضان

- ‌مسألة (373): إذا مات وعليه قضاء رمضان، فإنَّه يُطعَم عنه ولا

- ‌مسألة (374): لا يجب التَّتابع في قضاء رمضان

- ‌مسألة (375): إذا دخل في صوم التَّطوُّع لم يلزمه إتمامه، فإن أفطر لم

- ‌مسألة (376): إذا نذر صيام يوم العيد، لم يصم، ويقضي، ويكفِّر

- ‌مسألة (377): يكره إفراد يوم الجمعة والسَّبت بالصِّيام إلا أن يوافق

- ‌مسألة (378): يكره إفراد رجب بالصَّوم، خلافًا لأكثر المتأخرين

- ‌مسألة (379): آكد ليلة يلتمس فيها ليلة القدر: ليلة سبع وعشرين

- ‌مسألة (380): يستحب أن يتبع رمضان بستٍّ من شوَّال

- ‌مسائل الاعتكاف

- ‌مسألة (381): لا يصحُّ الاعتكاف إلا في مسجدٍ تقام فيه الجماعة

- ‌مسألة (382): يصحُّ الاعتكاف بغير صومٍ وبالليل وحده

- ‌مسألة (383): إذا اشترط في اعتكافه الخروج إلى القُرَب- كعيادة

-

- ‌كتاب الحج

- ‌مسألة (384): من شروط وجوب الحجِّ: الزَّاد والرَّاحلة

- ‌مسألة (385): إذا كان للمعضوب مال، لزمه أن يستنيب من يحجُّ

- ‌مسألة (386): يجوز لمن لا مال له أن يستنيب في الحجِّ، ويقع عن

- ‌مسألة (387): لا يسقط الحجُّ والزَّكاة بالموت

- ‌مسألة (388): لا يسقط الحجُّ بكون البحر بينه وبين مكَّة، إذا كان

- ‌مسألة (389): من عليه فرض الحجِّ لا يصحُّ أن يحجَّ عن غيره

- ‌مسألة (390): فإذا أحرم الصَّرُورَة بحجَّة نفلٍ انعقدت عن فرضه

- ‌مسألة (391): يصحُّ إحرام الصَّبي، وعليه الكفَّارة بالمحطورات

- ‌مسألة (392): يجب الحجُّ على الفور

- ‌مسألة (393): الأفضل أن يحرم من الميقات

- ‌مسألة (394): يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيَّب

- ‌مسألة (395): الأفضل أن يحرم عقيب ركعتين

- ‌مسألة (396): لا تستحب الزِّيادة على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مسألة (397): يقطع الحاج التَّلبية عند رمي جمرة العقبة

- ‌مسألة (398): ويقطع المعتمر التَّلبية إذا شرع في الطَّواف

- ‌مسألة (399): العمرة واجبةٌ

- ‌مسائل التَّمتع

- ‌مسألة (400): التَّمتع أفضل من الإفراد والقِران

- ‌مسألة (401): الأفضل أن يحرم المتمتِّع بالحجِّ يوم التَّروية

- ‌مسألة (402): المتمتع إذا ساق الهدي لم يجز له أن يتحلَّل، ولكن إذا

- ‌مسألة (403): يجوز فسخ الحجِّ إلى العمرة إذا لم يسق الهديَّ، خلافًا

- ‌مسائل الإحرام

- ‌مسألة (404): لا يجوز للمحرمة ليس القفَّازين

- ‌مسألة (405): لا ينقطع حكم الإحرام بالموت

- ‌مسألة (406): يجوز للرَّجل ستر وجهه في الإحرام

- ‌مسألة (407): إذا عدم الإزار وليس السَّراويل فلا فدية عليه (2)

- ‌فصلٌ (408): فإذا عدم النَّعلين ولبس الخفَّين

- ‌مسألة (409): لا يجوز لبس الخفِّ المقطوع من أسفل الكعب مع

- ‌مسألة (410): لا يجوز له تظليل المحمل، فإن ظلَّل ففي الفدية

- ‌مسألة (411): إذا ادَّهن بالشَيْرَج (1) والزَّيت فلا فدية عليه

- ‌مسألة (412): يجوز للمحرها لبس المعصفر

- ‌مسألة (413): لا يجوز للمحرم لبس ثوبٍ مبخَّرٍ

- ‌مسألة (414): لا تلزمه الفدية بشمِّ شيءٍ من الرَّياحن

- ‌مسألة (415): إذا غسل المحرم رأسه بالسِّدر والخطميِّ فلا فدية

- ‌مسألة (416) لا يصحُّ أن يعقد المحرم عقد النِّكاح

- ‌مسألة (417): إذا أفسد الحجَّ والعمرة لزمه المضي في فاسدهما

- ‌مسألة (418): يجب الجزاء بقتل الصَّيد خطأ

- ‌مسألة (419): بيض النَّعام مضمونٌ

- ‌مسألة (420): الدَّال على الصَّيد يلزمه الجزاء إذا كان محرمًا

- ‌مسألة (421): ما لا يؤكل لحمه، ولا هو متولِّدٌ ممَّا يؤكل لحمه

- ‌مسألة (422) إذا اشترك جماعة مُحْرِمُون في قتل صيدٍ، فعليهم جزاءٌ

- ‌مسألة (423): يحرم على المحرم أكل ما صيد لأجله

- ‌مسألة (424): شجر الحرم مضمونٌ، خلافًا لداود

- ‌مسألة (425): صيد المدينة وشجرها محرَّمٌ

- ‌مسألة (426): ويضمن صيد المدينة بالجزاء

- ‌مسألة (427): مكَّة أفضل البلاد

- ‌مسألة (428): لا تكره المجاورة بمكَّة

- ‌مسائل الطَّواف

- ‌مسألة (429): السُّنَّة أن يستلم الرُّكن اليماني في طوافه

- ‌مسألة (430): يسنُّ تقبيل ما يُستلم به الحجر

- ‌مسألة (431): لا يصحُّ طواف المحدث والنَّجس

- ‌مسألة (432): إذا ترك الحجر في طوافه لم يجزه، خلافًا لأبي حنيفة

- ‌مسألة (433): لا تكره القراءة في الطَّواف

- ‌مسألة (434): لا يكره تلفيق الأسابيع

- ‌مسألة (435): السَّعي ركنٌ لا ينوب عنه الدَّم

- ‌مسألة (436): يجزى القارن طوافٌ واحدٌ وسعيٌ واحدٌ

- ‌مسألة (437) طواف الوداع واجبٌ، يلزمه بتركه دمٌ، خلافًا لمالك

- ‌مسألة (438): فإن طاف ولم يعقبه الخروج لزمته الإعادة

- ‌مسائل الوقوف

- ‌مسألة (439): وقت الوقوف من طلوع الفجر الثَّاني من يوم عرفة إلى

- ‌مسألة (440): إذا دفع من عرفات قبل غروب الشَّمس فعليه دمٌ

- ‌مسألة (441): يجوز الدَّفع من مزدلفة بعد نصف الليل

- ‌مسألة (442): فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دمٌ

- ‌مسائل التَّحلل

- ‌مسألة (443): يجوز رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل من ليلة النَّحر

- ‌مسألة (444): لا يجوز الرَّمي إلا بالحجارة

- ‌مسألة (445): ولا يرمى بحجرٍ قد رُمي به

- ‌مسألة (446): إذا نكَّس الرَّمي، فرمى جمرة العقبة، ثُمَّ الوسطى

- ‌مسألة (447) في النَّفر الأوَّل خطبةٌ

- ‌مسألة (448): إذا ترك المبيت بمنى ليالي منى، لزمه دمٌ

- ‌مسألة (449): لا يجزئه في التَّحلُّل حلق بعض الرَّأس

- ‌مسائل الإحصار

- ‌مسألة (450): يجب على المحصر إذا ذبح أن يحلق

- ‌مسألة (451): يجوز للمتمتع والقارن أن يقدِّما الحلاق على الذَّبح

- ‌مسألة (452): يجب الهدي في حقِّ المحصر

- ‌مسألة (453): ويذبح الهدي حيث أحصر

- ‌مسألة (454): إذا أحصر في حجِّ التَّطوُّع لم يلزمه القضاء

- ‌مسألة (455): إذا شرط أنَّه متى مرض تحلَّل، أو إن حصره عدو

- ‌مسألة (456): المحصر بالمرض لا يباح له التَّحلُّل، إلا أن يكون قد

- ‌مسألة (457): لا يجوز للمرأة أن تَحجَّ من غير محرمٍ

- ‌مسألة (458): ولا فرق بين قليل السَّفر وطويله

- ‌مسائل الفوات

- ‌مسألة (459): إذا فاته الحجُّ انقلب إحرامُه إحرامَ عمرة

- ‌مسائل الهدي

- ‌مسألة (460): إشعار البُدْن وتقليدها سنَّة

- ‌مسألة (461): وصفة الإشعار: شقُّ صفحة سنامها الأيمن

- ‌مسألة (462): يسنُّ تقليد الغنم

- ‌مسألة (463): يجوز النَّحر في جميع الحرم

- ‌مسألة (464): لا يؤكل من الدِّماء الواجبة، إلا من هدي التَّمتُّع

- ‌مسألة (465): إذا نذر بدنة وأطلق، فهو مخيَّرٌ بين الجزور والبقرة

- ‌مسألة (466): يجوز أن يشترك سبعة في بدنة وبقرة على الإطلاق

- ‌مسائل الأضاحي

- ‌مسألة (467): الأضحية سنَّةٌ

- ‌مسألة (468): يكره لمن أراد أن يضحِّي إذا دخل العشر أن يحلق

- ‌مسألة (469): الأفضل في الأضاحي الإبل، ثُمَّ البقر، ثُمَّ الغنم

- ‌مسألة (470): لا يجوز أن يُضحِّي بعضباء القرن والأذن

- ‌مسألة (471): لا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة الإمام، ويجوز

- ‌مسألة (472): لا يجوز بيع جلود الأضاحي

- ‌مسألة (473): العقيقة مستحبةٌ

- ‌مسألة (474): والمستحب شاتان عن الغلام، وشاةٌ عن الجارية

الفصل: ‌مسألة (400): التمتع أفضل من الإفراد والقران

‌مسائل التَّمتع

‌مسألة (400): التَّمتع أفضل من الإفراد والقِران

.

وقال أبو حنيفة: القِران أفضل.

وقال مالك والشَّافعيُّ: الإفراد أفضل.

والأحاديث التي يحتجُّ بها قسمان:

أحدها: ما يدلُّ على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع.

والثَّاني: يدلُّ على أنَّه أمر بالتمتع.

فأمَّا القسم الأوَّل: ففيه أربعة أحاديث:

2089 -

الحديث الأوَّل: قال البخاريُّ: حدَّثنا قتيبة بن سعيد ثنا حجَّاج بن محمَّد الأعور (1) عن عمرو بن مرَّة عن سعيد بن المسيَّب قال: اختلف عليٌّ وعثمان- وهما بعُسفان- في المتعة، فقال له عليٌّ: ما تريد أن تنهى

عن أمرٍ فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال له عثمان: دعنا عنك. ولمَّا رأى ذلك عليٌّ أهلَّ بهما جميعًا (2).

أخرجاه في "الصَّحيحين"(3).

(1) في هامش الأصل: (سقط: " عن شعبة ").

(2)

"صحيح البخاري": (2/ 396)؛ (فتح- 3/ 423 - رقم: 1569) مع اختلاف في اللفظ.

(3)

"صحيح مسلم": (4/ 46)؛ (فؤاد- 2/ 897 - رقم: 1223).

ص: 433

ز: هذا الحديث لمن قال بالقِران، فإنَّ عليًّا أهلَّ- بالحجِّ والعمرة جميعًا، والتَّّمتُّع في عرف أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم يدخل فيه القِران، ويدخل فيه التمتع الخاص، ولم يحجّ النبيُّ-صلى الله عليه وسلم متمتعًا التمتع الخاص، لأنَّه لم يحلَّ من عمرته، بل المقطوع به أنَّه قرن بين الحجِّ والعمرة، لأنَّه قد ثبت عنه أنَّه اعتمر أربع عُمر، وأنَّ العمرة الرَّابعة كانت مع حجَّته، وقد ثبت عنه أنَّه لم يحلَّ منها قبل الوقوف بقوله:" لولا أنَّ معي الهدي لأحللت "، وثبت أنَّه لم يعتمر بعد الحجِّ، فإنَّ ذلك لم ينقله أحدٌ عنه، وإنَّما اعتمر بعد الحجِّ عائشةُ وحدها، فتحصَّل من مجموع ذلك أنَّه كان قارنًا، وعلى هذا تجتمع جميع أحاديث الباب، والله أعلم O.

2090 -

الحديث الثاني: قال البخاريُّ: حدَّثنا يحيى بن بُكير ثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنَّ ابن عمر قال: تمتَّع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع بالعمرة الى الحجِّ وأهدى، فساق معه الهديَّ من ذي الحُليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهلَّ بالعمرة، ثُمَّ أهلَّ بالحجِّ، فتمتع النَّاس مع

رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحجِّ، فكان من النَّاس من أهدى فساق الهدي، ومنهم من لم يهد، فلمَّا قدم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مكَّة قال للنَّاس:" من كان منكم أهدى فإنَّه لا يحلُّ لشيء (1) حرم منه حتَّى يقضي حجَّه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصَّفا والمروة، وليقصِّر وليحلل، ثُمَّ ليهلُّ بالحجِّ "(2).

أخرجاه في "الصَّحيحين"(3).

2091 -

الحديث الثَّالث: قال التِّرمذيُّ: حدَّثنا قتيبة عن مالك بن

(1) كتب فوقها في الأصل و (ب): (كذا)، وفي هامش الأصل:(الصواب: " من شيء ") أ. هـ وهو موافق لما في مطبوعة "التحقيق"، ونسخ البخاري فيها الوجهان كما في " اليونينية " و" إرشاد الساري " للقسطلاني:(3/ 215).

(2)

"صحيح البخاري": (2/ 425 - 426)؛ (فتح- 3/ 539 - رقم: 1691).

(3)

"صحيح مسلم": (4/ 49)؛ (فؤاد- 2/ 901 - رقم: 1227).

ص: 434

أنس عن ابن شهاب عن محمَّد بن عبد الله بن نوفل أنَّه سمع سعد بن أبي وقَّاص يذكر التَّمتع بالعمرة فقال: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناه معه (1).

انفرد بإخراجه مسلم (2).

ز: محمَّد بن عبد الله هو: ابن الحارث بن نوفل- أخو إسحاق وعبد الله-، ذكره ابن حِبَّان في "الثِّقات"(3)، وروى له التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ هذا الحديث الواحد (4)، ولم يخرِّجه مسلمٌ من طريقه، والله أعلم.

وقد سئل عنه الدَّارَقُطْنِيُّ فقال: يرويه مالكٌ وأصحاب الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ عن محمَّد أنَّه سمع سعد بن أبي وقَّاص والضَّحَّاك بن قيس وهما يذكران التَّمتع.

ورواه روح بن عبادة عن مالك عن الزُّهريِّ، فقال فيه: أنَّه سمع سعدًا والضَّحَّاك بن سفيان.

ووهم فيه روح، والصَّواب: الضَّحَّاك بن قيس.

وأرسله ابن عيينه عن الزُّهريِّ عن سعدٍ (5).

2092 -

الحديث الرَّابع: قال الإمام أحمد: حدَّّثنا يونس بن محمَّد ثنا

(1)"الجامع": (2/ 175 - رقم: 823) وقال: (هذا حديث صحيح).

(2)

في هامش الأصل: (حـ: لم يروه مسلم من رواية محمَّد) أ. هـ

ولكن خرج من طريق سليمان التيمي عن غنيم بن قيس قال: سألت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن المتعة، فقال: فعناها وهذا يومئذ كافرٌ بالعرش. يعني بيوت مكة. (3/ 47)؛ (فؤاد- 2/ 898 - رقم: 1225).

(3)

"الثقات": (5/ 355).

(4)

"سنن النسائي": (5/ 152 - رقم: 2734).

(5)

"العلل": (4/ 392 - 393 - رقم: 651).

ص: 435

عبد الواحد بن زياد ثنا ليث عن طاوس عن ابن عبَّاس قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى مات، وأبو بكر حتَّى مات، [وعمر حتَّى مات،](1) وعثمان حتَّى مات، وكان أوَّل من نهى عنها معاوية. قال ابن عبَّاس: فعجبت منه وقد حدَّثني أنَّه قصر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقصٍ! (2).

ز: رواه التِّرمذيُّ عن محمَّد بن مثنَّى عن ابن إدريس عن ليث- وهو ابن أبي سُليم (3) -، وقد تقدَّم الكلام عليه غير مرَّةٍ (4) O.

القسم الثَّاني: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالتَّمتع، وفيه عشرة أحاديث: 2093 - الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق أنا الثَّوريُّ عن قيس بن مسلم عن طارق بن شِهاب عن أبي موسى الأشعريِّ قال:

بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومي، فلمَّا حضر الحجُّ حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم

وحججت، فقدمت عليه وهو نازلٌ بالأبطح، فقال لي:" بما أهللت، يا عبد الله ابن قيس؟ " قال: قلت: لبيك بحجٍّ كحجِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " أحسنت ".

ثُمَّ قال: " هل سقت هديًا؟ " قلت: ما فعلتُ. قال: " اذهب فطف بالبيت، وبين الصَّفا والمروة، ثُمَّ احلل ". فانطلقت ففعلت ما أمرني، وأتيت امرأةً من قومي فغسلت رأسي بالخطمي وفلَّته، ثُمَّ أهللت بالحجِّ يوم التَّروية (5).

أخرجاه في "الصَّحيحين"(6).

(1) زيادة من (ب) و"التحقيق" و"المسند".

(2)

"المسند": (1/ 292).

(3)

"الجامع": (2/ 174 - رقم: 822).

(4)

انظر ما تقدم: (3/ 348).

(5)

"المسند": (4/ 393).

(6)

"صحيح البخاري": (2/ 393)؛ (فتح- 3/ 416 - رقم: 1559).

"صحيح مسلم": (4/ 45)؛ (فؤاد- 2/ 895 - رقم: 1221).

ص: 436

2094 -

الحديث الثَّاني: قال أحمد: حدَّثنا يحيى بن آدم ثنا زهير (1) ثنا أبو الزُّبير عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلِّين بالحجِّ، فلمَّا قدمنا مكَّة طفنا بالبيت، وبالصَّفا والمروة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من لم يكن معه هديٌ فليحلل ". قلنا: أيُّ الحلِّ؟ قال: " الحلُّ كلُّه ". قال: فأتينا النِّساء،

ولبسنا الثِّياب، ومسسنا الطِّيب؛ فلمَّا كان يوم التَّروية أهللنا بالحجِّ (2).

أخرجاه في "الصَّحيحين"(3).

2095 -

الحديث الثَّالث: قال أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عبَّاس قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحجِ من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرَّم صفر، ويقولون: إذا برأ

الدَّبَر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلَّت العمرة لمن اعتمر. فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبيحة رابعة، مهلِّين بالحجِّ، فأمرهم أن يجعلوها عمرةً، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله، أيُّ الحلِّ؟ قال:" الحِلُّ كلُّه "(4).

أخرجاه في " الصَّحيحين (5).

2096 -

الحديث الرَّابع: قال أحمد: حدَّثنا سهل بن يوسف عن حميد عن (6) بكر عن ابن عمر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلبَّى بالحجِّ ولبَّينا معه،

(1) في هامش الأصل: (حـ: رواه مسلم وحده من طريق زهير عن أبي الزبر) أ. هـ

(2)

"المسند": (3/ 292).

(3)

"صحيح مسلم": (4/ 36)؛ (فؤاد- 2/ 882 - رقم: 1213).

وانظر ما تقدم في التعليق قبل السابق.

(4)

"المسند": (1/ 252).

(5)

"صحيح البخاري": (2/ 395)؛ (فتح- 3/ 422 - رقم: 1564).

"صحيح مسلم": (4/ 56)؛ (فؤاد- 2/ 909 - رقم: 1240).

(6)

في مطبوعة "المسند": (بن) خطأ.

ص: 437

فلمَّا قدم أمر من لم يكن معه الهديَّ أن يجعلوها عمرة (1).

أخرجاه في "الصَّحيحين"(2).

2097 -

الحديث الخامس: قال البخاريُّ: حدَّثنا عثمان ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا أنَّه الحجُّ، فلمَّا قدمنا تطوَّفنا بالبيت فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهديَّ أن يحلَّ، فحلَّ من لم يكن ساق الهديَّ، ونساؤه لم يسقن

فأحللن (3).

أخرجاه في "الصَّحيحين"(4).

2098 -

الحديث السَّادس: قال أحمد: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدَّثني نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة بنت عمر قالت: لمَّا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه أن يحللن بعمرة، قلت: فما يمنعك يا رسول الله، أن تحلَّ معنا؟ قال:" إنِّي أهديتُ ولبَّدت، فلا أحلُّ حتَّى أنحر هدي "(5).

أخرجاه في "الصَّحيحين"(6).

(1)"المسند": (2/ 53).

(2)

"صحيح البخاري": (5/ 464)؛ (فتح- 8/ 70 - رقم: 4353).

"صحيح مسلم": (4/ 52)؛ (فؤاد- 2/ 905 - رقم: 1232).

(3)

"صحيح البخاري": (2/ 394)؛ (فتح- 3/ 421 - رقم: 1561).

(4)

"صحيح مسلم": (4/ 33)؛ (فؤاد- 2/ 877 - رقم: 1211).

(5)

"المسند": (6/ 285).

(6)

"صحيح البخاري": (3/ 395)؛ (فتح- 3/ 422 - رقم: 1566).

"صحيح مسلم": (4/ 50)؛ (فؤاد- 2/ 902 - رقم: 1229).

وفي هامش الأصل: (لم يخرجاه من حديث ابن إسحاق، إنما أخرجاه من طريق مالك وغيره عن نافع) ا. هـ

ص: 438

2099 -

الحديث السَّابع: قال أحمد: حدَّثنا ابن أبي عَدِيٍّ عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحجِّ صراخًا، حتَّى إذا طفنا بالبيت قال:" اجعلوها عمرةً إلا من كان معه هديٌ ".

قال: فجعلناها عمرةً، فحللنا، فلمَّا كان يوم التَّروية، صرخنا بالحجِّ، وانطلقنا إلى منى (1).

انفرد بإخراجه مسلمٌ (2).

2100 -

الحديث الثَّامن: قال أحمد: حدَّثنا روح ثنا أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكَّة وقد لبَّوا بحجِّ وعمرةٍ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما طافوا بالبيت وسعوا بين الصَّفا والمروة أن يحلُّوا، وأن يجعلوها عمرةً، فكأن القوم هابوا ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لولا إنِّي سقت الهديَ لأحللت ". فحلَّ القوم وتمتَّعوا (3).

ز: رواه النَّسائيُّ من حديث أشعث (4)، وهو حديثٌ حسنٌ O.

2101 -

الحديث التَّاسع: قال أحمد: حدَّثنا يونس ثنا فُليح عن نافع عن ابن عمر أنَّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم لبَّد رأسه وأهدى، فلمَّا قدم مكَّة أمر نساءه أن يحللن، قلن: مالك أنت لا تحلُّ؟ قال: " إنِّي قلَّدت هديي، ولبّدت رأسي، فلا أحلُّ حتَّى أحلَّ من حجّتي، وأحلق رأسي "(5).

ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة " من رواية

(1)"المسند": (3/ 5).

(2)

"صحيح مسلم": (4/ 59)؛ (فؤاد- 2/ 914 - رقم: 1247).

(3)

"المسند": (3/ 142).

(4)

"سنن النسائي": (5/ 225 - رقم: 2931).

(5)

"المسند": (2/ 124).

ص: 439

فُليح، وهو حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريِّ O.

2102 -

الحديث العاشر: قال أحمد: حدَّثنا عفَّان ثنا حمَّاد بن سلمة أنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أنَّه قال: قدم رسول الله-صلى الله عليه وسلم مكَّة وأصحابه مهلِّين بالحجِّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من شاء أن يجلعها عمرة إلا من كان معه الهديُ "(1).

ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب " الكتب الستة "، ورواته ثقاتٌ، وقد رواه أحمد عن روح وعفَّان كلاهما عن حمَّاد بن سلمة، ولم يذكر المؤلِّف الحديث بكماله، بل ذكر قطعةً منه.

2103 -

وقد رواه أبو يعلى الموصليُّ بغير هذا اللفظ فقال: حدَّثنا أبو خيثمة ثنا عفَّان ثنا حمَّاد قال: حدَّث حميد عن بكر عن ابن عمر قال: قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكَّة ملبِّين بالحجِّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها عمرةً إلا من كان معه الهَدْي ". قالوا: يا رسول الله، يغدوا أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيًّا؟ قال:" نعم ". فسطعت المجامر بالبطحاء: وقدم عليٌّ من اليمن، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" بما أهللت، فإنَّ معنا أهلك؟ " قال: أهللت بما أهلَ به رسول الله-صلى الله عليه وسلم. قال حميد: فأخبرت بذلك القوم وطاوس جالسٌ، فقال: هكذا كان الحديث (2) O.

فإن قال الخصم: فقد نقضتم أحاديثكم الأوائل بهذه الأواخر، لأنَّكم رويتم في الأوائل أنَّه تمتَّع، وفي الأواخر أنَّه تندَّم كيف ساق الهديَّ ولم يمكنه أن يفسخ؛ فأنتم بين أمرين: إمَّا أن تصحِّحوا الأوائل، فيبطل مذهبكم في فسخ الحجِّ

إلى العمرة؛ أو تصحِّحوا الأواخر، فيبطل احتجاجكم بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتَّع.

(1)"المسند": (2/ 28).

(2)

"مسند أبي يعلى": (10/ 59 - رقم: 5693).

ص: 440

قالوا: ثُمَّ نتكلَّم على أحاديثكم فنقول: أمَّا الأوائل: فمعارضة بالأواخر، وبما نذكره في حجَّتنا.

وأمَّا الأواخر: فإنَّه لم يأمر أصحابه بالفسخ لفضيلة التَّمتُّع، بل لأمرٍ آخر، وهو ما رويتم من حديث ابن عبَّاس أن َّأهل الجاهليَّه كانوا يرون العمرة في أشهر الحجِّ من أفجر الفجور، فأمر بفسخ الحجِّ إلى العمرة ليخالف المشركين.

واستدلّوا عليه:

2104 -

بما روى الإمام أحمد بن حنبل، قال: حدَّثنا [سريج](1) بن النُّعمان ثنا عبد العزيز بن محمَّد الدَّراورديُّ قال: أخبرني ربيعة (2) بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، فسخ

الحجِّ لنا خاصةً أم للنَّاس عامةً؟ قال: " بل لنا خاصةً "(3).

2105 -

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدثنا أحمد بن عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن عثمان بن حَكِيم ثنا أبو غسَّان ثنا قيس عن أبي حَصين عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه عن أبي ذرٍّ أنَّه سئل عن متعة الحجِّ فقال: هي والله لنا أصحاب محمَّدٍ خاصةً، وليست لسائر النَّاس إلا لمحصر (4).

والجواب: أنَّه إذا صحَّت الأحاديث فلا وجه لردِّها، وإنَّما ينبغي التَّمحُّل لها، ووجه الجمع بين الأحاديث: أنَّه كان قد اعتمر وتحلَّل من العمرة، ثُمَّ أحرم بالحجِّ وساق الهديَّ، ثُمَّ أمر أصحابه بالفسخ ليفعلوا مثل

(1) في (ب) غير منقوطة، وفي الأصل و"التحقيق":(شريح)، والتصويب من "المسند".

(2)

في مطبوعة "المسند": (ابن ربيعة) خطأ.

(3)

"المسند": (3/ 469).

(4)

"سنن الدارقطني": (2/ 241 - 242).

ص: 441

فعله، لأنَّهم لم يكونوا أحرموا بعمرةٍ، ومنعَه من فسخ الحجِّ إلى عمرةٍ ثانيةٍ: عمرتُه الأولى وسوقه الهدي.

فعلى هذا يجمع بين الأحاديث ولا يردُّ منها شيءٌ.

فإن قالوا: كيف يصحُّ هذا التَّأويل وإنَّما عَلَّلَ بسوق الهدي، لا بفعل عمرةٍ متقدَّمةٍ.

قلنا: ذكر إحدى العلَّتين دون الأخرى، وذلك جائزٌ.

وقولهم: إنَّما أمرهم بالفسخ لمخالفة الجاهليَّة.

قلنا: لو كان كذلك لم يفرِّق بين من ساق الهدي وبين من لم يسق، ثُمَّ إنَّه قد اعتمر في أشهر الحجِّ:

2106 -

ففي "الصَّحيحين" من حديث أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلَّها في ذي القعدة إلا التي مع (1) حجَّته (2).

ففعله هذا يكفي في البيان لأصحابه وللمشركين أنَّ العمرة تجوز في أشهر الحجِّ، فلم يحتج أن يأمر أصحابه بفسخ الحجِّ المحترم لذلك، وإنَّما فعل ذلك لأنَّه الأفضل.

وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فإنَّه لم يرد أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم فسخ لأجل ما كان المشركون يعتمدونه، وإنَّما ذكر حال الجاهليَّة.

وأمَّا حديث بلال: فقال أحمد: لا يثبت، ولا يرويه غير الدَّراورديُّ،

(1) في (ب): (في).

(2)

"صحيح البخاري": (3/ 447)؛ (فتح- 3/ 600 - رقم: 1780).

"صحيح مسلم": (4/ 60)؛ (فؤاد- 2/ 916 - رقم: 1253).

ص: 442

ولا يصحُّ حديثٌ في أنَّ الفسخ كان لهم خاصةً (1).

وقال: وحديث أبي ذرٍّ يرويه رجلٌ (2) من أهل الكوفة لم يلق أبا ذرٍّ (3).

ثُمَّ (4) إنَّه ظنٌّ من أبي ذرٍّ، يدلُّ عليه حديث ابن عبَّاس أنَّ العمرة قد دخلت في الحجِّ، وفي حديث جابر أنَّ سراقة قال: ألعامنا أم للأبد؟ فقال: " بل للأبد ". يريد أنَّ حكم الفسخ باقٍ على الأبد.

ز: حديث الحارث بن بلال عن أبيه: رواه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) وابن ماجة (7) من حديث الدَّراورديِّ عن ربيعة.

وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: تفرَّد به ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن عن الحارث عن أبيه، وتفرَّد به عبد العزيز الدَّراورديُّ عنه (8).

والحارث هذا: ليس بالمشهور، ولا نعلم روى عنه غير ربيعة.

قال الإمام أحمد بن حنبل: حديث بلال بن الحارث عندي ليس يثبت، ولا أقول به، ولا يُعرف هذا الرَّجل - يعني الحارث بن بلال-.

وقال: أرأيت لو عُرف الحارث بن بلال إلا أنَّ أحد عشر رجلاً من

(1) انظر: "المسائل" لعبد الله بن أحمد: (2/ 693 - 694 - رقم: 934)؛ " شرح العمدة " لابن تيية: (1/ 517 - كتاب الحج).

(2)

في هامش الأصل: (حـ: هو مُرَقُع الأسَيْدِيُّ، وثَّقه ابن حِبَّان) ا. هـ

(3)

انظر: "المغني" لابن قدامة: (5/ 254)؛ " شرح العمدة ": (1/ 494).

(4)

لا ندري هل هذا من تتمة كلام الإمام أحمد أم هو من كلام ابن الجوزي؟

(5)

"سنن أبي داود": (2/ 448 - رقم: 1804).

(6)

"سنن النسائي": (5/ 179 - رقم: 2808).

(7)

"سنن ابن ماجة": (2/ 994 - رقم: 2984).

(8)

" أطراف الغرائب والأفراد " لابن طاهر: (2/ 283 - رفم: 1376).

ص: 443

أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يروون ما يروون من الفسخ، أين يقع الحارث بن بلال منهم؟

وقال في رواية أبي داود: ليس يصحُّ حديث في الفسخ كان لهم خاصةً، وهذا أبو موسى الأشعريُّ يفتي به في خلافة أبي بكرٍ وشطر من خلافة عمر (1).

وأمَّا حديث أبي ذرٍّ: فهو مخرَّجٌ في " الصحيح ":

2107 -

قال مسلمٌ: حدَّثنا سعيد بن منصور وأبو بكرٍ بن أبي شيبة وأبو كريب قالوا: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التَّيميِّ عن أبيه عن أبي ذرٍّ قال: كانت المتعة في الحجِّ لأصحاب محمَّد خاصةً (2).

هذا الحديث موقوفٌ على أبي ذرٍّ، وقد خالفه أبو موسى وابن عبَّاس وغيرهما.

وقد قيل: إنَّ وجوب الفسخ كان خاصًا بأصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأمَّا غيرهم فلا يجب عليه الفسخ، بل يجوز له، والله أعلم.

وأمَّا جمع المؤلِّف بين الأحاديث (بأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد اعتمر وتحلَّل من العمرة، ثُمَّ أحرم بالحجِّ وساق الهديَّ) فجمعٌ ضعيفٌ جدًّا.

وكذلك قول من قال: (أحرم بالحجِّ ثُمَّ أدخل عليه العمرة) ضعيفٌ أيضًا.

وكذلك قول من قال: (إنَّه أفرد الحجَّ، ثُمَّ لمَّا فرغ منه اعتمر) ضعيفٌ أيضًا، لأنَّ أحدًا لم يعتمر معه بعد الحجِّ إلا عائشة.

(1) الروايات السابقة عن أحمد أوردها المجد في "المنتقى": (4/ 330 - مع النيل).

(2)

"صحيح مسلم": (4/ 46)؛ (فؤاد- 2/ 897 - رقم: 1224).

ص: 444

وكذلك قول من قال: (إنَّه أحرم بالعمرة أولاً وساق الهدي، ثُمَّ أدخل عليها الحجَّ، ولم يتحلَّل، لأجل الهدي) ضعيفٌ أيضًا، وإن كان أقرب من غيره.

وكذلك قول من قال: (إنَّه كان قارنًا وطاف طوافن، وسعى سعيين) ضعيفٌ أيضًا.

وقد ذكرنا الدَّليل على تضعيف هذه الأقوال في غير هذا الموضع، والصَّواب أنَّه صلوات الله عليه كان قارنًا، أحرم بالحجِّ والعمرة جميعًا، وطاف لهما طوافًا واحدًا، وسعى سعيًا واحدًا.

2108 -

وقد روى الإمام أحمد (1) والبخاريُّ (2) وغيرهما عن عمر بن الخطَّاب قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو بوادي العقيق- يقول: " أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرةٌ في حجَّة ".

وهذا الآتي أتاه قبل أن يصل إلى الموضع الذي أحرم منه، وهو ذو الحليفة، والله أعلم O.

احتجَّ أصحاب أبي حنيفة بستَّة أحاديث:

2109 -

الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا هُشيم ثنا عبد العزيز بن صُهيب عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبِّي بالحجِّ والعمرة، يقول:" لبيك عمرةً وحجًّا "(3).

(1)"المسند": (1/ 24).

(2)

"صحيح البخاري": (2/ 387)؛ (فتح- 3/ 392 - رقم: 1534).

(3)

"المسند": (3/ 99).

ص: 445

أخرجاه في "الصَّحيحين"(1).

2110 -

طريقٌ آخر: قال أحمد: حدَّثنا روح بن عبادة ثنا شعبة عن يونس بن عُبيد عن أبي قدامة الحنفيِّ قال: قلت لأنس بن مالك: بأيِّ شيءٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلُّ؟ فقال: سمعته يقول سبع مرَّات: " بعمرةٍ وحجَّةٍ، بعمرةٍ وحجَّةٍ"(2).

ز: هذا الحديث لم يخرِّجه أحدٌ من أئمة " الكتب الستة " من حديث أبي قدامة عن أنس، والله أعلم O.

2111 -

طريقٌ آخر: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا ابن صاعد ثنا الحسين ابن الحسن المروزيُّ ثنا يزيد بن زُريع عن يونس بن عُبيد عن حُميد عن أنس أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " لبيك بحجَّةٍ وعمرةٍ معًا "(3).

ز: لم يخرجوه من حديث يونس عن حميد O.

2112 -

الحديث الثَّاني: قال الإمام أحمد: حدَّثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعيُّ أن يحيى بن أبي كثير حدَّثه عن عكرمة مولى ابن عبَّاس قال: سمعت ابن عبَّاس يقول: سمعت عمر بن الخطَّاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- وهو بالعقيق-: " أتاني الليلة آتٍ من ربي عز وجل؛ فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عُمرةٌ في حجَّةٍ ".

(1)"صحيح البخاري": (5/ 464)؛ (فتح- 8/ 70 - رقم: 4353) من رواية حميد عن بكر بن عبد الله عن أنس بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة وحج.

"صحيح مسلم": (4/ 59)؛ (فؤاد- 2/ 915 - رقم: 1251).

(2)

"المسند": (3/ 142).

(3)

" سنن الدراقطني ": (2/ 288).

ص: 446

قال الوليد: يعني ذا الحليفة (1).

انفرد بإخراجه البخاريُّ (2).

2113 -

الحديث الثَّالث: قال أحمد: وحدَّثنا سفيان عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي وائل قال: قال الصُّبي بن معبد: كنت نصرانيًّا فأسلمت، وأهللت بالحجِّ والعمرة، فسمعني زيد بن صُوْحان وسلمان بن ربيعة وأنا أهلُّ

بهما، فقالا: لهذا أضلُّ من بعير أهله! فكأنَّما حُمل عليَّ بكلمتهما جَبَلٌ، فقدمت على عمر فأخبرته، فأقبل عليهما فلامهما، ثُمَّ أقبل عَلَيَّ فقال: هديت لسنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم (3).

ز: رواه ابن ماجة من رواية ابن عيينة (4)، وأخرجه أبو داود (5) والنَّسائيُّ (6) من حديث منصور عن أبي وائل.

قال الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب "العلل": وهو حديثٌ صحيحٌ (7) O.

2114 -

الحديث الرَّابع: قال أحمد: وحدَّثنا أبو معاوية ثنا حجَّاج عن الحسن بن سعد عن ابن عبَّاس قال: أخبرني أبو طلحة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع (8) بين الحجِّ والعمرة (9).

(1)"المسند": (1/ 24).

(2)

"صحيح البخاري": (2/ 387)؛ (فتح- 3/ 392 - رقم: 1534).

(3)

"المسند": (1/ 25).

(4)

"سنن ابن ماجة": (2/ 989 - رقم: 2970).

(5)

"سنن أبي داود": (2/ 443 - رقم: 1795).

(6)

"سنن النسائي": (5/ 146 - رقم: 2719).

(7)

"العلل": (2/ 166 - رقم: 192).

(8)

في هامش الأصل: (صـ: تمتع) ولم يتبين لنا من كتب هذه الحاشية.

(9)

"المسند": (4/ 28).

ص: 447

ز: رواه ابن ماجة عن عليِّ بن محمَّد عن أبي معاوية (1)، وحجَّاج

هو: ابن أرطأة، والله أعلم O.

2115 -

الحديث الخامس: قال أحمد: وحدَّثنا يونس ثنا داود ابن

عبد الرَّحمن عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: اعتمر

رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر: عمرة الحديبية، وعمرة القضاء في ذي القعدة من

قابل، والثَّالثة من الجعرانة، والرَّابعة التي مع حجَّته (2).

ز: رواه أبو داود (3) والتِّرمذيُّ (4) وابن ماجة (5) من حديث داود.

ورواه أبو حاتم بن حِبَّان البستيُّ من رواية داود (6)، غير أنَّه جعله عن عمرو وعكرمة، وهو وهمٌ (7).

ورواه التِّرمذيُّ أيضًا عن سعيد بن عبد الرَّحمن عن ابن عيينة عن عمرو ابن دينار عن عكرمة أنَّ النَّبيَّ-صلى الله عليه وسلم .... مرسل (8).

وقال عليُّ بن عبد العزيز: ليس أحدٌ يقول في هذا الحديث: (عن ابن

(1)"سنن ابن ماجة": (2/ 990 - رقم: 2971).

(2)

"المسند": (1/ 246).

(3)

"سنن أبي داود": (2/ 519 - رقم: 1986).

(4)

"الجامع": (2/ 169 - رقم: 816)، وقال: حسن غريب.

(5)

"سنن ابن ماجة": (2/ 999 - رقم: 3003).

(6)

"الإحسان": (9/ 262 - رقم: 3946).

(7)

في هامش الأصل: (حاشية: قد قرأت نسختي من " صحيح ابن حبان "، وفيها: " عن عمرو عن عكرمة " كما في " السنن ") ا. هـ

والظاهر أن هذه الحاشية ليست للمنقِّح، فهي إما من الناسخ أو من أحد المطالعين للكتاب، والله أعلم.

والذي في مطبوعة "الإحسان" موافق للصواب.

(8)

"الجامع": (2/ 170 - رقم: 816 م).

ص: 448

عبَّاس (إلا داود بن عبد الرَّحمن (1). وقال البخاريُّ: داود بن عبد الرَّحمن صدوق إلا أنَّه ربَّما يهم في الشيءِ (2) O.

2116 -

الحديث السَّادس: قال أحمد: وحدَّثنا مكيُّ بن إبراهيم ثنا داود بن يزيد قال: سمعت عبد الملك الزَّزَّاد يقول: سمعت النَّزَّال بن سَبْرة يقول: سمعت سراقة يقول: قرن رسول الله-صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع (3).

ز: داود بن يزيد: هو الأوديُّ، عمُّ عبد الله بن إدريس، وقد تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة، كالإمام أحمد (4) ويحيى بن معين (5) وأبي داود (6) وغيرهم. ولم يخرِّج هذا الحديث أحدٌ من أصحاب " السُّنن " من روايته.

وقد رواه أخوه إدريس بن يزيد عن عبد الملك بن ميسرة عن عطاء عن طاوس عن سراقة، والله أعلم O.

والجواب:

أمَّا حديث أنس: فجوابه من ثلاثة أوجه:

أحدها: أنَّّ أحاديثنا أصحُّ وأكثر، ورواتها أكابر الصَّحابة، مثل عليٍّ وسعد وابن عمر.

والثَّاني: أنَّ أنسًا كان صبيًّا حينئذٍ، فلعله ما فهم الحال، يدلُّ على هذا

(1)"سنن البيهقي": (5/ 12).

(2)

"سنن البيهقي": (5/ 12).

(3)

"المسند": (4/ 175).

(4)

"العلل" برواية عبد الله: (1/ 534 - رقم: 1262)؛ و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (3/ 427 - رقم: 1943) من رواية صالح، وفيهما:(ضعيف الحديث).

(5)

"التاريخ" برواية الدوري: (4/ 28 - رقم: 2971).

(6)

" سؤالات الآجري ": (2/ 319 - رقم: 533).

ص: 449

أنَّ ابن عمر ردَّ عليه ما قال:

2117 -

فروى الجوزقيُّ في كتابه المخرَّج على "الصَّحيحين" من حديث بكر بن عبد الله قال: قال ابن عمر: ذهل أنس، إنَّما أهلَّ بالحجِّ.

والثَّالث: أنَّ قول أنس قد تأوَّله بعض العلماء، فقال: يحتمل أن يكون أنس سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّم بعض النَّاس.

وأمَّا حديث عمر: ففي بعض ألفاظ " الصَّحيح ": " عمرةٌ وحجَّةٌ "(1) واللفظ الذي ذكرتموه محمولٌ على معنى تحصيلهما جميعًا، لأنَّ عمرة المتمتع واقعةٌ في أشهر الحجِّ، وعلى هذا تحمل باقي الأحاديث.

وأمَّا حديث ابن عبَّاس: فقال التِّرمذيُّ: صحيحه موقوفٌ على عكرمة (2).

ز: لا يخفى على لبيب أنَّ جواب المؤلِّف هذا فيه خللٌ من وجوه عديدة، ولولا مخافة التَّطويل لذكرتها.

وقوله: (أنَّ أنسًا صبيًّا حينئذٍ) غلطٌ، فإنَّه كان بالغًا بالإجماع، بل كان ابن نحو من عشرين سنة، وكأنَّ المؤلِّف نسي قوله في مسألة الجهر:(لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يتصوَّر أن يصلِّي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يومًا من الدَّهر يجهر؟).

2118 -

وقد روى بكر عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبِّي بالحجِّ والعمرة جميعًا. قال بكر: فحدَّثت بذلك ابن عمر فقال: لبَّى بالحجِّ

(1)"صحيح البخاري": (9/ 570)؛ (فتح- 13/ 305 - رقم: 7343).

(2)

في هامش الأصل: (حـ: لم أر هذا في الترمذي، إنما روى الحديث متصلاً ومرسلاً) ا. هـ والمقصود تصحيح الترمذي للموقوف على عكرمة، وهو غير موجود أيضًا في مطبوعة "الجامع" ولا ذكره المزي في " التحفة ":(5/ 155 - رقم: 6168).

ص: 450

وحده. فلقيت أنسًا فحدَّثته بقول ابن عمر، فقال أنس: ما يعدونا (1) إلا صبيانًا! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لبَّيك عمرةً وحجًّا ".

متفقٌّ عليه (2)، وهذا لفظ مسلم O.

احتجَّ أصحاب الشَّافعيِّ بثلاثة أحاديث:

2119 -

الحديث الأوَّل: قال الإمام أحمد: حدَّثنا عبد الرَّحمن عن مالك عن عبد الرَّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد بالحجِّ (3).

انفرد بإخراجه مسلم (4).

2120 -

الحديث الثَّاني: قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا البغويُّ ثنا صلت بن مسعود ثنا عبَّاد بن عبَّاد ثنا عبد الله (5) عن نافع عن ابن عمر قال: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجِّ مفردًا (6).

2121 -

قال الدَّارَقُطْنِيُّ: وحدَّثنا ابن مخلد ثنا عليُّ بن محمَّد بن معاوية ثنا عبد الله بن نافع عن عبد الله (7) بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم

(1) كذا بالأصل، وفي (ب) غير منقوطة، وفي مطبوعة "صحيح مسلم":(تَعُدُّوننا).

(2)

"صحيح البخاري": (5/ 464)؛ (فتح- 8/ 70 - رقم: 4353).

"صحيح مسلم": (4/ 52)؛ (فؤاد- 2/ 905 - رقم: 1232).

(3)

"المسند": (6/ 36)؛ وفي (ب) و"التحقيق": (الحج).

(4)

"صحيح مسلم": (4/ 31)؛ (فؤاد- 2/ 875 - رقم: 1211).

(5)

في هامش الأصل: (ص: عبيد الله)، وهو كذلك في مطبوعتي "التحقيق" و" سنن الدارقطني "، وانظر ما يأتي في كلام المنقح.

(6)

"سنن الدارقطني": (2/ 238).

(7)

في مطبوعتي "التحقيق" و"سنن الدارقطني": (عبيد الله) والظاهر أنها خطأ، ولم يذكر المزي عبيد الله بن عمر في شيوخ عبد الله بن نافع، والله أعلم.

ص: 451

استعمل عتَّاب بن أسيد على الحجِّ فأفرد، ثُمَّ استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحجَّ، ثُمَّ حجَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سنة عشر فأفرد الحجَّ، ثم استخلف أبا بكر (1) فبعث عمر فأفرد الحجَّ، ثم استخلف عمر فبعث عبد الرَّحمن بن عوف فأفرد الحجَّ، ثُمَّ حصر عثمان فأقام عبد الله بن عبَّاس للنَّاس فأفرد الحجَّ (2).

2122 -

الحديث الثَّالث: قال أبو داود: حدَّثنا قتيبة ثنا الليث عن أبي الزُّبير عن جابر قال: أقبلنا مُهلِّين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجِّ مُفردًا (3).

والجواب:

أمَّا حديث عائشة: فجوابه من سبعة أوجه:

أحدها: أنَّه من أفراد مسلم، وقد روينا عنها في المتفق عليه ضدَّ هذا، وذلك مقدَّمٌ.

والثَّاني: أنَّ أحاديثنا أصحُّ وأكثر.

والثَّالث: أنَّ أحاديثنا تتضمَّن زيادةً، فهي أولى.

والرَّابع: أنَّه محمولٌ (4) على أنَّه أفرد أعمال العمرة عن أعمال الحجِّ، وكلذلك يفعل المتمتع.

والخامس: أنَّا نحمله على أنَّه لمَّا فرغ من عمرة أحرم بحجٍّ مفردٍ، ولم يضف إليه عمرةً أخرى.

(1) في هامش الأصل: (ص: أبو بكر)، وهو كذلك في مطبوعة "سنن الدارقطني".

(2)

"سنن الدارقطني": (2/ 239) باختصار كثير.

(3)

"سنن أبي داود": (2/ 435 - 436 - رقم: 1782).

(4)

في "التحقيق": (مأوَّل).

ص: 452

والسَّادس: أنَّا نقول: قد روي أنَّه أفرد أو قرن، وأنَّ الأحاديث تعارضت، فقد بقي لنا ما لا خلاف فيه: أنَّه أمر أصحابه بالفسخ للتَّمتُّع، وتأسَّف إذ لم يمكنه ذلك لسوق الهدي، فقال: " لو أنِّي استقبلت من أمري ما

استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ". ولولا أنَّ التَّمتُّع هو الأفضل لم يأمر به، ولم يتأسَّف عليه.

والسَّابع: أنَّه قد نقل أبو طالب عن أحمد أنَّه قال: كان هذا في المدينة - يعني ما نقل أنَّه أفرد-، فلمَّا وصل إلى مكَّة فسخ على أصحابه، وتأسَّف على التَّمتُّع، فدلَّ على أنَّه الأفضل، لأنَّه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا المعتمد عليه في جواب حديث جابر.

وأمَّا حديث ابن عمر: ففي إسناده عبد الله بن نافع، قال يحيى: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث (1).

وفيه عبد الله (2) بن عمر العُمريُّ، قال يحيى: ضعيف (3). وقال ابن حِبَّان: يستحق التَّرك (4).

ز: حديث ابن عمر من رواية عبَّاد بن عبَّاد: رواه مسلمٌ في "صحيحه"فقال:

2123 -

حدَّثنا يحيى بن أيوب وعبد الله بن عون الهلاليُّ قالا: ثنا عبَّاد ابن عبَّاد المهلبيُّ ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في رواية يحيى:

(1)"الضعفاء والمتروكون": (ص: 145 - رقم: 344) وانظر ما يأتي في كلام المنقح.

(2)

في "التحقيق": (عبيد الله) خطأ.

(3)

انظر ما تقدم (1/ 264).

(4)

"المجروحين": (2/ 7).

ص: 453

قال: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجِّ مفردًا.

وفي رواية ابن عون: أنَّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم أهلَّ بالحجِّ مفردًا (1).

كذا رواه من حديث عبَّاد عن عبيد الله، والمؤلِّف ساقه من طريق الدَّارَقُطْنِيُّ وقال فيه:(عن عبد الله) كذا وجدته في النُّسخة التي نقلت منها، والصَّواب ما رواه مسلم، وكذا وجدته في نسخةٍ أخرى، والله أعلم.

وأمَّا حديث ابن عمر من رواية ابن نافع:

2124 -

فروى التِّرمذيُّ عن قتيبة عن عبد الله بن نافع الصَّائغ عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أفرد الحجَّ، وأفرد أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم (2).

وعبد الله بن عمر العمريُّ قد تكلَّم فيه غير واحدٍ من الأئمة من قبل حفظه.

وأمَّا قول المؤلِّف: (وأمَّا حديث ابن عمر: ففي إسناده عبد الله بن نافع، قال يحيى: ليس بشيءٍ. وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث) فخطأٌ منه، فإنَّ الذي تكلَّم فيه يحيى والنَّسائيُّ هو عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وأمَّا

راوي هذا الحديث فهو الصَّائغ صاحب مالك، وقد روى له مسلمٌ في "صحيحه"(3)، ووثَّقه يحيى بن معين (4) والنَّسائيُّ (5)، وقد تكلَّم بعض

(1)"صحيح مسلم": (4/ 52)، (فؤاد- 2/ 904 - 905 - رقم: 1231).

(2)

"الجامع": (2/ 173 - رقم: 820 م).

(3)

"رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (1/ 395 - رقم: 874).

(4)

"التاريخ" برواية الدارمي: (ص: 153 - رقم: 532)؛ ورواية ابن طهمان: (ص: 116 - رقم: 373).

(5)

"تهذيب الكمال" للمزي: (16/ 210 - رقم: 3609).

ص: 454