الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ز: هذا الحديث رواه مسلمٌ في "صحيحه"(1)، وهو ظاهرٌ في الاستدلال، ولم يذكر المؤلِّف الجواب عنه.
وقد أجاب عنه أصحابنا بأن قالوا: إنَّما يدلُّ على أنهم لا يفطرون بقول كريبٍ وحده، ونحن نقول به، وإنَّما محلُّ الخلاف:(وجوب قضاء اليوم الأوَّل) وليس هو في الحديث O.
*****
مسألة (358): يجب على المطاوعة على الوطء في نهار رمضان كفَّارة
الجماع.
وعنه: لا يجب.
وعن الشَّافعيِّ كالرِّوايتن.
1730 -
قال الإمام أحمد بن حنبل: حدَّثنا عبد الرَّزاق أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن شهابٍ عن حميد بن عبد الرَّحمن أنَّ أبا هريرة حدَّثه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعن (2) أو يطعم ستين مسكينًا (3).
أخرجاه في "الصَّحيحين"(4).
(1)"صحيح مسلم": (3/ 126 - 127)؛ (فؤاد- 2/ 765 - رقم: 1087).
(2)
كلمة: (متتابعين) لم نرها في مطبوعة "المسند".
(3)
"المسند": (2/ 273).
(4)
هو بهذا الإسناد واللفظ المختصر عند مسلم: (3/ 139)؛ (فؤاد- 2/ 782 - 783 - =
قال أصحابنا: ووجه الاحتجاج: أنَّه علَّق التَّكفير بالفطر.
وليس قولهم هذا بمعتمد، فإنَّهم لا يقولون: إنَّ الكفَّارة تجب على كلِّ مفطرٍ، وإنَّما المراد بالإفطار في هذا الحديث: الإفطار بالجماع- على ما سيأتي بيانه في مسألة الإفطار بالأكل (1) -.
احتجُّوا:
بحديث الأعرابي:
1731 -
قال أحمد: ثنا سفيان عن الزُّهريِّ عن حميد بن عبد الرَّحمن (2) عن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: هلكتُ! قال: " وما أهلكك؟! " قال: وقعت على امرأتي في رمضان! قال: " أتجد رقبة؟ ".
قال: لا. قال: " أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ". قال: لا. قال: " تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ ". قال: لا. قال: " اجلس ". فأُتي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمرٌ- والعَرَق: المكتل الضَّخم- فقال: " تصدَّق بهذا ".
فقال: على أفقر منا؟! ما بين لابتيها أفقر منا! قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:" اطعمه أهلك "(3).
= رقم: 1111). وخرجه البخاري: (3/ 485، 486، 654؛ 7/ 88؛ 8/ 251، 269؛ 8/ 402، 428)؛ (فتح- 4/ 163، 172؛ 5/ 223؛ 9/ 513؛ 10/ 503، 552؛ 11/ 595، 596؛ 12/ 131 - الأرقام: 1936، 1937، 2600، 5368، 6087، 6164، 6709، 6710، 6711، 6821)، ومسلم:(3/ 138 - 139)؛ (فؤاد- 2/ 781 - 782 - رقم: 1111). من طرق أخرى عن الزهري به مطولاً، وسيورده المؤلف في حجة المخالفين.
(1)
المسألة: (361).
(2)
في مطبوعة "المسند": (عن الزهري عن عبد الرحمن) خطأ، وهو على الصواب في " أطراف المسند " لابن حجر:(7/ 159 - رقم: 9068).
(3)
"المسند": (2/ 241).
أخرجاه في "الصَّحيحين"(1).
وحجَّتهم أنَّه لم يأمر في حقِّ المرأة بشيءٍ.
وجواب هذا من عشرة أوجه:
أحدها: أنَّه استدلالٌ بالعدم، والعدم لا صيغة (2) له فيستدلُّ به.
والثَّاني: أنَّه يحتمل أنه يكون قد ذكر حكمها ولم ينقل.
والثَّالث: أنَّه إنَّما يجب البيان للسائل عن الحكم اللازم له، والمرأة لم تأته ولم تسأله، ولا سأله زوجها عنها، فلا يجب عليه البيان.
فإن قالوا: فقد بيَّن ما لم يسأل عنه في حديث العسيف:
1732 -
قال البخاريُّ: ثنا عليُّ بن عبد الله ثنا سفيان قال: حفظناه من الزُّهريِّ قال: أخبرني عبيد الله أنَّه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا: كنَّا عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقام رجلٌ فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله. فقام خصمه - وكان أفقه منه- فقال: اقض بيننا بكتاب الله وأْذَنْ لي. قال: " قل ". قال: إنَّ ابني كان عسيفًا على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاةٍ وخادمٍ، ثمَّ سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أنَّ على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرَّجم. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله جلَّ ذكره، المائة شاة والخادم ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلدُ مائةٍ وتغريب عامٍ، واغدُ يا أُنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها ". فغدا عليها فاعترفت، فرجمها (3).
(1) انظر العزو في الحاشية رقم: (4)، ص:(218).
(2)
في "التحقيق": (لا صبغة).
(3)
"صحيح البخاري": (8/ 434 - 435)؛ (فتح- 12/ 136 - 137 - رقمي: 6827 - 6828).
قلنا: هذا تبرُّعٌ منه، وله أن يتبرَّع وأن لا يتبرَّع، كما سئل عن ماء البحر، فقال:" هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ ميتته ".
ثمَّ الفرق بين حديث العسيف ومسألتنا من وجهين:
أحدهما: أنَّه أُخبر في حديث العسيف بما يوجب الحدَّ، والحدود حقٌّ لله عز وجل، يلزم الإمام استيفاؤها، والكفَّارة معاملة بين العبد وبين ربِّه، ولا نطر للإمام فيها.
والثَّاني: أنَّ الحدَّ في قصة العسيف مختلفٌ، فإنَّ المرأة كانت محصنةً وحَدُّها الرَّجم، وكان الزَّاني غير محصنٍ وحدُّه الجلد، فلمَّا اختلف البيان احتاج إل شرحه، بخلاف مسألتنا فإنَّ الحكم لا يختلف، فكان البيان للرَّجل بيانًا لها، وصار هذا كقوله تعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]، وألحقنا بها العبد في تنصيف الحدِّ، وهذا هو الجواب الرابع.
والخامس: أنَّ سكوته لا يدلُّ على سقوط الوجوب، فإنَّه لم يذكر له القضاء، ولا الغسل.
والسَّادس: أنَّه يجوز أن يكون سكت عنه لعارضٍ صرفه عن ذكره أو شغلٍ شغله.
والسَّابع: يحتمل أن يكون قد علم أنَّها ممن لا تلزمه الكفَّارة، لكونها حائضًا أو مريضةً أو مجنونةً أو ذمِّيَّةً، فالخبر قضيَّةٌ في عينٍ فهي محتملة.
والثَّامن: أنَّ الرسول - صعلم قبل قوله على نفسه بإقراره، ولم يقبل قوله عليها، كما في قضيَّة ماعز.
والتَّاسع: أنَّه لمَّا أمره بعتق رقبة فذكر فقره وفقر أهل بيته أسقط عنه
الكفَّارة لفقره، فلم يكن في ذكر كفَّارتها فائدة لفقرها.
والعاشر: أنَّه قد روي في بعض ألفاظ هذا الحديث: (هلكتُ وأهلكتُ). وفي قوله: (وأهلكتُ) تنبيهٌ (1) على أنَّه أكرهها، ولولا ذلك لم يكن مهلكًا لها، والمكرهة لا كفَّارة عليها.
1733 -
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق ثنا عبيد بن محمَّد ابن خلف ثنا أبو ثور ثنا معلَّى بن منصور ثنا سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ أخبره حميد بن عبد الرَّحمن أنَّه سمع أبا هريرة يقول: أتى رجلٌ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: هلكتُ وأهلكتُ! قال: " ما أهلكك؟ "(2) قال: وقعت على أهلي
…
فذكر الحديث (3).
فإن قالوا: قد قال أبو سليمان الخطَّابيُّ: المعلى بن منصور ليس بذاك في الحفظ (4)
قلنا: ما [عرفنا](5) أحدًا طعن في المعلَّى، ثمَّ قد روي لنا من طريقٍ آخر:
1734 -
قال الدَّارَقُطْنِيُّ: حدَّثنا النَّيسابوريُّ ثنا محمَّد بن عُزَيز قال: حدَّثني سلامة بن روح عن عُقيل عن الزُّهريِّ عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة قال: بينا أنا جالسٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجلٌ فقال: هلكتُ
(1) في "التحقيق": (بينة).
(2)
في "التحقيق": (ما أهلكت)!
(3)
"سنن الدارقطني": (2/ 209 - 210).
(4)
"معالم السنن": (3/ 271 - رقم: 2285).
(5)
في الأصل: (عرف)، والمثبت من (ب) و"التحقيق".
وأهلكتُ .... فذكر الحديث (1).
إلا أنَّ سلامة: فيه ضعفٌ.
ز: الإسناد الأوَّل: لا بأس به، ومعلَّى بن منصور: محتجٌّ به في "الصَّحيحين"(2).
والإسناد الثَّاني: مقاربٌ، وسلامة: متكلَّمٌ فيه، قال أبو حاتم الرَّازيُّ: ليس بالقويِّ (3). وقال أبو زرعة: ضعيفٌ، منكر الحديث (4).
وذكره ابن حِبَّان في كتاب "الثِّقات" وقال: مستقيم الحديث (5).
وقد ذكر البيهقيُّ هذه اللفظة وتكلَّم عليها، فقال: باب رواية من روى في هذا الحديث لفظةً لا يرضاها أصحاب الحديث.
1735 -
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدَّثني أبو أحمد الحسن بن علي
(1) روى ابن الجوزي هذه الرواية من طريق محمد بن ناصر قال: أنبأنا أبو غالب محمد بن الحسن الباقلاوي قال: أنبأنا أبو بكر البرقاني قال: حدثنا الدارقطني
…
وساق الحديث.
وإسناد ابن الجوزي هذا ليس هو الذي يروي به " سنن الدارقطنى ".
ولم نقف على هذه الرواية في "السنن"، وقد وقفنا عليها في " علل الدارقطني "- وهي من رواية البرقاني كما هو معلوم-:(10/ 237 - رقم:1988) بهذا الإسناد، ولكن ليس فيها زيادة) وأهلكت (محل البحث، ومما يؤكد صحة ما في مطبوعة "العلل" أن ابن خزيمة خرج الحديث في "صحيحه": (3/ 221 - رقم: 1949) من طريق محمد بن عزيز عن سلامة عن عقيل عن الزهري به ولم يذكر هذه الزيادة (وأهلكت) أيضًا، والله أعلم.
(2)
"التعديل والتجريح" للباجي: (2/ 739 - رقم: 671)؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/ 245 - رقم: 1604).
(3)
"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (4/ 301 - رقم: 1311).
(4)
المرجع السابق.
(5)
"الثقات": (8/ 300).
التَّميميُّ ثنا محمَّد بن المسيَّب الأَرْغِيانيُّ ثنا محمَّد بن [عُقبة](1) حدَّثني أبي، قال ابن المسيَّب: وحدَّثني عبد السَّلام- يعني: ابن عبد الحميد- أنا عمر والوليد، قالوا: أنا الأوزاعيُّ حدَّثني الزُّهريُّ ثنا حميد بن عبد الرَّحمن بن عوف قال: حدَّثني أبو هريرة قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله، هلكتُ وأهلكتُ! قال:" ويحك! وما شأنك؟ " قال: وقعت على أهلي في رمضان. قال: " فأعتق رقبة " .... وذكر الحديث.
ضعَّف شيخنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله هذه اللفظة: (وأهلكتُ) وحملها على أنَّها أدخلت على محمَّد بن المسيَّب الأَرْغِيانيِّ، فقد رواه أبو عليٍّ الحافظ عن محمَّد بن المسيَّب بالإسناد الأوَّل دون هذه اللفظة، ورواه العبَّاس عن محمَّد بن المسيِّب بالإسناد الأوَّل دون هذه اللفظة، ورواه العبَّاس بن الوليد عن عقبة بن علقمة دون هذه اللفظة، ورواه دحيم وغيره عن الوليد بن مسلم دونها، ورواه كافة أصحاب الأوزاعيِّ عن الأوزاعيِّ دونها، ولم يذكرها أحدٌ من أصحاب الزُّهريِّ عن الزُّهريِّ إلا ما روي عن أبي ثورٍ عن معلَّى بن منصور عن سفيان بن عيينة عن الزُّهريِّ.
وكان شيخنا يستدلُّ على كونها في تلك الرِّواية أيضًا خطأ= بأنَّه نظر في كتاب " الصَّوم " تصنيف: المعلَّى بن منصور- بخطٍّ مشهورٍ- فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة، وأنَّ كافة أصحاب سفيان رووه عنه دونها، والله أعلم (2) O.
*****
(1) في الأصل: (عتبة)، والتصويب من (ب) و"سنن البيهقي"، وهو محمَّد بن عقة بن علقمة البيروتي.
(2)
"سنن البيهقي": (4/ 227).