الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
22 - باب كَيْفَ كانَ إِخْراج اليَهُودِ من المَدِينَة
3000 -
حدثنا مُحَمَّد بْنُ يحيى بْنِ فارِسٍ أَنَّ الحَكَمَ بْنَ نافِعٍ حَدَّثَهُمْ قالَ، أَخْبَرَنا شعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ -وَكانَ أَحَدَ الثَّلاثَةِ الذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ- وَكانَ كَعْبُ بْن الأشرَفِ يهجُو النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَيُحَرِّض عَلَيهِ كُفّارَ قرَيْشٍ وَكانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ وَأَهْلها أَخْلاطٌ مِنْهُم المُسلِمونَ والمُشْرِكُونَ يَعْبدُونَ الأوثانَ واليَهودُ وَكانُوا يُؤْذُونَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحابَهُ فَأَمَرَ الله عز وجل نَبِيَّه بِالصَّبْرِ والعَفْوِ فَفِيهِم أَنْزَلَ الله:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآيَةَ فَلَمّا أَبَى كَعبُ بْنُ الأشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم سَعْدَ بْنَ مُعاذٍ أَنْ يَبْعَثَ رَهْطًا يَقْتُلُونَهُ فَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مسلَمَةَ، وَذَكَرَ قِصَّةَ قَتْلِهِ. فَلَمّا قَتَلُوهُ فَزِعَتِ اليَهودُ والمشْرِكُونَ فَغَدَوْا عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالُوا طُرِقَ صاحِبُنا فَقُتِلَ. فَذَكَرَ لَهُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الذي كانَ يَقُولُ وَدَعاهُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَة وَبَيْنَهُمْ كِتابًا يَنْتَهُونَ إِلَى ما فِيهِ، فَكَتَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ المُسْلِمِينَ عامَّةً صَحِيفَةً (1).
3001 -
حدثنا مُصَرِّفُ بْنُ عَمْرٍو الأيَاميُّ، حدثنا يُونُسُ -يَعْني ابن بُكَيْرٍ- قالَ: حدثنا مُحَمَّد بْن إِسْحاقَ، حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ أَبي محَمدٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: لمَّا أَصابَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدِمَ المَدِينَةَ جَمَعَ اليَهُودَ في سُوقِ بَني قَيْنُقاعَ فَقالَ: "يا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قُرَيْشًا" .. قالُوا: يا مُحَمَّد لا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أنَّكَ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كانُوا أَعمارًا لا يَعْرِفُونَ القِتالَ إِنَّكَ لَوْ قاتَلْتَنا لَعَرَفْتَ أنا نَحْنُ النّاسُ وَأنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنا. فَأَنْزَلَ الله عز وجل في ذَلِكَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} قَرَأَ
(1) رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 3/ 198.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(2654).
مُصَرِّف إِلَي قَوْلِهِ: {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} بِبَدْرٍ: {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} (1).
3002 -
حدثنا مُصَرِّفُ بْنُ عَمْرو، حدثنا يُونُسُ قالَ ابن إِسْحاقَ: حَدَّثَني مَوْلًى لِزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ حَدَّثَتْني ابنةُ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيها مُحَيِّصَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجالِ يَهُودَ فاقْتُلُوهُ" .. فَوَثَبَ مُحَيِّصَةُ عَلَى شَبِيبَةَ رَجُلٍ مِنْ تُجّارِ يَهُودَ كانَ يُلابِسُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكانَ حُوَيِّصَةُ إِذْ ذاكَ لَمْ يُسْلِمْ وَكانَ أَسَنَّ مِنْ مُحَيِّصَةَ فَلَمّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيِّصَةُ يَضْرِبُه وَيَقُولُ: يا عَدُوَّ اللهِ أَما والله لرُبَّ شَحْمٍ في بَطْنِكَ مِنْ مالِهِ (2).
3003 -
حدثنا قُتَيْبَةُ بْن سَعِيدٍ، أَخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قال: بَيْنا نَحْنُ في المَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ إِلَيْنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "انْطَلِقُوا إِلى يَهُودَ" .. فَخَرَجْنا مَعَهُ حَتَّى جِئْناهُمْ فَقامَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَناداهُمْ فَقال: "يا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا" .. فَقالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يا أَبا القاسِمِ. فَقالَ لهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا" .. فَقالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يا أَبا القاسِمِ. فَقالَ لَهُمْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَلِكَ أُرِيدُ" .. ثمَّ قالَها الثّالِثَةَ: "اعْلَمُوا أَنَّما الأَرْضُ لله وَرَسُولِهِ وإِنّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هذِه الأَرْضِ فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ وَإِلَّا فاعْلَمُوا أَنَّما الأرْضُ لله وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم"(3).
* * *
باب كيف إخراج اليهود من المدينة
[3000]
(حدثنا محمد بن يحيى بن فارس) بن ذؤيب الذهلي (أن
(1) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" 9/ 183، وفي "دلائل النبوة" 3/ 173 - 174.
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(524/ 1).
(2)
رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 3/ 200.
(3)
رواه البخاري (3467)، ومسلم (1765).
الحكم بن نافع [حدثهم قال]) أبو اليمان البهراني الحمصي (1). (أنبأنا شعيب) بن أبي حمزة دينار (2) القرشي (3). (عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه) قال المنذري: قوله: (عن أبيه) فيه نظر؛ فإن أباه عبد الله بن كعب ليس له صحبة، ولا هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، ويكون الحديث على هذا مرسلًا، ويحتمل أن يكون أراد بأبيه جده وهو كعب بن مالك قال: وقد سمع عبد الرحمن من جده فيكون الحديث على هذا مسندا. (وكان) كعب ابن مالك (4)(أحد الثلاثة) والآخران: مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي (5)(الذين تيب) أي: تاب الله (عليهم) وأنزل فيهم: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} (وكان كعب بن الأشرف) من طيء وأمه من بني النضير اليهودي (يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأصحابه في أشعاره التي ينشدها ويبكي أصحاب القليب الذين أصيبوا ببدر من قريش، (ويحرض عليه كفار قريش) وغيرهم أي: يحثهم على قتاله ومحاربته (6).
(وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة) لثلاث عشرة من ربيع (وأهلها) مبتدأ (أخلاط) بفتح الهمزة جمع خلط وأصله تداخل الأشياء بعضها
(1)"التقريب"(1464).
(2)
في (ر): ذبيان.
(3)
"تهذيب الكمال" 12/ 516.
(4)
"عون المعبود" 8/ 160.
(5)
في (ر): الرافعي، وانظر:"صحيح البخاري"(4418).
(6)
"المفهم" 11/ 148، و"تاريخ الطبري" 2/ 52.
في بعض أي: كانوا مختلطين (منهم المسلمون) والمشركون (و) كان (المشركون) هم الذين (يعبدون الأوثان) و (من) في قوله للتبعيض أي: بعض قليل [من أهل](1) المدينة مسلمون والباقي وهم الأكثرون مشركون ويهود، والأوثان جمع وثن وهو (2) كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض ومنذ الخشب والحجارة كصورة الآدمي يعمل فينصب ويعبد بخلاف الصنم فإنه صورة بلا جثة، وفي حديث عدي بن حاتم (3): قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: ألق (4) هذا الوثن عنك (5). (و) منهم (اليهود) والنصارى (وكانوا) يعني: اليهود الذين (يؤذون النبي - صلى الله عليه سلم -و) يؤذون (أصحابه) أشد الأذي ويعادونهم أشد عداوة كما قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر) على ذلك الأذى (والعفو) عنهم فيما له في خاصة نفسه عليهم من تبعة وفيما يحصل لك منهم (ففيهم أنزل الله) تعالى: ({وَلَتَسْمَعُنَّ}) وحذفت الواو التي قبل نون التوكيد؛ لأن ضمة العين التي قبلها تدل عليها (مِنَ) اليهود {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} قيل: المراد بهذا الجمع واحد وهو كعب بن الأشرف اليهودي الشاعر، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويشبب نساءهم حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله (6). كما
(1) و (2) سقط من (ر).
(3)
أخرجه الترمذي (3095).
(4)
جاء هنا في (ع): عنك.
(5)
وهذا من إطلاق الوثن على غير الصورة. راجع: "النهاية" لابن الأثير 5/ 328.
(6)
"تفسير السمعاني" 1/ 486، و"تفسير الطبري" 7/ 456.
سيأتي. (الآية) إلى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} . (فلما أبي كعب بن الأشرف أن ينزع) بكسر الزاي أي: يقلع (عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم) يقال: عزل السلطان عامله إذا عزله وأخرجه من الولاية، (أمر النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ) بن النعمان بن امرئ القيس الأنصاري (أن يبعث) إليه (رهطًا يقتلونه) (1) وفي الصحيحين (2) قال:"من لكعب بن الأشرف فقد آذى الله ورسوله"، (فبعث محمد بن مسلمة) بن خالد الأوسي بقتله، (وذكر قصة قتله) المشهورة في الصحيحين وغيرهما، وسببه إن كان قد استحق قتله، قال القرطبي: الذي يظهر لي أنه يقتل ولا يستتاب؛ لأن ذلك زندقة (3).
(فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون) على أنفسهم وأهليهم وأصحابهم حين سمعوا قتله (فغدوا) انطلقوا وأصله ما بين الصبح
(1) في (ر): يقتلوه.
(2)
البخاري (2510)، ومسلم (1801).
(3)
القرطبي قال هذا الكلام فيمن زعم أن كعب بن الأشرف قتل غدرا وسياق الكلام في الشرح غير ذلك، ولعل في الكلام سقطا وهذا هو سياق كلام القرطبي في "المفهم" 11/ 148: ولا يظن أحد: أنه قتل غدرًا. فمن قال ذلك قتل، كما فعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أن رجلًا قال ذلك في مجلسه، فأمر علي بضرب عنقه. وقال آخر في مجلس معاوية، فأنكر ذلك محمد بن مسلمة، وأنكر على معاوية سكوته، وحلف أن لا يظله وإيَّاه سقف أبدًا، ولا يخلو بقائلها إلا قتله. قلت: ويظهر لي: أنه يقتل، ولا يستتاب؛ لأن ذلك زندقة إن نسب الغدر للنبي صلى الله عليه وسلم. فأما لو نسبه للمباشرين لقتله بحيث يقول: إنهم أمنوه، ثم غدروه. لكانت هذِه النسبة كذبًا محضًا؛ لأنه ليس في كلامهم معه ما يدل على أنهم أمنوه، ولا صرحوا له بذلك، ولو فعلوا ذلك لما كان أمانًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وجههم لقتله لا لتأمينه، ولا يجار على الله، ولا على رسوله. انتهى كلام القرطبي أبي العباس.
وطلوع الشمس، ثم كثر حتى استعمل في الذهاب والانطلاق (1) ومنه:"واغد يا أنيس"(2)، أي: انطلق. (على النبي صلى الله عليه وسلم) أي: إليه، لكن لما كان قصدوا عليه بقول أو فعل استعمل بلفظة إلى (فقالوا: طرق) بضم الطاء وكسر الراء (صاحبنا) أي: أُتي إليه بالليل (فقتل) ولا يكون الطروق إلا بالليل، ولا يستعمل بالنهار إلا مجازا، وأصل الطروق من الطرق وهو الدق، وسمي الآتي بالليل طارقًا لحاجته إلى دق الباب (3).
(فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يقول) كعب بن الأشرف في حق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيه الاعتذار للكفار والأعداء تطييبًا لقلوبهم ودفعًا لشرورهم، ولا يكون هذا من المداهنة المنهي عنها.
قال القرطبي: في قولهم: إن الآيات الواردة في الأمر بالعفو والصفح ولين الخطاب أنه منسوخ بآية السيف المأمور فيها بالقتال حين وجدهم، الأظهر أن ذلك ليس بمنسوخ، فإن الجدال بالأحسن والمداراة أبدًا مندوب إليها، وإنه كان عليه السلام مع الأمر بالقتال يوادع اليهود ويداريهم ويصفح عن المنافقين، قال: وهذا بين (4).
(ودعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينه [وبينهم] كتابًا) شاهدًا عليهم وعليه، وإنهم (ينتهون إلى ما) يكون (فيه) عند الاختلاف (وكتب) رواية: فكتب (النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم وبين) سائر (المسلمين عامة) تأكيد
(1)"النهاية" لابن الأثير 3/ 649.
(2)
رواه البخاري (2314) ومسلم (1697).
(3)
"النهاية" 3/ 270.
(4)
"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي سورة آل عمران آية (186).
للمسلمين في (صحيفة) وهي قطعة جلد أو قرطاس يكتب فيها.
[3001]
(حدثنا مصرف بن عمرو) الهمداني الكوفي، وثقه أبو زرعة (1). (الإيامي) بكسر الهمزة وتخفيف المثناة تحت. قال السمعاني: نسبة إلى إيام ويقال: يام بغير ألف أيضًا (2). ولم يذكر يام من أي القبائل فبقي كأنه مجهول.
قال ابن الأثير: وهو بطن من همدان، وهو [يام بن أصبى بن رافع](3)(4)(حدثنا يونس بن بكير) الشيباني الحافظ، قال ابن معين: صدوق (5). (قال: قال محمد بن إسحاق) بن يسار صاحب المغازي، (حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت) ذكره ابن حبان في "الثقات" (6) (عن سعيد بن جبير وعكرمة) -رواية: عن عكرمة- (عن ابن عباس قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشًا) أي: نالهم من القتل (7)(يوم بدر) والأسر ([وقدم المدينة] جمع) قبيلة (يهود)(8) غير منصرف (في سوق (9) بني قينقاع) بفتح القاف، وفي النون ثلاث لغات
(1)"الجرح والتعديل" 8/ 420.
(2)
"الأنساب" 1/ 233.
(3)
في (ر): تام بن أجنبي بن دافع.
(4)
"اللباب" 1/ 96.
(5)
"تهذيب التهذيب" 11/ 382.
(6)
"الثقات" 7/ 392.
(7)
في (ر): الليل.
(8)
في "السنن": اليهود.
(9)
في (ر): بيوت.
أشهرها الضم، وهم بطن من بطون يهود المدينة أضيفت السوق المعروفة بهم لإقامتهم فيها، وكانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) (فقال: يا معشر يهود أسلموا) أي: ادخلوا في الإسلام بلفظ الشهادتين (قبل أن يصيبكم) من القتل والعذاب الآجل (مثل ما أصاب قريشًا) في وقعة بدر (قالوا: يا محمد لا يغرنك) بتشديد النون ويجوز تخفيفها بالسكون (من نفسك أنك) أصبت فرصة، و (قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا) جمع غمر بضم المعجمة وسكون الميم بعدها راء مهملة وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور (2). يعني: أن هؤلاء الذين قتلوا لا علم لهم (3) بالحروب ولا بملاقاة الرجال، و (لا يعرفون) أحوال (القتال) والله (إنك لو) حاربتنا و (قاتلتنا) مرة واحدة (لعرفت أنا نحن الناس) الشجعان العارفون بالحروب (وأنك لم تلق) أبطالًا (مثلنا) قال سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس (4)(فأنزل الله) تعالى (في ذلك) الحكم ({قُل}) يا محمد {لِلَّذِينَ كَفَرُوا} ) من بني قينقاع، فيه دلالة على أن هذِه الآية في بني قينقاع خلافًا لأقاويل أخر منها: أن قريشًا لما غلبها المسلمون في وقعة بدر، وقالت اليهود: هو النبي المبعوث الذي في كتابنا، لا تهزم له راية، فقالت لهم شياطينهم: لا تعجلوا حتى نرى أمره في وقعة أخرى، فلما كان
(1)"شرح مسلم" للنووي 12/ 91.
(2)
"النهاية" لابن الأثير 3/ 722.
(3)
سقط من (ر).
(4)
"تفسير الطبري" 3/ 191.
أحد كفروا جميعهم، ({سَتُغْلَبُونَ}) أي ستصيرون مغلوبين بنصرة الله المؤمنين عليكم {وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} ، قرأ حمزة والكسائي بالياء على الغيبة، وقرأ باقي السبعة بالتاء خطابًا، فتكون الجملة معمولة للقول، ومن قرأ بالغيبة فالظاهر أن الضمير للذين كفروا، وتكون الجملة إذ ذاك ليست محكية.
(قرأ مصرف) بن عمرو الأيامي الآية وهي: {إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش (إلى قوله) تعالى ({فئة}) في الآية حذفان تقديره فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وفئة أخرى كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فحذف من الأولى ما أثبت مقابله في الثانية بلزوم القتال في سبيل الشيطان وهو الكفر، وقرأ الجمهور برفع فئة على القطع، التقدير: إحداهما، فتكون فئة على هذا خبر مبتدأ محذوف، وقيل: الرفع على البدل من الضمير وهو الألف في التقتا، وقرأ مجاهد والحسن والزهري بالجر على البدل التفصيلي، وهو بدل كل من كل كما قال كُثَيّر عزة:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة
…
ورجل رمى (1) فيها الزمان فشلت (2)
(1) في (ر): يرمي.
(2)
هذا البيت استشهد به سيبويه في "الكتاب" 1/ 433 وجاء في كتاب "طيب المذاق من ثمرات الأوراق" لتقي الدين الحموي المعروف بابن حجة 1/ 388: نادرة للعز ابن عبد السلام، وحكي أن شخصا جاء إلى الشيخ عز الدين ابن عبد السلام الشافعي رحمه الله تعالى سلطان العلماء فقال: رأيتك في المنام تنشد: وكنت كذي=
ومنهم من خفض كافرة على العطف وعلى هذِه القراءة تكون فئة الأولى بدل بعض من كل، فتحتاج إلى تقدير ضمير أي: فئة منهما كافرة ({تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}) تعالى (1) وأجاز الزمخشري النصب في فئة على الاختصاص (2).
قال أبو حيان: وليس بجيد؛ لأن المنصوب الاختصاص (3) لا يكون نكرة ولا مبهمًا (4)(ببدر) أي: في غزوة بدر ({و}) ترتفع ({أُخْرَى}) على وجهي القطع إما على الابتداء وإما على الخبر {كَافِرَةٌ} وهم طائفة المشركين.
[3002]
(حدثنا مصرف بن عمرو) الإيامي (حدثنا يونس) بن بكير (عن)(5) محمد (بن إسحاق، حدثني مولى) محمد (لزيد بن ثابت) قال (حدثتني بنت محيصة، عن أبيها محيصة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة تحت المكسورة، ومنهم من سكنها وهو ابن مسعود بن كعب بن عامر (6):(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) بعد قتل كعب بن
=رجلين رجلٍ صحيحةٍ
…
ورجلٍ رمى فيها الزمان فشلت، فسكت، ثم قال: أعيش ثلاثا وثمانين سنة فإن هذا الشعر لكثير عزة وقد نظرت فلم أجد بيني وبينه نسبة فإني سنّي وهو شيعي وأنا طويل وهو قصير وهو شاعر ولست بشاعر وأنا سلمي وهو خزاعي وأنا شامي وهو حجازي فلم يبق إلا السن فأعيش مثله فكان كذلك. وانظر: "ديوان كثير عزة" ص 33.
(1)
انظر: "شرح الطيبة" للنويري 2/ 96 و"الجامع لأحكام القرآن" آل عمران 12، 13.
(2)
"الكشاف" 1/ 370.
(3)
في (ر): الاختصار.
(4)
"البحر المحيط" 2/ 411.
(5)
في "السنن": قال:
(6)
"الإصابة" 2/ 143 و 6/ 45.
الأشرف (من ظفرتم به من رجال يهود) احترازًا من نسائهم وصغارهم؛ فإنهم لا يقتلون (فاقتلوه، فوثب محيصة) بن مسعود الأنصاري الأوسي (على سنينة)(1) بضم السين المهملة وفتح النون الأولى، قال السهيلي (2): كأنه تصغير سن.
وقال ابن هشام (3) في اسمه: سبينةُ بالباءِ بدل النون الأولى كأنه مصغر تصغير الترخيم من سبنية قال صاحب "العين" السبنية ضرب من الثياب (4). وسنينة (رجل من تجار) بضم التاء مع تشديد الجيم وتكسيرها مع التخفيف (يهود) المأمور بقتلهم و (كان يلابسهم) -رواية: رئيسهم -أي: يخالطهم ويتابعهم ويشاربهم (فقتله) محيصة غيلة (وكان) أخوه (حويصة) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد المثناة تحت، ويقال بسكونها تصغير حوصة، قال السهيلي: من حصت الثوب إذا خيطه (5)(إذ ذاك لم يسلم) بعد (وكان أسن من محيصة) لكن سبقه إلى الإسلام، وكان شهد أحدًا والخندق وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام وهو الذي استفتى رسول
(1) اختلفت نسخ أبي داود في ضبط هذِه الكلمة على ثلاثة أوجه أحدها سُنَيْنَةَ وهو من (ص، ك) الثاني: شُبَيْبَة. من (ح)، والثالث: شُيَيْبَةَ. من (ع) أما في (ظ) فرسمت الكلمة رسما شبببة. انظر: حاشية الشيخ عوامة على "السنن"(2995).
(2)
"الروض الأنف" 5/ 295.
(3)
هكذا في "الروض الأنف" والذي في "سيرة ابن هشام" الجزء الحادي عشر ص (723) عَلَى ابن سُنَيْنَة، قَالَ ابن هِشَامٍ: وَيُقَالُ سُبَيْنَة.
(4)
في (ر، ع): النبات والمثبت من "النهاية" لابن الأثير 2/ 847، و"المحكم" 8/ 528 و"المحيط في اللغة" 2/ 268، و"لسان العرب" 13/ 203.
(5)
"الروض الأنف" 5/ 295.
الله صلى الله عليه وسلم في أجرة الحجام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعدما ألح عليه في المسألة: "اعلفه ناضحك واجعله في كرشك"، وذلك أن أبا طيبة الحجام كان له عبدًا له وقد تقدم ذكر اسمه.
(فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول) له (أي) بسكون الياء حرف نداء أي: يا (عدو الله) قال ذلك لأنه كان كافرًا (أم) حذفت ألفها والأصل: أما، وهي التي يستفتح بها الكلام (والله) وهي تكثر قبل القسم (1) كقول الشاعر:
أما والذي أبكى وأضحك والذي
…
أمات وأحيا والذي أمره الأمر
وروى ابن إسحاق في "السيرة": فقال حويصة - وكان كافرًا - لأخيه محيصة: أقتلت كعب بن يهوذا؟ قال: نعم، قال حويصة: أم والله (لرب شحم) قد نبت (في بطنك من ماله) زاد ابن إسحاق (2): إنك للئيم، فقال له محيصة: لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك، فعجب من قوله، ثم ذهب عنه متعجبًا، فذكروا أنه جعل يستيقظ من الليل، فتعجب من قول أخيه محيصة حتى أصبح وهو يقول: والله إن هذا الدين، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم (3).
[3003]
(حدثنا قتيبة، حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبيه) سعيد بن كيسان المدني، كان جارًا للمقبرة، (عن
(1) في (ر): المقسم.
(2)
"الروض الأنف" 5/ 294.
(3)
سقط من (ع).
أبي هريرة قال: بينا) وفي رواية: بينما بزيادة الميم (نحن) معشر الصحابة (في المسجد) فيه فضيلة الجلوس في المسجد للاعتكاف (إذ خرج إلينا) لفظ مسلم: إذ خرج علينا (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقوا إلى يهود) أي: انطلقوا بنا إلى معشر يهود، قال (فخرجنا معه حتى جئناهم) (1) لفظ البخاري (2): حتى جئنا بيت المدراس، يعني: البيت الذي يدرسون فيه كتبهم ومفعال من أبنية المبالغة، وهو غريب في المكان (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيهم (فناداهم، فقال: يا معشر يهود أسلموا تسلموا) أي: ادخلوا في دين الإسلام طائعين تسلموا من القتل والسبي مأجورين، وفيه دليل على استعمال الجناس وهو من أنواع البلاغة والفصاحة، قال النووي: معنى أسلموا أريد أن تعترفوا بأني قد بلغت ما أوحي إلي (3).
(فقالوا) لفظ مسلم (4): قالوا: (قد بلغت) ما أوحي إليك (يا أبا القاسم) قال القرطبي: هي كلمة مكر ومداجاة ليدافعوه بما توهموه (5) ظاهرها، وذلك أن ظاهرها يقتضي أنه قد بلغ رسالة ربه تعالى، ولذلك قال (فقال [لهم] رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلموا تسلموا، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال: ذلك أريد) أي: التبليغ، فقالوا ذلك وقلوبهم منكرة مكذبة، قال: ويحتمل أن يكونوا قالوا ذلك خوفًا منه
(1) في (ر): جئنا بهم.
(2)
(3167).
(3)
"شرح مسلم" للنووي 12/ 90.
(4)
(1765) وفيه: فقالوا.
(5)
هكذا في الأصول وفي "المفهم" للقرطبي يوهمه. وهو الصواب.
وطيبة لقلبه عليهم (1).
(ثم قال) المرة (الثالثة) زاد مسلم: فقال: (اعلموا أنما الأرض) الرفع أرجح أي: ملكها (لله) لفظ البخاري: إن الأرض لله (ورسوله) وفي رواية: ولرسوله يعني ملكًا وحكمًا، ويعني بها أرضهم التي كانوا فيها أعلمهم بهذِه اللفظة أنه يجليهم منها ولا يتركهم فيها، وأن ذلك حكم الله تعالى فيهم (وإني أريد أن أجليكم) بضم الهمزة وسكون الجيم (من هذِه الأرض) التي أنتم بها (فمن وجد منكم بماله [شيئا فليبعه])(2) يحتمل أن يكون كان لهم عهد على نفوسهم وأموالهم التي يتبعونها لا على المقام في أرضهم، ولذلك أجلاهم منها وهؤلاء هم يهود بني قينقاع وبنو حارثة ويهود المدينة المذكورون في الحديث.
وأخذ بعضهم من هذا الحديث أن بيع المكره في حق وجب عليه ماضٍ لا رجوع فيه كما لو توجه على إنسان دين وله مال، وامتنع من البيع والوفاء منه؛ فإن للحاكم أن يبيع ماله ويوفي دينه وله أن يكره على البيع بما يراه (وإلا فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله) ملكًا وحكمًا يجليهم عنها إذا شاء، وإنما قال لهم ذلك لأنهم حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه دليل على أن من نقض العهد بالمحاربة جاز قتله وإخراجه من أرض الإسلام، وكذا إذا عاونوا أهل الحرب (3).
* * *
(1)"المفهم" للقرطبي 11/ 104.
(2)
من "السنن".
(3)
"المفهم" 11/ 105.