الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 - باب ما يُسْتحَبُّ منْ حُسْنِ الظَّنِّ بالله عِنْدَ المَوْتِ
3113 -
حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حدثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبي سُفْيانَ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاثٍ قالَ: "لا يَمُوتُ أَحَدُكُمْ إِلَاّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ"(1).
* * *
باب ما يستحب من حسن الظن [بالله](2) عند الموت
[3113]
(حدثنا مسدد، حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق أحد الأعلام في الحفظ والعبادة (حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي تابعي مشهور، قال: جاورت جابر بن عبد الله ستة أشهر بمكة (3).
(عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: لا يموتن) نسخة: لا يموت (أحدكم إلا وهو يحسن الظن) لا يستقيم هذا النهي على ظاهره؛ لأنهم نهوا عن الموت، والموت مما لا ينهى عنه فرجع حاصله إلى أن ينهى الإنسان عن أن يؤخذ على حالة يدركه الموت وهو على غير حسن الظن بالله، (4) تعالى؛ فالنهي في الحقيقة نهى عن كونه يكون على خلاف حسن الظن إذا مات، وهذا على سعة الكلام والتفنن (5) فيه، كقولك: لا تُصَلِّ إلا وأنت
(1)(3989).
(2)
من المطبوع.
(3)
انظر: "تهذيب الكمال" 13/ 440.
(4)
إلى هنا انتهى السقط من (ر).
(5)
اضطرب رسمها في النسخ وتعذر قراءتها. والمثبت أقرب معنى ولفظًا للمرسوم.
خاشع، نهي في الظاهر عن فعل الصلاة، ومطلق الصلاة لا ينهى عنها، لكن معناه: لا تكن صلاتك إلا على الخشوع، فرجع معناه إلى أن يكون النهي عن حالة هي غير حالة الخشوع.
فهي (1) في الحديث كناية تلويحية؛ فإن قلت: فأي نكتة في إدخال حرف النهي على الموت؟ والنهي (2) عن إساءة الظن وترك الخشوع؟
فالجواب كما أشار إليه الزمخشري: أن الصلاة أو الموت إذا قصد بالنهي عنهما النهي عن حالة يقعان فيها إرادة للفضيلة (3) والخيرية كان أبلغ مما إذا قصد نفي الفضيلة والخيرية ابتداءً (4).
فإن قلتَ: هذا يناقض ما قالوه في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} (5) الآية في معنى النهي عن حال الكفر، لا عن ذاته؛ لأنَّ كيف سؤالٌ عن الحال، وهو استفهام إنكار في معنى النهي، وعليه سؤال مشهور وهو: لم لا أنكر عليهم ذات الكفر؛ فإنه منكر لا حاله؟
وجوابه: أن إنكار الذات مستتبع لإنكار الحال؛ لأن حال الشيء تابعة لذات الشيء، فلو أنكر الذات وهو المنكر هنا، إلا أنه لم يكن في المبالغة، كما إذا أنكر الحال فيتبعها إنكار الذات؛ لأن مقتضى الظاهر إنكار الذات؛ فإذا أنكر لم يكن من الكناية في شيء، فأما إذا
(1) في (ر)، (ع): فيه.
(2)
في (ر): بتفضيله.
(3)
في (ر، ل): ولم نهى. والمثبت من (ع).
(4)
انظر: "الكشاف" 1/ 329.
(5)
البقرة: 28.
أنكر الحال لينتفي الذات كان كناية، وكان أبلغ لما يلزم من نفيها نفيه بطريق برهاني؛ لأنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها، وقد علم أن كل موجود لا ينفك عن حال، فإذا نفى اللازم ينتفي (1) الملزوم.
والجواب عن المناقضة بين الحديث والآية أن الأبلغية وعدمها باعتبار العدول عن مقتضى الظاهر فيهما؛ فإن المقتضى في الآية إنكار ذات الكفر، فعدل إلى إنكار الحال ليلزم منه إنكار الذات على سبيل الكناية [وها هنا المقتضى](2) نفي الفضيلة، فعدل إلى نفي الذات ليلزم منه نفي الفضيلة على سبيل الكناية.
والحاصل أن في العدول عن الظاهر مبالغة ليست في ارتكاب الظاهر، ولهذا قال صاحب "المفتاح":[ولأمر ما تجد](3) أرباب البلاغة وفرسان الطراد يستكثرون من هذا الفن، وأنه في علم البيان يسمى: بالكناية (4).
(بالله) عند الموت، وفيه النهي عن سوء الظن بالله تعالى، وهو أن يظن عند الموت أنه يعذبه، بل الأمر بأن يحسن بالله تعالى بأن الله تعالى سيرحمه، وأما في حال الصحة (5) ففيه وجهان:
أحدهما: أن الأرجح أن يكون خوفه أرجح ليكون مرتدعًا عن
(1) في (ر): لينتفي.
(2)
في (ر): لا مقتضى.
(3)
في (ر): ولا من ما يجد.
(4)
انظر: "مفتاح العلوم" للسكاكي (174).
(5)
في (ر): الضجر.
المعصية، حكاهما القاضي والمتولي وغيرهما.
والثاني: يستوي خوفه ورجاؤه؛ لأن الخوف رادع عن المعصية، والرجاء حاثٌّ على طلب الثواب (1) من الله، وصححه النووي بأن الغالب في القرآن اقتران الترغيب والترهيب، كقوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} (2).
قال: وقد تتبعت الأحاديث الواردة في الرجاء والخوف وجمعتها في "رياض الصالحين"، وكانت أحاديث الرجاء أضعاف أحاديث الخوف، انتهى (3).
ويشهد له ثناء الله على خواص عباده بالجمع بين الخوف والرجاء {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (4)، وقوله تعالى:{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (5).
وقال الغزالي: الرجاء والخوف دواءان تداوى بهما القلوب ففضلهما بحسب الداء الموجود، فإن غلب على القلب داء الأمن من مكر الله والاغترار به فالخوف أفضل، وإن غلب القنوط فالرجاء أفضل (6).
(1) في (ل) و (ر): الصواب، والمثبت من (ع).
(2)
الانفطار: 13 - 14.
(3)
انظر: "المجموع" 5/ 108 - 109.
(4)
الإسراء: 57.
(5)
الأنبياء: 90.
(6)
"إحياء علوم الدين" 4/ 164 ط دار المعرفة.