المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌2 - باب فيمن حلف يمينا ليقتطع بها مالا لأحد - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٣

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌21 - باب ما جاء في سَهم الصَّفيّ

- ‌22 - باب كَيْفَ كانَ إِخْراج اليَهُودِ من المَدِينَة

- ‌23 - باب في خبَرِ النَّضيرِ

- ‌24 - باب ما جاءَ في حُكْم أَرْضِ خَيْبَرَ

- ‌25 - باب ما جاء في خَبرِ مكَّةَ

- ‌26 - باب ما جَاءَ في خَبَرِ الطّائِفِ

- ‌27 - باب ما جاءَ في حُكْم أرْضِ اليَمَنِ

- ‌28 - باب في إخْراج اليَهُودِ مِنْ جَزِيرَة العَرب

- ‌29 - باب في إِيقاف أرْضِ السَّواد وَأَرْضِ العَنْوَةِ

- ‌30 - باب في أَخْذِ الجِزْيَةِ

- ‌31 - باب في أَخْذ الجِزْيَةِ مِنَ المَجُوسِ

- ‌32 - باب في التَّشْدِيدِ في جِبايَةِ الجِزْيَةِ

- ‌33 - باب في تَعْشِير أَهْل الذِّمَّةِ إذا اخْتلَفُوا بالتِّجاراتِ

- ‌34 - باب في الذِّمِّيِّ يُسْلِمُ في بَعْضِ السَّنَةِ هَلْ عَلَيْهِ جِزْيةٌ

- ‌35 - باب فِي الإِمَامِ يَقْبَلُ هَدَايَا المُشْرِكِينَ

- ‌كِتاب القطائع

- ‌36 - باب في إِقْطاعِ الأَرَضِيْنَ

- ‌37 - باب في إِحْيَاءِ المَواتِ

- ‌38 - باب مَا جاءَ في الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الخَرَاجِ

- ‌39 - باب في الأَرْضِ يَحْمِيهَا الإِمامُ أَوِ الرَّجُلُ

- ‌40 - باب ما جاء في الرِّكازِ وَما فِيهِ

- ‌41 - باب نَبْشِ القُبُورِ العادِيَّةِ يَكُونُ فِيْهَا المالُ

- ‌كِتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب الأَمْراضِ المُكَفِّرِةُ لِلذُّنُوبِ

- ‌2 - باب إذا كانَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ عَمَلًا صالِحًا فَشَغَلَهُ عَنْهُ مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ

- ‌3 - باب عِيادَةِ النِّساءِ

- ‌4 - باب في العِيادَةِ

- ‌5 - باب في عيادَةِ الذِّمِّيِّ

- ‌6 - باب المَشْي في العِيادةِ

- ‌7 - باب في فَضْلِ العِيَادَةِ عَلَى وُضُوء

- ‌8 - باب في العِيَادَةِ مِرارًا

- ‌9 - باب في العِيَادَة مِنَ الرَّمَدِ

- ‌10 - باب الخُرُوج مِنَ الطَّاعُونِ

- ‌11 - باب الدُّعاء لِلْمَرِيضِ بِالشِّفاء عِنْدَ العِيادَةِ

- ‌12 - باب الدُّعاءِ لِلْمَرِيضِ عِنْدَ العِيَادَةِ

- ‌13 - باب في كراهِيَةِ تمَنّي المَوْتِ

- ‌14 - باب مَوْتِ الفَجْأَةِ

- ‌15 - باب في فضْلِ مَنْ ماتَ في الطّاعُونِ

- ‌16 - باب المَريضِ يُؤْخَذُ مِنْ أَظْفارهِ وَعانَتِهِ

- ‌17 - باب ما يُسْتحَبُّ منْ حُسْنِ الظَّنِّ بالله عِنْدَ المَوْتِ

- ‌18 - باب ما يُسْتَحَبُّ منْ تَطْهيرِ ثِيابِ المَيِّتِ عِنْدَ المَوْتِ

- ‌19 - باب ما يُسْتَحَبُّ أنْ يُقالَ عِنْدَ المَيِّتِ مِنَ الكَلامِ

- ‌20 - باب في التَّلْقِينِ

- ‌21 - باب تَغْمِيضِ المَيِّتِ

- ‌22 - باب في الاسْتِرْجاعِ

- ‌23 - باب في المَيِّتِ يُسَجَّى

- ‌24 - باب القِراءَةِ عِنْدَ المَيِّتِ

- ‌25 - باب الجُلُوسِ عِنْدَ المُصِيبَةِ

- ‌26 - باب في التَّعْزِيَةِ

- ‌27 - باب الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ

- ‌28 - باب في البُكاءِ عَلى الميِّتِ

- ‌29 - باب في النَّوْحِ

- ‌30 - باب صَنْعَةِ الطَّعَام لأَهْلِ المَيِّتِ

- ‌31 - باب في الشَّهِيد يُغَسَّلُ

- ‌32 - باب في سَتْر المَيِّتِ عنْدَ غَسْلهِ

- ‌33 - باب كَيْفَ غُسْلُ المَيِّتِ

- ‌34 - باب في الكَفَنِ

- ‌35 - باب كَراهِيَةِ المُغَالَاةِ فِي الكَفَنِ

- ‌36 - باب في كَفِنِ المَرْأَةِ

- ‌37 - باب في المِسْكِ للْمَيِّتِ

- ‌38 - باب التَّعْجِيلِ بِالجَنَازَةِ وَكَراهِيَةِ حَبْسِها

- ‌39 - باب في الغُسْلِ مِنْ غَسْلِ المَيِّتِ

- ‌40 - باب في تَقْبِيلِ المَيِّتِ

- ‌41 - باب في الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ

- ‌42 - باب في المَيِّتِ يُحْمَلُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ وَكَرَاهَةِ ذَلِكَ

- ‌43 - باب في الصُّفُوف علَى الجَنَازَةِ

- ‌44 - باب اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الجَنَائِزَ

- ‌45 - باب فَضْلِ الصَّلاةِ عَلَى الجَنَائِزِ وتشْيِيعِها

- ‌46 - باب في النّار يُتْبَعُ بها المَيِّتُ

- ‌47 - باب القِيامِ لِلْجَنَازَةِ

- ‌48 - باب الرُّكُوبِ فِي الجَنَازَةِ

- ‌49 - باب المشْى أَمَامَ الجَنَازَةِ

- ‌50 - باب الإِسْرَاعِ بِالجَنَازَةِ

- ‌51 - باب الإِمامِ لا يُصَلّي عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسهُ

- ‌52 - باب الصَّلاةِ عَلَى مَنْ قَتَلَتْهُ الحُدُودُ

- ‌53 - باب في الصَّلاةِ عَلَى الطِّفْلِ

- ‌54 - باب الصَّلاةِ على الجَنازَةِ في المَسْجِدِ

- ‌55 - باب الدَّفْنِ عنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِها

- ‌56 - باب إذا حَضَرَ جَنائِزَ رِجالٍ وَنِساءٍ، مَنْ يقَدِّمُ

- ‌57 - باب أَيْيَ يَقومُ الإمامُ مِنَ المَيِّتِ إِذا صَلَّى عَلَيْهِ

- ‌58 - باب التَّكْبير عَلَى الجَنازةِ

- ‌59 - باب ما يُقْرَأُ علَى الجَنازَةِ

- ‌60 - باب الدُّعاءِ لِلْمَيِّتِ

- ‌61 - باب الصَّلاة على القَبْرِ

- ‌62 - باب في الصَّلاةِ عَلَى المُسْلِمِ يَمُوتُ في بِلادِ الشِّرْكِ

- ‌63 - باب في جَمْعِ المَوْتَى في قَبْرٍ والقَبْرُ يُعَلَّمُ

- ‌64 - باب في الحَفّارِ يجِدًا لعَظْمَ هَلْ يَتَنَكَّبُ ذَلِكَ المَكانَ

- ‌65 - باب في اللَّحْدِ

- ‌66 - باب كَمْ يَدْخلُ القَبْرَ

- ‌67 - باب في المَيِّت يدْخَلُ منْ قِبَلِ رِجْلَيهِ

- ‌68 - باب الجُلُوسِ عِنْدَ القَبْرِ

- ‌69 - باب في الدُّعاءِ لِلْمَيِّتِ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ

- ‌70 - باب الرَّجُلِ يمُوتُ لَهُ قَرابَةُ مُشْرِكٍ

- ‌71 - باب في تَعْمِيقِ القَبْرِ

- ‌72 - باب في تَسْوِيةِ القَبْرِ

- ‌73 - باب الاسْتِغْفار عِنْد القَبْرِ لِلْمَيِّتِ في وَقْتِ الانْصِرافِ

- ‌74 - باب كَراهِيَة الذَّبْحِ عِنْدَ القَبْرِ

- ‌75 - باب المَيِّتِ يُصَلّى علَى قَبْرِهِ بَعْدَ حِينٍ

- ‌76 - باب في البِناءِ عَلى القَبْرِ

- ‌77 - باب في كَراهِيَةِ القُعُودِ على القَبْرِ

- ‌78 - باب المَشْى في النَّعْل بَيْنَ القُبُورِ

- ‌79 - باب في تَحْوِيلِ المَيِّتِ مِنْ موْضعِهِ لِلأَمْرِ يَحْدِّثُ

- ‌80 - باب في الثَّناءِ عَلَى المَيِّتِ

- ‌81 - باب في زِيارةِ القُبُورِ

- ‌82 - باب في زِيارَةِ النِّساء القُبُورِ

- ‌83 - باب ما يَقُولُ إِذا زارَ القُبُورَ أوْ مَرَّ بِها

- ‌84 - باب المُحْرِمِ يَمُوتُ كيْف يُصْنَعُ بِهِ

- ‌كِتَابُ الأَيْمَانُ وَالنُّذُور

- ‌2 - باب فِيمَنْ حَلف يَمِينًا لِيَقْتَطِعَ بها مالًا لأحَدٍ

- ‌3 - باب التغْلِيظ فِي اليَمينَ الفَاجِرَة

- ‌4 - باب الحَلِفِ بِالأَنْدادِ

- ‌5 - باب في كَراهِيةِ الحَلِفِ بِالآباءِ

- ‌6 - باب في كَراهِيَةِ الحَلِفِ بِالأَمانَةِ

- ‌7 - باب لَغْوِ اليَمِينِ

- ‌8 - باب المَعارِيضِ في اليَمينِ

- ‌9 - باب ما جاءَ في الحَلِفِ باِلبَراءَةِ وبمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ

- ‌10 - باب الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لا يَتأَدَّمَ

- ‌11 - باب الاسْتثْناءِ في اليَمِينِ

- ‌12 - باب ما جاءَ في يَمِينِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم ما كانتْ

- ‌13 - باب في القَسَمِ: هَلْ يَكُونُ يَمينًا

- ‌14 - باب فِيمَنْ حَلَف عَلى الطَّعام لا يَأكلُهُ

- ‌15 - باب اليَمِينِ في قَطيعَةِ الرَّحِم

- ‌16 - باب فِيمَنْ يحْلِف كاذِبًا متَعَمِّدًا

- ‌17 - باب الرَّجُلِ يُكَفّرُ قَبْلَ أَنْ يَحْنَثَ

- ‌18 - باب كَمِ الصّاعُ في الكَفّارَةِ

- ‌19 - باب في الرَّقبةِ المُؤْمِنَةِ

- ‌20 - باب الاستثْناءِ في اليمِين بَعْدَ السّكُوت

- ‌21 - باب النَّهْى عنِ النَّذْرِ

- ‌22 - باب ما جاءَ في النَّذْرِ في المَعْصِيَةِ

- ‌23 - باب مَنْ رَأى علَيْهِ كَفّارَةً إذا كانَ في معْصِيَةٍ

- ‌24 - باب منْ نَذَرَ أَنْ يُصَلّيَ في بَيْت المقْدِسِ

- ‌28 - باب في النَّذْرِ فِيما لا يمْلِكُ

- ‌27 - باب ما يُؤْمَرُ بِهِ مِن الوَفاء بِالنَّذْر

- ‌29 - باب فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمالِهِ

- ‌25 - باب في قَضاءِ النَّذْرِ عنِ المَيِّتِ

- ‌26 - باب ما جاءَ فِيمَنْ ماتَ وَعَلَيْهِ صِيامٌ صامَ عَنْهُ وَليُّهُ

- ‌30 - باب مَنْ نَذَرًا نَذْرًا لا يُطِيقُهُ

- ‌31 - باب مَنْ نَذَر نَذْرًا لَمْ يسَمِّهِ

- ‌32 - باب مَنْ نَذَرَ في الجاهِلِيَّةِ ثمّ أَدْرَكَ الإِسْلامَ

الفصل: ‌2 - باب فيمن حلف يمينا ليقتطع بها مالا لأحد

كتاب الإيمان والنذور

‌2 - باب فِيمَنْ حَلف يَمِينًا لِيَقْتَطِعَ بها مالًا لأحَدٍ

3243 -

حدثنا مُحَمَّدُ بْن عِيسَى وَهَنّادُ بْن السَّريِّ -المَعْنَى- قالا: حدثنا أَبُو مُعاوِيَةَ، حدثنا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيها فاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِها مالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقيَ الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ" .. فَقالَ الأشعَث: فيَّ والله كانَ ذَلِكَ، كانَ بَيْني وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَني فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ ليَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَلكَ بَيِّنَةٌ؟ " .. قُلْت: لا. قالَ لِلْيَهوديِّ: "احْلِفْ" .. قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِذًا يَحْلِفُ وَيذْهَبُ بِمالي فَأَنْزَلَ اللهُ تَعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخِرِ الآيَةِ (1).

3244 -

حدثنا مَحْمُودُ بْنُ خالِدٍ، حدثنا الفِرْيابيُّ، حدثنا الحارِث بْنُ سُلَيْمانَ، حَدَّثَني كُرْدُوسٌ، عَنِ الأشعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ كِنْدَةَ وَرَجُلاً مِنْ حَضْرَمَوْتَ اخْتَصَما إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في أَرْضٍ مِنَ اليَمَنِ فَقالَ الحَضْرَميُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَرْضي اغْتَصَبَنِيها أَبُو هذا وَهيَ في يَدِهِ. قالَ: "هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟ " .. قال: لا ولكن أُحَلِّفُهُ والله ما يَعْلَمُ أَنَّها أَرْضي اغْتَصَبَنِيها أَبُوهُ فَتَهَيَّأَ الكِنْديُّ لِلْيَمِينِ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا

(1) رواه البخاري (2356)، ومسلم (138).

ص: 561

يَقْتَطِعُ أَحَدٌ مالًا بِيَمِينٍ إِلَاّ لَقيَ الله وَهُوَ أَجْذَمُ" .. فَقالَ الكِنْديُّ: هيَ أَرْضُةُ (1).

3245 -

حدثنا هَنّادُ بْنُ السَّريِّ، حدثنا أبو الأَحْوَصِ، عَنْ سِماكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وائِلِ بْنِ حُجْرٍ الحَضْرَميِّ، عَنْ أَبِيهِ قال: جاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ الحَضْرَميُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هذا غَلَبَني عَلَى أَرْضٍ كانَتْ لأبي. فَقالَ الكِنْديُّ: هيَ أَرْضي في يَدي أَزْرَعُها لَيْسَ لَهُ فِيها حَقُّ. قال: فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للْحَضْرَميِّ: " أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " .. قال: لا. قالَ: " فَلَكَ يَمِينُهُ" .. قال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ فاجِرٌ لا يبالي ما حَلَفَ عَلَيهِ لَيسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيء. فَقالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَاّ ذاكَ" .. فانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ لَهُ فَلَمّا أَدْبَرَ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَما لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مالٍ لِيَأْكُلَهُ ظالِمًا لَيَلْقَيَنَّ الله عز وجل وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ"(2).

* * *

كتاب الأيمان والنذور

باب التغليظ في اليمين الفاجرة (3)

[3243]

(حدثنا محمد بن عيسى) بن الطباع (وهنَّاد بن السَّريّ،

(1) رواه أحمد 5/ 212، وابن حبان (5088)، والنسائي في "السنن الكبرى" (6002). وسيأتي برقم (3622). وضعف الألباني لفظ أبي داود في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1154). والحديث صحيح بلفظ:"لقي الله وهو عليه غضبان"، رواه مسلم (138)(220).

(2)

رواه مسلم (139).

(3)

في النسخ المطبوعة من "السنن" وردت هذه الترجمة وتحتها حديث عمران بن حصين رقم (3242): من حلف على يمين .. إلخ ثم بعدها ترجمة باب: فيمن حلف يمينا ليقتطع بها مالا لأحد، وتحتها الأحاديث الواردة هنا بيد أن الشارح هنا أسقط حديث عمران الوارد تحت الترجمة الأولى ولم يأت به إلا آخر الباب وأسقط الترجمة الثانية ولم يأت بها مطلقًا وأورد الجميع تحت الترجمة الأولى فقط.

ص: 562

المعنى، قالا: حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (حدثنا) سليمان بن مهران (الأعمش، عن شقيق) بن سلمة أبي وائل الأسدي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين) صبر كما سيأتي (هو فيها فاجرٌ) أي: متعمد للكذب لا يبالي إلى ما حلف عليه لفجوره. وأصل الفجور الميل، ومنه حديث:"إياكم والكذب فإنه مع الفجور (1) وهما في النار" يريد عن الصدق وأعمال الخير (ليقتطع)(2) هي لام التعليل التي ينتصب الفعل بعدها (3) بأن المقدرة. والتقييد بكونه فاجرًا لا بد منه لحصول إثمه؛ لأنه لا يكون آثمًا إلا إذا كان متعمدًا عالمًا بأنه غير حق. واقتطع افتعل (4) من القطع وهو الأخذ هنا؛ لأن من أخذ شيئًا لنفسه فقد قطعه عن مالكه (بها مال امرئٍ) مال هنا لا مفهوم له؛ لأنه خرج مخرج الغالب، فعلى هذا يدخل في الحديث من حلف على غير مال كجلد الميتة والسرجين (5) ونحو ذلك من النجاسات التي ينتفع بها وليست بمال، وهي من الحقوق التي ليست بمال [كحد القذف](6) ونصيب الزوجة في القسم وغير ذلك (مسلمٍ) تقييده بالإِسلام لا يدل على عدم تحريم حق الذمي، بل معناه أن هذا الوعيد الشديد لمن اقتطع حق المسلم، وأما الذمي فاقتطاع حقه أيضًا حرام،

(1) في النسخ الخطية: الكذب، والمثبت الصواب كما في "سنن ابن ماجه"(3849).

(2)

في (ر): يقتطع.

(3)

في (ر): بها.

(4)

في النسخ: أفعل. والمثبت من "المفهم".

(5)

السرجين: الزبل. انظر: "المعجم الوسيط" 1/ 425.

(6)

في (ل): كحذف الفرق.

ص: 563

لكنه ليس (1) يلزم أن تكون فيه هذِه العقوبة العظيمة، وهذا على مذهب من يقول بالمفهوم، وأما من لا يقول به فلا يحتاج إلى تأويل (2).

قال الفاكهي: ذكر (مسلم) هنا من باب التشنيع على الحالف والحالة هذِه كما يقال: قَتْلُ الرجل الصالح وسفكُ دم العالم حرام. وإن كان قتل غيرهما من المسلمين كذلك، لكن قتل هذين أشنع من قتل غيرهما من المسلمين ممن ليس بصالح ولا عالم (لقيَ الله) تعالى يوم القيامة (وهو عليه غضبانُ) وفي الرواية الآتية:"وهو عنه معرض".

قال العلماء: الإعراض والغضب والسخط من الله تعالى هو إرادة إبعاد ذلك المغضوب عليه والمعرض عنه من رحمته وتعذيبه وإنكار فعله وذمه (3)(فقال)(4) أبو محمد معدي كرب (الأشعث) بن قيس، زاد في "صحيح .. . (5):"ماذا يحدث به أبو عبد الرحمن؟ "، وقد سنة عشر في قومه وكانوا ستين راكبًا فأسلموا (6) ثم ارتد فيمن ارتد وحوصر، وأُتيَ به إلى الصديق أسيراً فقال: استبقني لحربك وزوجني

(1) سقط من النسخ الخطية. والمثبت من "شرح مسلم" للنووي 2/ 156.

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي 2/ 161 - 162.

(3)

انظر: "شرح مسلم" للنووي 2/ 162. وهذا تأويل واضح لصفات الله عز وجل، والصواب إثباتها كما جاءت بلا تأويل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل، فنقول (الله يغضب) ولكن ليس كغضب المخلوق فهو سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

(4)

مكررة في (ل).

(5)

بعدها بياض في النسخ الخطية. وقد رواه البخاري (2356، 2357)، ومسلم (138) ولفظه: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن.

(6)

سقط من (ر).

ص: 564

أختك (1). فزوجه أخته، فلما زوجه دخل سوق الإبل فاخترط سيفه فجعل لا يرى جملًا ولا ناقة إلا عرقبه (2) فصاح الناس: كفر الأشعث، فلما فرغ طرح سيفه وقال: إن هذا الرجل زوجني أخته ولو كنا ببلادنا لكانت لي وليمة غير هذِه، يا أهل المدينة انحروا وكلوا وأعطوا أصحاب الإبل أثمانها (3) (فيَّ والله كان ذلك) القول وفي خصمي الكندي (كان بيني وبين رجلٍ من اليهود) وفي رواية إسماعيل من الأحكام: كان بين رجلٍ منا ومن الحضرميين يقال له الجفشيش خصومة في أرض والجفشيش. قال الحافظ أبو زرعة: مضبوط في النسخة الصحيحة من "الاستيعاب" بكسر الجيم وسكون الفاء يعني وكسر الشين المعجمة الأولى، قال: ويقال فيه بالجيم وبالحاء وبالخاء يكنى أبا الخير، يقال: اسمه جرير ابن معدان، ثم حكي عن عمران بن موسى أنه قال: بضم الجيم (4)(أرضٌ) يعني من اليمن كما سيأتي (فجحدني) أرضي (5) سيأتي كيفية الجحد في الحديث بعده (فَقَدَّمْتُهُ) بفتح القاف والدال المشددة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) لفظ البخاري: فاختصمنا (6) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (7).

(1) هي فروة بنت أبي قحافة، كما في "سير أعلام النبلاء" 3/ 28.

(2)

في النسخ: عاقبه. والمثبت من "المعجم الكبير" 1/ 237 (649) وفيه القصة.

(3)

"المعجم الكبير" 1/ 237 (649).

(4)

انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر 1/ 276 (369) ولم أقف على قول أبي زرعة.

(5)

في (ر): أرض.

(6)

في النسخ: فاختصما. والمثبت من "الصحيح".

(7)

"صحيح البخاري"(2670).

ص: 565

فيه أن المدعى عليه إذا طاوع المدعي في الحضور إلى الحاكم فليس (1) له أن يُرسل إليه رسولاً؛ إذ الرسول لا يكون إلا للممتنع من الحضور. وللمدعي تقديم المدعى عليه أمامه والمشي خلفه إلى الحاكم؛ لأنه مطالب (فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم) يعني بعد فراغي من الدعوى (ألك) عليه (بينة؟ ) تشهد بما تدعي. وفيه دليل على أن المدعي يلزمه للحكم له إقامة البينة بما ادعاه إذا جحد المدعى عليه. وإذا كان المدعي عارفًا بأنه موضع البينة فالحَاكم غير بين أن يقول: ألك بينة. وبين أن يسكت (2)(فقلت: لا) فيه قبول شهادة المسلمين على الكفار [(3) لا عكسه، وقوله "ألك بينة" يعني: من المسلمين.

(فقال لليهودي: أحلف) فيه أن الكافر يطلب منه اليمين كما في المسلم. وفيه صحة اليمين من الكافر ويلزمه الكفارة بالحنث سواء حنث في كفره أو بعد إسلامه وبه قال الشافعي والجمهور.

وقال الثوري وأصحاب الرأي: لا تنعقد يمينه؛ لأنه ليس بمكلف. ودليلنا عليه قوله تعالى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} ولا نسلم أنه غير مكلف (4). وفيه دليل على أن يمين الفاجر الكافر المدعى عليه تقبل كيمين العدل وتسقط عنه المطالبة به.

(قلت: يا رسول الله، إذًا يحلف) بنصب يحلف لوجود الشرائط

(1) في النسخ (وليس) والمثبت هو الموافق لسياق الكلام.

(2)

انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 422.

(3)

من هنا بدأ سقط من (ر) وانتهى إلى قوله: (عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين حتى يدخل النار) وذلك في آخر الباب الثالث من الأيمان.

(4)

انظر: "المغني" لابن قدامة 11/ 161.

ص: 566

الثلاثة. قالَ النوويُّ: يجوزُ نصبُ الفاءِ ورفْعُها. وذكر أبو الحسن ابن (1) خروف في "شرح الجمل" أن الرواية فيه برفع الفاء. يعني: لا غير (2). ولعل ما ذكره ابن خروف في رواية البخاري وغيره: إنه إذن يحلف. فإنه يتعين فيه الرفع؛ لأن تصدر إذن قد زال بقوله قبله: إنه إذًا يحلف (ويذهبُ بمالي) فيه وجهان: النصب والرفع لأنه معطوف على ما قبله. وفيه دلالة على أن المدعى عليه إذا لم يكن عليه بينة وحلف بإذن الحاكم تسقط عنه الدعوى بالمال. وفيما إذا قامت عليه بينة بعد حلفه وجهان أصحهما عند الشافعي: تقبل (فأنزل الله) عز وجل فاء السببية ظاهرة في أن هذا سبب نزول هذِه الآية، وقيل غير ذلك.

قال ابن دقيق العيد: ويرجح قول من ذهب إلى هذا المعني بهذا الحديث. وبيان سبب النزول: طريقٌ قويٌ في فهمِ معاني كتابِ اللهِ العزيزِ، وهو أمر يحصل للصحابة بقرائن تحف (3) بالقضايا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} أي: يعتاضون ({بِعَهْدِ اللَّهِ}) أي: ميثاقه وهو: إيجابه على المكلفين أن يقوموا بالحق ويعملون بالعدل فكأنهم تعوضوا عن ترك ما أوجب الله عليهم من رعاية العهود والأيمان بشيء حقير من عرض الأثمان. فالشراء هنا مستعار ({وَأَيْمَانِهِمْ}) جمع يمين وهو الحلف بالله تعالى (إلى آخر الآية) قال البخاري (4): إلى {عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5).

(1) سقط من الأصل والمثبت من "شرح مسلم" للنووي.

(2)

انظر: "شرح مسلم" 2/ 160.

(3)

في النسخ: (تخفف) والمثبت من "إحكام الأحكام" لابن دقيق العيد ص 643.

(4)

(2515).

(5)

انظر: "المفهم" للقرطبي 1/ 351.

ص: 567

[3244]

(حدثنا محمود بن خالد) بن يزيد السلمي [الدمشقي. قال أبو حاتم: ثقةٌ رضا (حدثنا) محمد بن يوسف (الفِرْيابي) بكسر الفاء وسكون الراء (1) وتخفيف المثناة تحت وبعد الألف موحدة نسبة إلى فرياب مدينة بالترك (2). قال العجلي: قلت له: ما تقول: أبو بكر أفضل أو لقمان؟ فقال: ما سمعت بهذا إلا منك. أبو بكر أفضل (3) (حدثنا الحارث بن سليمان) الكندي الكوفي وثقه ابن معين](4)(حدثني كُرْدُوسٌ) بضم الكاف والواو وبعد الواو مهملة الثعلبي بالمثلثة والمهملة، وقيل بالمثناة والمعجمة. قيل كردوس ثلاثة متعاصرون (5)(عن الأشعث بن قيس) بن معدي كرب كما تقدم. قيل شهد اليرموك ثم القادسية ثم جلولاء (6)(أن رجلًا من كِنْدَةَ) بكسر الكاف، اسمه ثور بن مرتع بن مالك بن سبأ (7)، وكندة قبيلة كبيرة (ورجلاً من حضرموتَ) بفتح الحاء والراء والميم من أقصى بلاد اليمن. وفي الصحيحين (خصومة في بئر). فلعل المخاصمة في المجموع فمن ذكر الأرض فلأن البئر فيها، ومن ذكر البئر فهي المقصودة لسقي الأرض (8). وروى البخاري رواية

(1) في (ع): الباء. وهو تصحيف.

(2)

انظر: "معجم ما استعجم" 3/ 1024، "النهاية" لابن الأثير 3/ 844.

(3)

"الثقات" للعجلي ص 491.

(4)

ما بين المعقوفين غير واضح في (ل) والمثبت من (ع).

(5)

انظر: "تهذيب الكمال" 24/ 169.

(6)

انظر: "تهذيب الكمال" 3/ 289.

(7)

في "التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة 2/ 748: كندة هو ثور بن مرتع .. .. فذكر نسبه، ثم قال: كذا نسب ابن إسحاق كندة. وانظر: "وفيات الأعيان" 2/ 463.

(8)

انظر: "فتح الباري" 11/ 560.

ص: 568

تبين سبب الخصومة وهي كانت بئر في أرض عمي كما سيأتي (اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض من اليمن، فقال الحضرمي) نسبة إلى حضرموت المذكورة (يا رسول الله، إن أرضي) ورثتها من أبي (اغتصبنيها أبو هذا) الكندي مني في جاهليته (وهي في يده) باقية إلى الآن (قال: هل لك) عليه (بينة؟ ) شرعية (قال: لا، ولكن أَحْلِفه) بفتح الهمزة وكسر اللام. ولكنِّي أُحَلِّفْهُ يقال في التعدي: أحلفه إحلافًا، وحلفه تحليفًا، واستحلفه: مسألة أن يحلف له (والله) أقسم أنه (ما يعلم أنها أرضي) ولا أنها (اغتصبنيها أبوه) مني وهذا كالاعتذار عنه، فإنه قيل: إنه كان قريبه فحفظ له حق القرابة (فتهيأ الكنديُّ لليمين) المطلوبة منه.

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقتطع أحدٌ مالًا بيمينٍ) فاجرة (لا لقي الله وهو أجذمُ) بالجيم والذال المعجمة. قال ابن الأعرابي: هو أن من أقدم على اليمين بالله كاذبا لقي الله خالي اليد من الخير صفرها من الثواب (1). فمن لقي الله وهو معرض عنه - كما في الرواية الآتية لا (2) يحصل له الخير والثواب لمن أعرض عنه أو غضب عليه كما تقدم. (فقال الكندي) عند ذلك (هي أرضه) يا رسول الله تحرجًا من اليمين حين سمع هذا الوعيد الشديد والزجر الأكيد، وأعطاه الأرض وزاده أرضًا أخرى من عنده جبرا لما سلف من أبيه من الغصب وأخذ الأرض بغير حق.

[3245]

(حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم

(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي 1/ 292، "النهاية" لابن الأثير 1/ 251.

(2)

في النسخ: أي. ولعل المثبت المناسب للسياق.

ص: 569

الحنفي مولاهم (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي روى له البخاري في "القراءة خلف الإِمام"(1) والباقون (عن علقمة بن وائل بن حُجْر) بضم المهملة وسكون الجيم (الحضرمي) الكندي أخرج له مسلم والأربعة (عن أبيه) وائل بن حجر بن ربيعة الحضرمي كان قيْلًا من أقيال حضرموت وكان أبوه من ملوكهم بشر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل قدومه (2).

(قال: جاء رجل من حضرموتَ ورجل من كندةَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) اختلف في هذين الرجلين، ففي الحديث المتقدم أنه الأشعث بن قيس ورجل من اليهود. وفي الحديث أن المتخاصمين: امرؤ القيس بن عابس، وربيعة بن عبدان (3) (فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرضٍ) أي: استولى عليها، وفيه دليل لمذهب مالك أن المدعي لا يلزمه تحديد المدعى به إن كان مما يحد (4)، ولا أن يصفه بجميع أوصافه كما يوسف المسلم فيه، بل يكفي من ذلك أن يتميز المدعى به تمييزًا تنضبط به الدعوى؛ لأنه لم يكلف المدعي تحديد الأرض ولا تعيينها بل اكتفى بكونها متميزة خلاف ما ذهب إليه الشافعي ومن تابعه حين ألزموا المدعي أن يصف المدعى به بحدوده وأوصافه المعينة التامة كما يوصف المسلّم فيه، وقد يجيب الشافعي بأن هذِه الأرض كانت معلومة الحدود والصفات من السامعين

(1)"القراءة خلف الإِمام"(185). قلت: وروى له في "الصحيح" بعد حديث (6722) استشهادًا.

(2)

انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 966.

(3)

رواه مسلم (139).

(4)

في الأصل: (لا يحد) والمثبت من "المفهم" للقرطبي.

ص: 570

فاستغنى عن ذكرها. وحجة الشافعي أن الحاكم يسأل المدعي عليه عما أدعاه فإن أعترف لزمه ولا يلزمه أن يكون مجهولًا (كانت لأبي) قال القرطبي: ظاهره أن والد المدعي قد كان توفي، والأرض صارت للمدعي بالميراث، ومع ذلك فلم يطالبه النبي صلى الله عليه وسلم بإثبات الموت ولا بحصر الورثة فيه، فيحتمل أن ذلك كان معلومًا عندهم، ويحتمل أن يقال: لا يلزمه شيء من ذلك ما لم ينكره خصمه. وفيه دليل على أن من نسب خصمه إلى الغصب أو أنه فجر عليه ونحو ذلك حالة المحاكمة لم ينكر الحاكم عليه إلا أن يكون المقول له ذلك لا يليق به. بأن يكون المقول له مشهورًا بالدين الكثير والعلم والصلاح.

(فقال الكندي) بل (هي أرضي في يدي أزرعها) أي: أتصرف فيها بالزرع وغيره (ليس له فيها حق) فيه دليل على أن ما كانت الدعوى فيه لا ينتزع من يد صاحب اليد بمجرد الدعوى، وأنه لا يسأل عن سبب ملكه، ولا عن سبب وضع يده عليها لقوة اليد (1). (فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا. قال: ذلك) عليه (يمينه) إن شئت فاطلبها وإن شئت أترك (قال: يا رسول الله، إنه فاجر) هو الكاذب الجريء على الكذب (لا يبالي) أي: لا يكترث، يقال: ما أباليه ويقال: لم أبل بحذف ألف (ما حلف عليه) و (ليس يتورع من شيء) أي: لا يكف عن محرم ولا مكروه، وظاهر هذا أن ما يجري بين المتخاصمين في مجلس الحكم من مثل هذا الذم والتقبيح جائز ولا شيء على قائله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك ولم ينكر عليه، وإلى

(1) انظر: "المفهم" للقرطبي 1/ 348.

ص: 571

هذا ذهب [بعض أهل العلم](1). والجمهور لا يجوزون شيئًا من ذلك ويرون إنكار ذلك ويؤدبون عليه تمسكًا بأصل قاعدة التحريم. واعتذروا عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أن المقول له ذلك القول كان كما قيل له، وكان القائل صادقًا ولم يقصد أذاه وإنما قصد منفعة يستخرجها، ويرجى أنه إذا شُنِّع عليه ينزجر بذلك ويرجع إلى الحق. ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزجره؛ لأن المقول له لم يطالب بحقه في ذلك والله أعلم (قال: ليس لك منه إلا ذلك) يعني: إلا اليمين وإن كان فاجرا لا يتورع، وكذا لو كان كافرا ليس له عليه إلا اليمين (فانطلق) الكندي (ليحلف له) فيه دليل على أن اليمين لا تبذل أمام الحاكم، بل لها موضع مخصوص، وإن كانت مغلظة ففي أعظم موضع في ذلك البلد كالبيت الحرام بمكة (فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما) بالتخفيف والله (لئن حلف له) فيه حذف تقديره: من حلف يمينًا (على مال ليأكله ظلمًا (2) ليلقين الله تعالى وهو عنه معرضٌ) تقدم معنى إعراض الله وغضبه. وفيه دليل على استحباب وعظ المقدم على اليمين بأن يقرأ عليه {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} وكما في هذا الحديث (3).

* * *

(1) ما بين المعقوفتين بياض في (ل)، (ر) والمثبت من "المفهم".

(2)

في المطبوع (ظالما).

(3)

انظر: "المفهم" 1/ 349 - 350.

ص: 572