الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
57 - باب أَيْيَ يَقومُ الإمامُ مِنَ المَيِّتِ إِذا صَلَّى عَلَيْهِ
3114 -
حدثنا داوُدُ بْن مُعاذٍ، حدثنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ نافِعٍ أَبي غالِبٍ قالَ: كُنْتُ في سِكَّةِ الِمرْبَدِ فَمَرَّتْ جَنازَة مَعَها ناسٌ كَثِيرٌ، قالُوا جَنازَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَيْرٍ فَتَبِعْتُها فَإِذا أَنا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ كِساءٌ رَقِيقٌ عَلَى بُرَيْذِينَتِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ خِرْقَةٌ تَقِيهِ مِنَ الشَّمْسِ فَقُلْتُ: مَنْ هذا الدِّهْقانُ؟ قالُوا: هذا أَنَسُ بْنُ مالِكٍ. فَلَمّا وُضِعَتِ الَجنازَةُ قامَ أَنَسٌ فَصَلَّى عَلَيْها وَأَنا خَلْفَهُ لا يَحُولُ بَيْني وَبَيْنَهُ شَيء فَقامَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيراتٍ لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ ثمَّ ذَهَبَ يَقْعُدُ فَقالُوا يا أَبا حَمْزَةَ: المَرْأَة الأَنْصارِيَّة، فَقَرَّبُوها وَعَلَيْها نَعْشٌ أَخْضَرُ فَقامَ عِنْدَ عَجِيزَتِها فَصَلَّى عَلَيْها نَحْوَ صَلاتِهِ عَلَى الرَّجُلِ ثمَّ جَلَسَ فَقالَ العَلاء بْنُ زِياد: يا أَبا حَمْزَةَ هَكَذا كانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلّي عَلَى الجَنازَةِ كَصَلاتِكَ يُكَبِّرُ عَلَيْها أَرْبَعًا وَيَقُومُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعَجِيزَةِ المَرْأَةِ؟ قال: نَعَمْ. قال: يا أَبا حَمْزَةَ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نَعَمْ غَزَوْتُ مَعَهُ حُنَيْنًا فَخَرَجَ المُشْرِكونَ فَحَمَلُوا عَلَيْنا حَتَّى رَأَيْنا خَيْلَنا وَراءَ ظُهُورِنا وَفي القَوْمِ رَجُلٌ يَحْمِلُ عَلَيْنا فَيَدُقُّنا وَيَحْطِمُنا فَهَزَمَهُمُ الله وَجَعَلَ يُجاءُ بِهِمْ فَيُبايِعُونَهُ عَلَى الإِسْلامِ فَقالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا إِنْ جاءَ اللهُ بِالرَّجُلِ الذي كانَ مُنْذُ اليَوْمِ يَحْطِمُنا لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجيءَ بِالرَّجُلِ فَلَمّا رَأى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: يا رَسولَ اللهِ تُبْتُ إِلَى اللهِ. فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لا يُبايِعُهُ لِيَفيَ الآخَر بِنَذْرِهِ. قال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَصَدى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ وَجَعَلَ يَهابُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَمّا رَأى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لا يَصْنَعُ شَيْئًا بايَعَهُ فَقالَ الرَّجُلُ: يا رَسُولَ اللهِ نَذْري. فَقالَ: "إِنّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ اليَوْمِ إِلَّا لِتُوفيَ بِنَذْرِكَ" .. فَقال: يا رَسُولَ اللهِ أَلا أَوْمَضْتَ إِلَيَّ فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبيٍّ أَنْ يُومِضَ" .. قالَ أَبُو غالِبٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ صَنِيعِ أَنَسٍ في قِيامِهِ عَلَى المَرْأَةِ عِنْدَ عَجِيزَتِها فَحَدَّثُوني أَنَّهُ إِنَّما كانَ لأنَّهُ لَمْ تَكُنِ النُّعُوشُ فَكانَ الإِمامُ يَقومُ حِيالَ عَجِيزَتِها يَسْتُرُها مِنَ القَوْمِ.
قالَ أَبُو داوُدَ: قَوْلُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إله
إِلَّا اللهُ" .. نَسَخَ مِنْ هذا الحَدِيثِ الوَفاءَ بِالنَّذْرِ في قَتْلِهِ بِقَوْلِهِ إِنِّي قَدْ تُبْتُ (1).
3195 -
حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قال: صَلَّيْت وَراءَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم علَى امْرَأَةٍ ماتَتْ في نِفاسِها فَقامَ عَلَيْها لِلصَّلاةِ وَسَطَها (2).
* * *
باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه
[3194]
(حدثنا داود بن معاذ) العتكي، ثقة قانت لله، قال:(حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي، كان ثبتا صالحًا، يضرب المثل بفصاحته (عن نافع أبي غالب) الخياط الباهلي، قال البخاري: سماه عبد الوارث نافعًا، قال: وقال أحمد ابن واقد: اسمه رافع، يعد في تابعي البصريين (3).
(قال: كنت في سِكَّةِ) هي الطريق، وأصلها النخل المصطفة (المِرْبَد) بكسر الميم وفتح الموحدة: المكان الذي ييبس فيه التمر، والمراد هنا: مربد البصرة، وهي محلة من أشهر محالها (فمرت جنازة معها ناس كثير) (4) فسألت عنها (فقالوا: جنازةُ) بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هذِه جنازة (عبد الله بن عمير، فتبعتُها، فإذا أنا برجل عليه كساءٌ رقيق)
(1) رواه الترمذي (1043)، وابن ماجه (1494)، وأحمد 3/ 118.
صححه الألباني في "المشكاة"(1679).
(2)
رواه البخاري (332)، ومسلم (964).
(3)
انظر: "جامع الأصول" لابن الأثير 12/ 949.
(4)
بعدها في النسخ الخطية: ومعها، وعليها في (ل) علامة نسخة.
وهو راكب (على بُرَيذِينتِه) تصغير برذونة وهي من الخيل ما ليس أبواه عربيين (وعلى رأسه خرقة تَقيه) بفتح أوله وإسكان المثناة تحت، أي: تستره (من الشمس) فيه جواز التستر من الشمس الحارة بخرقة ونحوها.
(فقلت: من هذا الدّهقَانُ؟ ) بكسر الدال وضمها، وهو رئيس القوم. (قالوا: هذا أنس بن مالك رضي الله عنه فلما وضعت الجنازة قام أنس) فيه: المبادرة بالصلاة على الميت إذا حضر، ولا تؤخر لزيادة مصلين، وفيه القيام للصلاة على الجنازة (فصلى عليها وأنا [خلفه لا يحول بيني وبينه شيء) فيه: فضيلة الدنو من الإمام في صلاة الجنازة وغيرها] (1) من الصلوات (فقام عند رأسه) رواية الترمذي (2): فقام حيال رأسه. فيه: دليل على أن الإمام يقف عند رأس الرجل وعجيزة المرأة، وهو الذي أورده العراقيون وصححه الشافعي.
والثاني: وهو قول أبي علي الطبري، ونسبه الماوردي للنص.
قال الصيدلاني: وهو اختيار أئمتنا أنه يقف عند صدره، وبه قال أبو حنيفة وأحمد (3)(فكبَّر أربع تكبيرات) فيه أن السنة أن يكبر على الميت أربع تكبيرات، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد والجمهور، واختلف الصحابة في ذلك من ثلاث إلى تسع، وكان على يكبر على من كان بدرّيًّا ست تكبيرات، وعلى (4) غيره من الصحابة خمسًا، وعلى غيرهم أربعًا. قال ابن عبد البر: وقد انعقد الإجماع بعد
(1) سقط من (ر).
(2)
(1034).
(3)
انظر: "المجموع" للنووي 5/ 225.
(4)
في الأصل: وقال: والمثبت من "شرح مسلم".
ذلك على أربع كما في الأحاديث الصحيحة.
قال: ولا نعلم أحدًا قال بخمس إلا ابن أبي ليلى (1)(لم يُطل) بضم أوله، يعني: في صلاته (ولم يُسرع) بضم أوله (ثم ذهب يقعد) أي: ليقعد (فقالوا: يا أبا حمزة)[بالحاء المهملة](2) فيه مخاطبة الرجل بكنيته دون اسمه؛ لأن في الكنية نوع تعظيم وإكرام (المرأةُ) بالرفع (الأنصارية! ) رواية الترمذي (3): ثم جاؤوا بجنازة امرأة قرشية، فقالوا: يا أبا حمزة، صلِّ عليها. قال العلماء: لعلها كانت من إحدى الطائفتين (فقربوها) إلى جهته (ومعها) وفي أكثر النسخ: وعليها (4)(نعش) النعش، سماه بعضهم: القبة، وسماه صاحب "البيان": الخيمة التي توضع فوق المرأة على السرير (أخضر، فقام عند عَجِيزتها) بفتح العين وكسر الجيم ثم مثناة تحت، أي: أليتاها، ولا يقال في الرجل عجيزة، بل يقال له: عَجُز - بضم الجيم - وقد عجِزت المرأة - بكسر الجيم - تعجَز بفتحها عجَزًا بفتحها أيضًا، وعُجْزًا بضم العين وسكون الجيم أي: عظم عجيزتها، وامرأة عجزاء أي: عظيمة العجيزة.
فيه: أن الإمام يقف عند عجز المرأة.
وقال أبو حنيفة: يقف عند صدرها كالرجل (5).
وقال مالك: يقف عند منكبيها والخنثى كالمرأة، ولو وقف في غير
(1)"الاستذكار" 3/ 31، انظر:"شرح النووي على مسلم" 7/ 23، 24.
(2)
سقط من (ر).
(3)
(1034).
(4)
وهي المثبتة في النسخ المطبوعة من "السنن".
(5)
انظر: "الأصل": 1/ 426.
الموضعين صحَّت صلاته وفاتته الفضيلة (1).
(فصلَّى عليها نحو صلاته على الرجل) في التكبيرات ورفع الأيدي لا فرق بين الرجل والمرأة (ثم جلس) بعد الفراغ من الصلاة عليها (فقال العلاء بن زياد) العلوي (يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة كصلاتك: يكبر عليها أربعًا، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ ) عمومه [يبطل تأويل من قال: إن مقام النبي صلى الله عليه وسلم وسط جنازة أم كعب](2) إنما كان من أجل جنينها الذي في بطنها ليكون واقفا أمامه، بل كان ذلك لأنه حُكْمٌ بمشروعية ذلك سواء كان في بطنها جنين أم لا (3).
(قال: نعم. قال: (4) يا أبا حمزة، هل غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم غزوت معه) غزوة (حنينٍ، فخرج المشركون فحملوا علينا) زاد ابن ماجه (5): فأقبل علينا فقال: احفظوا (حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا) يشبه أن يكون الخيل بطل عزمها لكثرة الجراحات، فنزلوا عنها وتركوها وراء ظهورهم، ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي: رأينا فرسان خيلنا. (وفي القوم رجل يحمل علينا فيدُقُّنا) بضم الدال من الدَّقِّ (ويحطِمُنا) بكسر الطاء: أي: يكسرنا، وسميت النار: حطمة؛
(1) انظر: "المجموع" 5/ 225.
(2)
سقط من (ر).
(3)
انظر: "المفهم" 2/ 616.
(4)
سقط من (ر).
(5)
(1494).
لأنها تحطم كل شيء وقع فيها، والحطم والدق متقاربان في المعنى، (فهزمهم الله) تعالى (وجعل يُجاء) بضم أوله من المجيء (بهم فيبايعونه على الإسلام، فقال (1) رجل من أصحاب النبي (2) صلى الله عليه وسلم) روى ابن سعد من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب فذكر القصة، قال: وكان رجل من الأنصار، وحكى سبط بن الجوزي في "مرآة الزمان" أن (3) الأنصاري: عباد بن بشير (4)(إنَّ عليَّ نذرًا إنْ جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليومِ) بالجر، ومنذ بمعنى: في، أي: الرجل الذي كان في ذا اليوم (يحطِمُنا) وروى ابن [سعد من طريق](5) علي بن زيد المذكورة: كان رجل من الأنصار نذر إن رأى ابن أبي سرح أن يقتله (6)(لأضربن عنقه) ثم ذكر ابن سعد استئمان عثمان له، وكان أخاه من الرضاعة (فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) إقراراً منه على صحة نذره، وفيه دليل على جواز قتل الأسير لغير الإمام (وجيء بالرجل) المذكور بالنصب (فلما رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله: تبت إلى الله! ) على يد رسوله (فأمسك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) عنه (لا يبايعه) فيه دليل على ترك مبايعة من رأى الإمام أن المصلحة في قتله (ليفيَ) بفتح الياء (الآخر بنذره) أي: ليفي الرجل بنذر قتله المتقدم، وفيه: دليل على
(1) في (ر): فجاء.
(2)
في (ر): رسول الله.
(3)
من (ل).
(4)
انظر: "التلخيص الحبير" 3/ 278.
(5)
في (ر): سعيد مر.
(6)
"الطبقات" 2/ 141.
جواز قتله قبل أن يبايعه الإمام وإن كان هو بايع.
(قال: فجعل الرجل يتصدى) بألف ساكنة دون همز أي: يقبل بوجهه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعرَّضُ (لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ويميل إليه، يقال: تصدى فلان لفلان يتصدى إذا [تعرَّض له](1) وهو ما استقبلك وصار قبالتك، قال الله تعالى:{فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)} (2)(ليأمره بقتله) أو يشير إليه (وجعل يَهَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتلَه) بين يديه بغير إذنه ولا إشارته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مهابًا عند كل من ينظره.
وفي حديث سعد بن أبي وقاص في فتح مكة أنه فعل ذلك ثلاثًا وأبى أن (3) يبايعه (فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه) أي: أن الرجل الناذر (لا يصنع شيئًا) مما نذره (بايعه) كما بايع غيره (فقال الرجل: يا رسول الله نذري؟ ) الذي نذرته (4) بقتله أي: ما حكمه؟ (فقال: إني [لم أمسك])(5) بضم الهمزة (عنه) أي: عن مبايعته (منذ اليوم) بالجر أي: في هذا اليوم (إلا لتوفيَ) بالنصب بأن المقدرة (بنذرك) الذي نذرته، وفيه الإرشاد إلى وفاء النذر وأنه واجب (قال: يا رسول الله ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام بمعنى: هلا ويحتمل التشديد للتخفيض (أومضتَ إليَّ؟ ) الإيماض: الرمز بالعين والإيماء بها، وفي رواية للبيهقي والحاكم من حديث سعد يوم فتح مكة وفيه: بايعه ثم قال لأصحابه: "أما كان فيكم
(1) سقط من (ر).
(2)
عبس: 6.
(3)
سقط من (ر).
(4)
في (ر): نذره.
(5)
في (ر): لامسك.
رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يديَّ عنه فيقتله". فقالوا: وما يدرينا بما في نفسك يا رسول الله؟ هلَاّ أومأت إلينا بعينك؟ (1) والإيماض: من وميض البرق وهو لمعانه (2). وفي رواية سعد المتقدمة: قال: يا رسول الله انتظرتك فلم تومض لي (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليس لنبيٍّ أن يومض) وفي رواية سعد المتقدمة: فقال: الإيماء خيانة، وليس لنبيٍ أن يومئ، يعني: بالعين إلى ما يظهر خلافه. قال الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)} (3).
قال ابن عباس: يعلم تعالى من العين نظرها هل تريد الخيانة أم لا.
فإن قيل: روى البخاريُّ من حديث كعب: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورَّى بغيرها (4). وقوله: " الحرب خدعة"(5). وإذا كان كذلك اقتضى تخصيص منعه عليه السلام من إظهار ما بطن خلافه بغير الحرب.
وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: لما قال: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة" فلما جلس تَطَلَّقَ له النبيُّ صلى الله عليه وسلم وانبسط له (6).
وفي رواية: فلما دخل ألان له الكلام (7).
ويجاب عنه بأن يقال: الذي منع منه أن يظهر بلفظه من يخاطبه شيئًا
(1)"السنن الكبرى" 7/ 63 (3277)، و"المستدرك" 3/ 47، وانظر:"التلخيص الحبير" 3/ 277.
(2)
انظر: "شرح أبي داود" للعيني 6/ 135.
(3)
غافر: 19.
(4)
"صحيح البخاري"(2947).
(5)
رواه البخاري (3029، 3030)، ومسلم (1739/ 17)] (1740/ 18).
(6)
رواه البخاري (6032)، مسلم (2591).
(7)
رواه البخاري (6054).
يريد خلافه، - وما قاله لعيينة: تنبيه على صفته ليحذر منه.
(قال أبو غالب) نافع أو عامر (فسألت عن صنيع) بياء بعد النون، أي: فعل (أنس في قيامه على المرأة عند عَجيزتها، فحدثوني أنه إنما كان) ذلك (لأنه لم تكن النعوش) يومئذٍ (وكان يقوم الإمام حيال)[بكسر الحاء](1)، أي: بإزاء، أي: أصله الواو (عجيزتها لكي يسترها من رؤية القوم) قال الطحاوي (2): زعم زاعم أن قيام المصلي عند وسط المرأة، إنما كان لعلة أنه لم تكن نعوش، والنعش للمرأة لا للرجل.
والظاهر أن المراد بالنعش هنا: هو المرتفع الذي يصنع من جريد النخل ونحوه، ويغطى بثوب عليه كما هو معروف.
قال ابن بطال بعد أن حكى ما تقدم عن الطحاوي (3): هذا محال؛ لأن النعوش قد اتخذت في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان أول من اتخذ له فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها قالت لهم عند موتها: إني امرأة ضئيلة يراني الناس بعد وفاتي فأحب أن يستر نعشي بالثياب، فقالت أم سلمة أو أسماء بنت عميس أنها رأت في أرض الحبشة النعوش، وأنها للنساء مغطاة فاتخذ لها نعش، فجعلت فيه، وبقي الناس [على ذلك](4) إلى يومنا هذا.
(قال أبو داود) و (قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا
(1) من (ل).
(2)
"مختصر اختلاف العلماء" 1/ 387، وفيه قال أبو حنيفة: وزعم زاعم .. .. إلخ.
(3)
بل ما سيأتي هو تتمة كلام الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 388 نقله بتمامه ابن بطال.
(4)
من "مختصر اختلاف العلماء".
إله إلا الله. نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر في قوله: قد تبت").
[3195]
(حدثنا مسدد قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع قال: حدثنا حسينٌ المعلِّم قال: حدثنا عبد الله بن بُريدة) قاضي مرو (عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها) المرأة إذا ماتت في نفاسها شهيدة، ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في عدة الشهداء في قوله:"والمرأة تموت بجمع"(1). وهي ومن في معناها من الهدم والحريق والغريق يغسلون ويصلى عليهم بخلاف المقتول بين الصفين؛ لأن ذلك أعظم حرمةً من هؤلاء. ففي هذا الحديث: دليل على أن هؤلاء وإن كانوا شهداء يغسلون ويصلى عليهم (فقام عليها للصلاة في وسْطها) بإسكان السين. قاله النووي (2) وغيره. يقال: فيما كان متفرق الأجزاء، غير متصل كالناس والدواب وغير ذلك: وسط بالسكون، فإذا كان متصل الأجزاء كالرأس والدار فهو بالفتح، وقيل: كل ما يصلح فيه بين فهو بالسكون، وما لا يصلح فيه فهو بالفتح (3). قيل: إنما وقف في وسطها؛ ليحول بين القوم وبين موضع العورة منها. قاله أبو هريرة ومن تبعه.
(1) رواه أبو داود (3111)، وابن ماجه (2803)، والنسائي في "الكبرى"(1985).
(2)
انظر: "شرح مسلم" 7/ 32.
(3)
انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 399.