الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - باب ما جاءَ في الحَلِفِ باِلبَراءَةِ وبمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلامِ
3257 -
حدثنا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ، حدثنا مُعاوِيَة بْن سَلّامٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبي كَثِيرٍ، قال: أَخْبَرَني أَبُو قِلابَةَ أَنَّ ثابِتَ بْنَ الضَّحّاكِ أَخْبَرَهُ أَنَّةُ بايَعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ مِلَّةِ الإِسْلامِ كاذِبًا فَهُوَ كَما قال: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيء عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيما لا يَمْلِكُهُ"(1).
3258 -
حَدَّثَني أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الحُبابِ، حدثنا حُسَيْنٌ - يَعْني ابن واقِدٍ - حَدَّثَني عَبْدُ اللهِ بْنُ بُريدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ فَقال: إِنّي بَريءٌ مِنَ الإِسْلامِ فَإنْ كانَ كاذِبًا فَهُوَ كَما قالَ، وَإِنْ كانَ صادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الإِسْلامِ سالِمًا"(2).
* * *
باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإِسلام
[3257]
(حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع) الحلبي شيخ الشيخين (حدثنا معاوية بن سلَاّم) بتشديد اللام، ابن أبي سلام ممطور الدمشقي (عن يحيى ابن أبي كثير قال: أخبرني أبو قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (أن ثابت بن الضحاك) بن خليفة بن ثعلبة بن عدي الأشهلي (أخبره: أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة) وكانت سمرة (3)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في أصل
(1) رواه البخاري (1363)، ومسلم (110).
(2)
رواه النسائي 7/ 6، وابن ماجه (2100)، وأحمد 5/ 355.
وصححه الألباني في "الإرواء" "2576).
(3)
السمرة: ضرب من شجر الطلح. "المعجم الوسيط" 1/ 465.
الشجرة وعلى ظهره غصن من أغصانها، وهذِه بيعة الرضوان، وكانت سنة ست (1).
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف بملة غير ملة الإسلام كاذبًا) متعمدًا. فيحتمل أن يراد به من كان معتقدًا لتعظيم تلك الملة المغايرة للإسلام، وحينئذٍ يكون كافرًا حقيقةً ويبقى اللفظ على ظاهره. و (كاذبًا) منصوب على الحال أي: حلف في حال تعظيم تلك الملة التي حلف بها فتكون هذِه الحال من الأحوال اللازمة كقوله تعالى (2): {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} (3). لأن من عظَّم ملةً غير الإِسلام كان كاذبًا في تعظيمه ذلك دائمًا في كل حال وكل وقت لا ينتقل عن ذلك، ولا يصلح أن يقال: إنه يعني بكونه (كاذبًا) في المحلوف عليه. لأنه يستوي في ذمه كونه صادقًا أو كاذبًا إذا حلف بملة (4) غير الإِسلام؛ لأنه إنما ذمه الشرع من جهة أنه حلف بتلك الملة (5) الباطلة معظمًا لها على ما يعظم به ملة الإِسلام؛ فلا فرق بين أن يكون صادقًا أو كاذبًا في المحلوف عليه، وأما إن كان الحالف بذلك غير معتقد تعظيمه فهو آثم مرتكب كبيرة.
(فهو كما قال) غلظ الوعيد على من عظم تلك الملة أو اعتقدها بأن صُيِّرَ كواحد من أهل تلك الملة مبالغة في الزجر والردع فهو كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (6).
(1) انظر: "الروض الأنف" للسهيلي 7/ 51.
(2)
في (ل) و (ر): عليه السلام. خطأ.
(3)
البقرة: 91.
(4)
في (ر): بمكة.
(5)
في (ل) و (ر): النعمة والمثبت من "المفهم".
(6)
المائدة: 51.
وقد اختلف العلماء في وجوب الكفارة على قائل ذلك: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو بريء من دين الإِسلام ففعل، فقالت الحنفية وجماعة: عليه كفارة يمين. وقال مالك والشافعي وجماعة: لا كفارة عليه. واستدلوا بحديث أبي هريرة المتقدم: "فليقل: لا إله إلا الله". فجعل ذلك كفارةً له ولكنه تلزمه التوبة.
(ومن قتل نفسه [بشيء] (1) عُذِّب به) لفظ مسلم: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم"(2)، ومعنى: يتوجأ: يطعن، وهو مهموز آخره من: وجأته بالسكين، إذا ضربته (يوم القيامة) ولمسلم:"خالدًا مخلدًا أبدًا"(3). وظاهره التخليد الذي لا انقطاع له بوجه، وهو محمول على من كان مستحلًّا، ومن كان معتقدًا لذلك كان كافرًا، وأما من قتل نفسه غير مستحل فليس بكافر، بل يجوز أن يعفو الله تعالى عنه ثم يكون خروجه من النار من آخر من يخرج من أهل التوحيد، ولما كان الجزاء من جنس العمل كان من قتل نفسه في الدنيا بحديدة عوقب في النار بحديدة، ومن قتل نفسه بسم عوقب في النار بسم من سموم جهنم، فيقول المعذب: هذا الذي وُعدنا به في الدنيا من العذاب، أو هذا (4) الذي عذبنا به هو عقوبة لما فعلناه في الدنيا، كما أن أهل الجنة يقولون عن الثمرة التي كانوا يأكلونها:{هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} (5).
(1) سقط من (ر).
(2)
(109).
(3)
مسلم (109).
(4)
في (ر): وهو.
(5)
البقرة: 25، وانظر:"المفهم" 1/ 310.
(وليس على رجل نذر فيما لا يملكه) وهذا صحيح فيما إذا باشر النذر بملك الغير كما لو قال: لله تعالى علي عتق عبد فلان، أو هدي بدنة فلان، ولم يعلق شيئًا من ذلك على ملكه، ولا خلاف أن ذلك لا يلزم به شيء، وإنما اختلفوا فيما إذا علق العتق أوالهدي أو الصدقة على الملك له، مثل أن يقول: إن تملكت عبد فلان فهو حر، فلم يلزمه الشافعي (1) شيئًا من ذلك -عمَّ أو خصّ- تمسكًا بهذا الحديث، وألزمه أبو حنيفة كل شيء من ذلك -عمَّ أو خصَّ- لأنه من باب العقود المأمور بوفائها، ووافق أبا حنيفة مالكٌ فيما إذا خصّ تمسكًا بمثل ما تمسك به أبو حنيفة وخالفه فيما إذا عم (2) رفعًا (3) للحرج الذي أدخله على نفسه. قال القرطبي: ولمالك قولٌ آخر مثل قول الشافعي (4).
[3258]
(حدثنا أحمد بن حنبل، أنبأنا زيد بن الحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الأولى، العكلي الخراساني، أخرج له مسلم [(ثنا حسين بن واقد) قاضي مرو، أخرج له مسلم، (5) ولمن بعده:(حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه) بريدة بن الحصيب (6)(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من حلف فقال) في حلفه (إني بريء من الإِسلام) أو من الله
(1) في (ل): للشافعي. والمثبت من (ر).
(2)
في (ر): زعم.
(3)
في (ر): رفقا.
(4)
"المفهم" للقرطبي 1/ 313.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ر).
(6)
في (ل): الخطيب وفي (ر): الحصيف، والمثبت هو الموافق لما في مصادر ترجمته.
أو من رسوله أو من الكعبة إن فعلت كذا (فإن كان) يشبه أن يكون المراد: فإن كان الحالف قصده أن يكون (كاذبًا) في يمينه، وأن عزمه أن يفعل المحلوف عليه ويحنث في يمينه التي هي براءته من الإِسلام (فهو) بريء من الإِسلام (كما قال) إذا فعل ما حلف (1) عليه، بل قالوا: إنه يصير كافرًا في الحال وإن لم يفعل؛ لأن من عزم على أن يكفر في آخر الشهر فهو كافر في الحال.
(وإن كان) قصده باليمين أن يكون (صادقا) فيها غير فاعل المحلوف (2) عليه بل قصد بيمينه التباعد من المحلوف وشدد على نفسه في ترك فعل المحلوف عليه بما لا يتصور (3) وقوعه منه وهو كالمستحيل في حقه (فلن يرجع إلى الإِسلام) الكامل (سالما) من نقص فيه، ويحتمل أن يكون التقدير: فإن كان الحالف مكذبًا لدين الإسلام غير مصدق له فهو كما قال بلسانه بريء منه وتجري عليه أحكام المرتدين. وإن كان صادقًا في إيمانه مصدقًا لشريعة الإسلام ولم يقصد بيمينه إلا التباعد عما حلف عنه، فإنه لم يصر (4) بعد حلفه سالمًا دينه من نقص، ولم أر من تكلم على معناه، بل قال الخطابي: إن فيه دليلًا على أن من حلف بالبراءة عن الإِسلام فإنه يأثم ولا يلزمه كفارة؛ لأنه عليه السلام إنما جعل عقوبته في دينه ولم يجعل في ماله شيئًا (5). ولم يجزم فيه بكراهة ولا تحريم، وقد جزم النووي (6) في "الأذكار"
(1) في (ل): فعل.
(2)
في (ل): محلوف.
(3)
في (ر): يتضرر.
(4)
في (ر): يضر.
(5)
"معالم السنن" 4/ 46.
(6)
في (ل): الثوري.
بالتحريم فقال في آخره: يحرم أن يقول: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإِسلام أو نحو ذلك. فإن قاله وأراد حقيقة فعله وخروجه عن الإسلام بذلك صار كافرًا في الحال وجرت (1) عليه أحكام المرتدين، وإن لم يرد ذلك لم يكفر ولكنه ارتكب محرمًا فيجب عليه التوبة (2).
قال أصحابنا: وإذا لم يكن كافرًا فيأتي بالشهادتين ويتوب إلى الله تعالى ويستغفر من ذلك.
قال الإسنوي: وسكتوا عن حالة الإطلاق يعني إذا مات عقب ذلك ولم يتبين كونه صادقًا أو كاذبًا أو غاب وتعذرت مراجعته فهل يحكم بالكفر أم لا؟ والقياس يقتضي التكفير إذا عري عن القرائن الحاملة (3) على غيره؛ لأن اللفظ بوصفه يقتضيه.
قال: وكلام النووي السابق عن "الأذكار" يقتضي أنه لا يكفر بذلك والقياس خلافه، ورواية ابن ماجه أبلغ في التحريم ولفظه:"فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا لم يعد إليه الإِسلام سالمًا"(4).
وظاهر هذا أنه يفارقه (5) الإِسلام وبالشهادتين لم يرجع إليه بلا نقص (6).
* * *
(1) في (ر): وحرف.
(2)
"الأذكار"(359).
(3)
في (ل) و (ر): الحامل. والمثبت من "طرح التثريب" 7/ 169.
(4)
(2100).
(5)
في (ل): لا يفارقه.
(6)
انظر: "طرح التثريب" للعراقي 7/ 158.