الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 - باب في البُكاءِ عَلى الميِّتِ
3125 -
حدثنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسيُّ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ عاصِمٍ الأَحْوَلِ قالَ: سَمِعْتُ أَبا عُثْمانَ، عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ ابنةً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ وَأَنا مَعَهُ وَسَعْدٌ وَأَحْسِبُ أُبَيّا أَنَّ ابني أَوْ بِنْتي قَدْ حُضِرَ فاشْهَدْنا. فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلامَ فَقالَ:"قُلْ لله ما أَخَذَ وَما أَعْطَى وَكُلُّ شَيء عِنْدَهُ إِلَى أَجَلٍ" .. فَأَرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ فَأَتاها فَوُضِعَ الصَّبيُّ في حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَفاضَتْ عَيْنا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ لَهُ سَعْدٌ: ما هذا قالَ: "إِنَّها رَحْمَةٌ وَضَعَها اللهُ في قُلُوبِ مَنْ يَشاءُ وَإِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ"(1).
3126 -
حدثنا شَيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، حدثنا سُلَيْمان بْنُ المُغِيرَةِ، عَنْ ثابِتٍ البُنانيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وُلِدَ ليَ اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبي إِبْراهِيمَ" .. فَذَكَرَ الحَدِيثَ قالَ أَنَسٌ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَمَعَتْ عَيْنا رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: "تَدْمَعُ العَيْنُ وَبَحْزَنُ القَلْبُ وَلا نَقُولُ إِلَّا ما يَرْضَى رَبُّنا إِنّا بِكَ يا إِبْراهِيمُ لَمَحْزُونُونَ"(2).
* * *
باب في البكاء على الميت
[3125]
(حدثنا أبو الوليد) هشام (الطيالسي) بن عبد الملك، قال أحمد: هو اليوم شيخ الإسلام (3)(حدثنا شعبة، عن عاصم الأحول قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن بن ملّ -بفتح الميم- النهدي،
(1) رواه البخاري (1284)، ومسلم (923).
(2)
رواه البخاري (1303)، ومسلم (2315).
(3)
انظر: "الكاشف" 2/ 337.
(عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن بنتًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم) وهي زينب، رضي الله عنها (أرسلت إليه وأنا معه وسعد) بن عبادة، زاد مسلم (1): ومعاذ بن جبل. (وأحسب أُبيًّا) أي: أبي بن كعب معنا، أنها قالت (أن ابني أو بنتي قد حُضِر) -بضم الحاء المهملة وكسر الضاد-، رواية البخاري في الأيمان (2): احتضر، رواية مسلم: في الموت (فاشهدنا)(3) أي: احضرها، رواية الصحيح: إن ابنا (4)، ورواية ابن ماجه: ابنتي أميمة (5).
(فأرسل يُقرئ) عليها (السلام، قال: قل) لها: إن (لله ما أخذ) أي: ما أخذه كان له لا لكم، فلم يأخذ إلا ما هو له، فينبغي أن لا تجزعوا (6) كما لا يجزع من استردت منه وديعة أو عارية (و) له (ما أعطى) أي: ما وهبه لكم ليس خارجًا عن ملكه، بل هو سبحانه (7) يفعل فيه ما يشاء (وكل شيء عنده إلى أجل) مسمىً (8) معناه: اصبروا ولا تجزعوا؛ فإن كل من مات قد انقضى أجله المسمى، فمحال تقدمه أو تأخره عنه. إذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم.
(فأرسلت) إليه (تقسم عليه) بالحضور (فأتاها) هو وسعد بن عبادة
(1)(923).
(2)
(6655).
(3)
في (ر): فاشهدها.
(4)
رواه البخاري (1284).
(5)
لم أجدها عند ابن ماجه، وعزاها الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص 269) لابن الأعرابي في "معجمه". وانظر:"مسند أحمد" 5/ 204، 206.
(6)
في (ر): يجزع.
(7)
سقط من (ر).
(8)
سقط من (ر).
ومعاذ بن جبل، فرفع إليه الصبي (فوُضِعَ) بضم الواو وكسر الضاد (في حَجْر) بفتح الحاء (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي الكلام حذف تقديره: فمشوا إلى بيتها، فاستأذنوا فأذن لهم، فدخلوا فجلس فوضع في حجره (ونفسه تَقَعْقَعُ) بفتح التاء والقافين أي: تضطرب، زاد مسلم: كأنها في شنة، يقال: إنه ليتقعقع لَحياهُ من الكِبَر.
والمراد بالقعقعة هنا: صوت النفس وحشرجة الصدر، ومنه قعقعة الجلود والأسلحة وهي أصواتها، والشنة: القربة البالية، شبه صوت نفسه وقلقلته في صدره بما ألقي في القربة البالية اليابسة وحرك فيها (1).
(ففاضتْ عينا رسولِ الله [(2) صلى الله عليه وسلم) حين رآه (فقال له سعدٌ: ما هذا يا رسولَ الله؟ فقال: إنها رحمةٌ، يضعها) رواية: ويضعها (الله في قلب من يشاء) من عباده، والرحمة رقة يجدها الإنسان في قلبه تبعثه على البكاء من خشية الله تعالى وعلى أفعال البر والخير وعلى الشفقة على المبتلى والمصاب ومن كان كذلك جازاه الله برحمته وهو المعني بقوله (وإنما يرحم الله تعالى من عباده الرحماء) يجوز في الرحماء النصب على أن (ما) كافة كقوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} (3)، وزيدت (ما) بعد (إن) لتهيئتها لولايتها الجملة الفعلية والرحماء مفعول، ويجوز الرفع على تقدير أن (ما) موصولة والتقدير: إن الذي يرحمه الله الرحماء فيكون الرحماء خبر (إن) وضد الرحمة القسوة في القلوب
(1) انظر: "المفهم" للقرطبي 2/ 575.
(2)
بدأ من هنا سقط في (ر).
(3)
البقرة: 173.
الباعثة على الإعراض عن الله تعالى وعن أفعال الخير ومن كان كذلك قيل له: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (1).
[3126]
(حدثنا شيبان بن فروخَ) غير منصرف (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولى بني قيس سيد أهل البصرة. قال: قدم الثوري البصرة فأرسل إليَّ: بلغني عنك أحاديثُ فأتني فإني على ما ترى من الحال، فأتيته فسمع مني (2).
(عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وُلِدَ لي الليلةَ كُلامٌ فسميتُه باسم أبي إبراهيم عليه السلام فيه تسمية المولود باسم جده، وفيه تسمية المولود ليلة مولده على الصحيح، وكانت أمه مارية بنت شمعون القبطية، وكانت قابلتها مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الولادة في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة.
(فذكر الحديث) رواية مسلم: ثم دفعه إلى أم سيف امرأة رجل يقال له أبو سيف فانطلق يأتيه فاتبعته، فانتهينا إلى أبي سيف ينفخ كيره قد امتلأ البيت دخانًا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بابنه وضمه إليه وقال ما شاء الله أن يقول (3).
(قال أنس: لقد رأيته يَكيدُ بنفسه) يكيد: بفتح الياء أوله أي: يجود بها يعني: وهو من كاد إذا بلغ الموت وهو في النزع (بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1) الزمر: 22. وانظر: "المفهم" 2/ 575 - 576.
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 12/ 71.
(3)
"صحيح مسلم"(2315).
فدمَعت) بفتح الميم والكسر لغة حكاها أبو عبيدة (عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه جواز البكاء والحزن بالقلب وأن ذلك لا يخالف الرضا بالقدر، وهو رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما المذموم الندب والنياحة والدعاء بالويل والثبور ونحو ذلك بالقول بالباطل (1).
(فقال: تدمع العين، ويحزن القلب) هذا تفسير البكاء المباح والحزن الجائز، وذلك ما كان بدمع العين ورقة النفس، ولم يكن تسخطا لحكم الله، إذ الفطر مجبولة على الحزن والفرح لأسبابهما (2)(ولا نقول إلا ما يُرضى ربنا، وإنا بك) أي: بفراقك، كما في البخاري (يا إبراهيم لمحزونون) أي: أصابنا الحزن القهري من الله تعالى، لا أنا حزنا اختيارًا.
(1) انظر: "شرح النووي على مسلم" 15/ 75.
(2)
انظر: "شرح البخاري" لابن بطال 3/ 287.