الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - باب في فضْلِ مَنْ ماتَ في الطّاعُونِ
3111 -
حدثنا القَعْنَبيُّ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ عَتِيكِ بْنِ الحارِثِ بْنِ عَتِيكٍ -وَهُوَ جَدُّ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَبُو أُمِّهِ- أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمَّهُ جابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللهِ بْنَ ثابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ فَصاحَ بِهِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجِبْهُ فاسْتَرْجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وقالَ:"غُلِبْنا عَلَيْكَ يا أَبا الرَّبِيعِ" .. فَصاحَ النِّسْوَة وَبَكَيْنَ فَجَعَلَ ابن عَتِيكٍ يُسْكِتُهُنَّ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "دَعْهُنَّ فَإِذا وَجَبَ فَلا تَبْكِيَنَّ باكِيَةٌ" .. قالُوا وَما الوُجُوبُ يا رَسُولَ اللهِ قالَ: "المَوْتُ" .. قالَتِ ابنتُهُ: والله إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا فَإِنَّكَ كُنْتَ قَدْ قَضَيْتَ جِهازَكَ. قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ عز وجل قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ، وَما تَعُدُّونَ الشَّهادَةَ؟ " .. قالُوا: القَتْلَ في سَبِيلِ اللهِ. قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الشَّهادَةُ سَبْعٌ سِوى القَتْلِ في سَبِيلِ اللهِ: المَطْعُونُ شَهِيدٌ والغَرِقُ شَهِيدٌ وَصاحِبُ ذاتِ الجَنْبِ شَهِيدٌ والمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَصاحِبُ الحَرِيقِ شَهِيدٌ والَّذي يَمُوتُ تَحْتَ الهَدْمِ شَهِيدٌ والمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ"(1).
* * *
باب ما جاء في فضل من مات بالطاعون
[3111]
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله [بن عبد الله] (2) بن جابر (3) بن عتيك) الأنصاري المدني، وثقه ابن معين وغيره (عن عتيك بن
(1) رواه النسائي 4/ 13، وابن ماجه (2803)، وأحمد 5/ 446، ومالك 1/ 233.
صححه الألباني في "صحيح الجامع"(3739).
(2)
من المطبوع.
(3)
سقط من (ر).
الحارث بن عتيك) مدني تابعي.
قال أبو داود (و) عتيك (هو جد عبد الله بن عبد الله) بن جابر (أبو أمه - أنه أخبره، أن (1) عمه جابر) قال ابن منجويه: أهل العراق يقولون في جده: جبر، ولا يصح؛ إنما هو جابر (2)(ابن عَتِيك) -بفتح المهملة وكسر المثناة فوق- ابن قيس بن الأسود الأنصاري، ويقال: من بني النجار، مدني شهد بدرًا وجميع المشاهد بعدها (3).
([أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم] (4) جاء يعود عبد الله بن ثابت) الظَفَري -بفتح الظاء المعجمة والفاء- الأنصاري (فوجده قد غُلِب) -بضم الغين وكسر اللام -أي: غلب عليه من شدة المرض (فصاح به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجبه، فاسترجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم) أي: قال: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} (5).
(وقال: غُلبنا) بضم الغين وكسر اللام (عليك يا أبا الربيع، فصاح النسوة) لم تلحق تاء التأنيث في فصاحت، مع أنه فعل متصل به ظاهر حقيقي التأنيث؛ لأنه جمع تكسير المؤنث، ويجوز فيه الوجهان. والنسوة كما ذكرنا جمع قلة على ما نقله أبو حيان في قوله تعالى:
(1) سقط من (ل) والمثبت من (ر).
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" 15/ 172.
(3)
انظر: "تهذيب الكمال" 4/ 454 (872).
(4)
سقط من (ل).
(5)
البقرة: 156.
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} (1)(وَبَكَينَ) بفتح الكاف (فجعل) جابر (بن عتيك يسكتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهن، فإذا وجب) أي: له على الله تعالى ما وعده به من الجنة أو النار بموته، ويحتمل أن يراد: فإذا وجب أي: لزمه الموت الذي كتبه الله على خلقه؛ فإنَّ الواجبَ هو اللازم (فلا تبكين باكية) أي: بعد موته. استدل به من فرَّق في جواز البكائين ما قبل الموت فيجوز، وأما بعده فلا يجوز.
وحكى النووي أن الجمهور على أنه بعد الموت خلاف الأولى.
قال: ومنهم من قال إنه مكروه. وفي كلام الشيخ أبي حامد من أصحابنا ما يقتضي أنه حرام؛ فإنه قال: إذا قلت إنه مباح من غير ندب ولا تعديد فوقته ما لم يمت الميت، فإذا مات خرج وقت البكاء وكان ممنوعًا منه فيما بعد. واستدل بهذا الحديث (2). قال المحاملي في "التجريد": قال الشافعي: ووقت البكاء إلى أن يموت الميت، فإذا مات قطع. وفرق الشيخ أبو حامد بين ما قبل الموت وما بعده بأن قبل الموت يرجى فيكون البكاء حذرًا عليه، وبعده لا معنى له.
قال السبكي: والصواب أنه لا يحرم؛ لما في البخاري: شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان (3).
وفي "صحيح مسلم"(4): أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه، فبكى وأبكى من
(1)"البحر المحيط" 5/ 299 والآية من سورة يوسف: 30.
(2)
"المجموع " 5/ 307.
(3)
انظر: "أسنى المطالب" 1/ 335.
(4)
(976).
حوله، وتظاهرت الأحاديث من السلف والخلف بالبكاء بعد الموت.
ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف، ويتأول هذا الحديث على الكراهة، أو أنه خلاف الأولى كما تقدم.
(قالوا: وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: الموت) سمي بذلك لأن الله أوجبه على العباد وكتبه عليهم كما ألزمهم الصلوات وكتبها عليهم.
وقال بعضهم: لأنه وجب له الجنة أو النار كما سبق في المكتوب.
(قالت ابنته: والله إنْ) بكسر الهمزة وسكون النون، وهي المخففة من الثقيلة، والتقدير: إني (كنت لأرجو) هذِه اللام التي في "لأرجو" هي التي تأتي بعد أن الخفيفة لتخلصها (1) من أن النافية (أن تكون) بمثناة فوق وهي تاء الخطاب (شهيدًا) أي: في حرب الكفار (فإنَّك) بتشديد النون قد (كنتَ قضيتَ جَهازَك) بفتح الجيم ومنهم من كسرها، وهو ما يعد ويهيأ مما يصلح للسفر من زادٍ وغيره من غزو أو حج أو تجارة، والمراد به هنا: ما أعد للغزو في سبيل الله، (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى قد أوقع أَجْرَهُ) بالنصب (على قدر نيته) أي: فيزيد الأجر بزيادة ما عزم على فعله، وينقص بنقصانه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} (2).
(وما تعدون الشهادة؟ قالوا: القتل) بالنصب والرفع (في سبيل الله تعالى. قال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]: الشهادةُ سبعٌ) رواه مالك في "الموطأ"(3)
(1) في (ر): لتحصلها.
(2)
النساء: 40.
(3)
1/ 233 (554).
قال: "الشهداء [(1) سبعة" وما تقدم إلى هنا موافق لرواية المصنف. (سوى القتل في سبيل الله) تعالى: (المطعون) وهو من مات بالطاعون (شهيد) كما في رواية: "الطاعون شهادة لكل مسلم"(2)(والغَرِق) بكسر الراء وهو الذي يموت غريقًا بالماء. رواية: الغريق (شهيد، وصاحب ذات الجنب) وهي قرحة تكون في الجنب باطنًا بوجع شديد ثم تنتفخ في الجوف ويسكن الوجع، وذلك وقت الهلاك، وكذلك وجع الخاصرة وكذا القروح التي تحدث في الصدر والرئة. قاله الرافعي.
والمشهور عند أهل هذِه الصناعة أنها ورم حار في الغشاء المستبطن للأضلاع، ومتى كان الورم ظاهرًا لا يسمى ذات الجنب، وذات الجنب مؤذية جدًّا لإفراطها تسخين القلب ولبعد مكانها عن الدواء، ومن علاماتها الحمى المتلازمة والوجع الفاحش تحت الأضلاع وضيق النفس وتواتره والسعال (3).
(شهيد، والمبطون) وهو صاحب داء البطن وهو الإسهال سواء كان من الدماغ أو من المعدة أو غيرهما كالأمعاء، وقيل: هو الذي به الاستسقاء وهو انتفاخ البطن، وقيل: الذي يشتكي بطنه، وقيل: الذي يموت بداء بطنه مطلقًا (4).
(شهيد، وصاحب الحريق) هذا من إضافة الموصوف إلى صفة وهو
(1) من أول هنا سقط في (ر).
(2)
رواه البخاري (2830) ومسلم (1916).
(3)
انظر: "مغني المحتاج" 3/ 51.
(4)
انظر: "شرح النووي على مسلم" 13/ 63.
عند البصريين فيه حذف تقديره: صاحب الجسم الحريق أي: المحروق بالنار، فعيل بمعنى مفعول مثل كف خضيب، أي: مخضوب (شهيد، والذي يموت تحت الهدْم) بسكون الدال (شهيد) أي: سواء مات قبل أن يخرج من تحت الهدم أو أخرج حيًّا ومات من ذلك الهدم (والمرأة تموت بجمع) بضم الجيم وفتحها وكسر مع سكون الميم، وضم الجيم أشهر. قيل: هي التي تموت حاملًا جامعة ولدها في بطنها أي: أسقم ولدها، وقيل: هي التي تموت بكرًا، والأول هو الصحيح.
(شهيد) وإنما قال: شهيد، ولم يقل: شهيدة؛ لأنه فعيل بمعنى مفعول، أي: مشهود له بالجنة شهد الله بها والملائكة، وقيل: سمي الشهيد شهيدًا؛ لأنه عهد عند خروج روحه ما له من الثواب عند الله تعالى. قال العلماء: وإنما كانت هذِه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها، وقد جاء في حديث آخر:"من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد". والمراد بهذِه الشهداء أنهم شهداء في الآخرة دون الدنيا بمعنى أن لهم ثوابًا في الآخرة ولا يلزم أن يكون المقتول في سبيل الله وهؤلاء، يغسلون ويصلى عليهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا القسم فإنه مات بأكلة الخيبرية التي فيها السم وكانت تعاوده إلى أن مات.
والثالث: شهيد في الدنيا دون الآخرة كالمقاتل رياء وسمعة والمقتول مدبرا والمقتول وقد غل من الغنيمة فلا يغسل ولا يصلى عليه والفارُّ ليس بشهيد فإن الفرار من الكبائر.